أعلن محرم إنجه، اليوم 11 مايو/أيار 2023، انسحابه من السباق الرئاسي في الانتخابات العامة لعام 2023. وخلال بيانه، قال إنجة إنه تعرّض لاغتيال سمعته على مدار 45 يوماً، مع هجوم متواصل بالشبكات الاجتماعية، بسبب مزاعم انتشار مقطع فيديو جنسي له. وعلى الجانب الآخر، لاحظ البعض أن إنجة لم يكن بصحةٍ جيدة في أثناء الإدلاء ببيانه، فضلاً عن إلغائه تجمعاته الانتخابية في محافظتين بالأمس نتيجة المشكلات الصحية. وقد ادعى "تحالف الأمة" مراراً أن إنجة يتعاون مع حزب العدالة والتنمية، وذلك عبر وسائل الإعلام الرسمي والشبكات الاجتماعية. بينما اعترض إنجة على المزاعم الموجهة إليه، وأعلن انسحابه من الترشح لنفي تلك المزاعم، فيما يعمل الخبراء على إعادة تقييم نتائج الانتخابات بعد الخطوة التي اتخذها إنجة.
يُذكر أن إنجة جمع 30.64% من الأصوات في انتخابات الرئاسة عام 2019 باعتباره المرشح المشترك للمعارضة، لكنه لم يُصدر أي تصريح في ليلة الانتخابات واتهمه ناخبوه بـ"الاختفاء". ولا يتمتع إنجة بسجل ناجح للغاية في عالم السياسة.
حيث شهدت أصوات محرم زيادةً حتى أبريل/نيسان، خاصة بفضل دعم الناخبين الشباب. لكن أصواته انخفضت بدرجةٍ كبيرة في أبريل/نيسان، بسبب رفضه الجلوس على الطاولة مع التحالفات الأخرى، وبسبب الشائعات عن تفاوضه وتعاونه مع حزب العدالة والتنمية، وبسبب الأخبار السلبية التي تُنشر عنه باستمرار. بينما شهدت الأيام الأخيرة انتشار مزاعم بظهوره في مقاطع فيديو جنسية، لتمثل المسمار الأخير في نعش حملته وتجبره على الانسحاب من السباق. وعلى الجانب الآخر، يُمكن القول إن نفسية الناخبين لعبت دوراً في تراجع أصواته أيضاً. ويرجع السبب إلى أن بعض الناخبين قد يبدون اهتماماً بمرشحٍ بديل قبل الانتخابات، لكن من الشائع للغاية أن يتحول الاهتمام إلى المرشحين الأكثر شعبية مع اقتراب الاقتراع. ولهذا لعبت هذه العوامل دوراً مهماً في تراجع أصوات إنجة. وكان من المحتمل أن يؤدي هذا التراجع إلى اختفاء إنجة من الساحة السياسية بالكامل، وذلك في حال دخوله الانتخابات. لكن الانسحاب من الانتخابات منح إنجة فرصةً للهروب بجرحٍ كبير. لذلك يجب القول إن انسحاب إنجة من الانتخابات لا يتعلق بالإرهاق النفسي العادي، بل يرتبط برغبته في التحرك استراتيجياً والحفاظ على بقائه في الساحة السياسية، من خلال تحمُّل ضررٍ أقل من ضرر خسارة الاقتراع.
وسيجري توزيع أصوات محرم إنجه الآن على بقية المرشحين. ومن المنطقي أن غالبية أصوات الناخبين -الذين كانوا سيختارون إنجة- ستذهب إلى "تحالف الأمة"؛ نظراً إلى أن قاعدة ناخبي إنجة تتألف من الشباب العلماني في أغلبها. ويجب أن يضع الجانب الآخر هذا الأمر في اعتباره أيضاً. حيث إن انسحاب محرم إنجه قبل يومين من الانتخابات يكشف عن غياب الاستقرار والقدرة على التنبؤ بتصرفات المرشحين، الذين يقدمون بديلاً للحكومة، وذلك في عيون الناخبين.
ونستطيع القول بشكلٍ عام، إن الناخبين لا يفضلون البدائل غير المستقرة وغير المتوقعة، ولهذا يتحولون إلى الخيارات المستقرة والمتوقعة. وبالنظر إلى انطباع عدم الاستقرار الذي خلقه قرار ميرال أكشنار الانسحاب من "تحالف الأمة" في مارس/آذار، فلا شك في أن أردوغان سيحصل على كثير من أصوات ناخبي محرم إنجه، الذين ليسوا متشددين في معارضتهم. علاوةً على أن وعود أردوغان قبل الانتخابات قد أضافت الكثير إلى رصيده في عيون الناخبين، بعد أن حقق قدراً كبيراً منها بالفعل.
ومن ناحيةٍ أخرى، أعلن المرشح الثالث سنان أوغان عن حملته للرئاسة كممثل عن الجناح القومي. ولن يحصل تحالف الأجداد على كثير من الأصوات بعد انسحاب محرم إنجه، نتيجة تقسيم الأصوات القومية بين الحزب الجيد وحزب الحركة القومية وسنان أوغان، ونظراً إلى قلة الناخبين القوميين عموماً في حزب إنجة.
ولم يمنح محرم إنجه توجيهات واضحة لناخبيه حتى الآن، لكنه منحهم انطباعاً عن موقفه عندما صرح بأن من يهاجمونه هم أعضاء جماعة غولن وحزب العمال الكردستاني. وإذا وضعنا في الاعتبار أن "تحالف الأمة" هو الذي يجلس اليوم على الطاولة مع حزب الشعوب الديمقراطي (الذراع السياسية لحزب العمال الكردستاني)، وأن الحسابات الأجنبية لأعضاء جماعة غولن تواصل مهاجمة حزب العدالة والتنمية، فلن نكون على خطأ إذا قلنا إن الهدف الأساسي لجماعة غولن وحزب العمال الكردستاني هو حزب العدالة والتنمية. أي إن التحليل السليم يُشير إلى تأكيد إنجة أن لديه أعداء مشتركين مع حزب العدالة والتنمية، وهم جماعة غولن وحزب العمال الكردستاني. وفي نهاية خطاب انسحابه، تحدث إنجة عن "تحالف الأمة" قائلاً: "لن تكون لديهم أعذار، وسيلقون باللوم علينا عندما يخسرون الانتخابات". وبهذا أعرب إنجة عن أنه لا يقف مع تحالف الأمة في الواقع. لكن قبل يومين من الانتخابات، علينا أن ننتظر لنرى ما إذا كان سيُوجّه ناخبيه لدعم مرشح بعينه أم سيُلمح إلى شيءٍ آخر.
ومع انسحاب محرم إنجه، سنجد أن احتمالات حسم الانتخابات في الجولة الأولى قد ارتفعت.
وترى المعارضة في هذه المرحلة أنها ستفوز بالانتخابات من الجولة الأولى. وكان مركز Konda Research and Consultancy مصدر هذه الفكرة، حيث أصدر اليوم أحدث الاستطلاعات الانتخابية التي توقعت احتلال كليجدار للمرتبة الأولى بنسبة 49.3%. لكن تلك النتائج قد تتغير الآن بعد خطوة إنجة، لأن الناخبين الأتراك سيفضلون المرشح المستقر والمتوقع الذي أثبت نفسه -كما ذكرت سالفاً- عندما يحل يوم الاقتراع، بغض النظر عن الأفكار المختلفة التي يعتنقونها قبل الانتخابات. وأرى أن أردوغان سيستفيد من هذه الخطوة بطريقةٍ أو بأخرى، لزيادة حصته من الأصوات. وأود انتهاز هذه الفرصة لأتمنى كل الخير للشعب التركي ولكافة الأشقاء في المنطقة، مع تأكيد قدسية اختيار الشعب، بغض النظر عن نتيجته.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.