لطالما رددنا شعارات وقمنا بتبني أفكار حول محاربة جرائم الأموال والفساد الإداري، والذي هو شائع في جميع دول العالم بدون استثناء.
الفساد الذي يريد الجميع محاربته بالقانون، الفساد الذي يجد أرضية خصبة في دول الجنوب والدول المتخلفة، لا نستثني الديمقراطيات الكبرى، فهي بدورها تشهد قضايا الفساد والرشوة والغش والمحسوبية وسرقة المال العام.
لكن الفرق بين الدول العظمى والدول المتأخرة التي نعيش فيها هي طريقة التعامل مع مثل هذه القضايا، ففي الغرب يتم الضرب بيد من حديد على كل شخص سولت له نفسه المس بالمال العام أو اختلاس أو التهرب الضريبي، بينما في الدول العربية كمثال نجد عكس ذلك؛ إذ يتم تحريك القضايا وتبقى فقط في رفوف المحاكم؛ إما بتأجيل أو تقديم شواهد طبية أو تغيير القاضي.
وفي المغرب هناك العديد من القضايا المعروضة وسط المحاكم تنتظر أحكاماً نهائية منذ زمن، حيث إن الأدلة دامغة في حق مختلسي المال العام، بل إن المجلس الأعلى للحسابات الذي أُنشئ بمبادرة ملكية للوقوف على مثل هذه الجرائم، قدم تقارير خطيرة في هذا السياق؛ لكن ليس لديه سلطة المتابعة أو لديه حق الإحالة المباشرة إلى القضاء.
عمل المجلس الأعلى للحسابات كان قوياً، وتقارير "إدريس جطو"، رئيس المجلس السابق يمكن القول إنها مثلجة للصدور وتقف بالأرقام على الاختلاسات ومسار المشاريع، لكن رغم هذا العمل الكبير نجد أنها مجرد تقارير بلا دعاوى قضائية أو محاسبة قانونية.
وإن كنا قد طرحنا في المغرب عبارة كبيرة، وهي: "ربط المسؤولية بالمحاسبة في دستور 2011″، فإننا وبالنظر إلى حصيلة الأداء الرقابي للمجلس الأعلى للحسابات، فإننا لا نلمس تقدماً أو تغيراً واضحاً بين العهدين؛ عهد اللجنة الوطنية للحسابات، وعهد المجلس الأعلى للحسابات.
مما يحتم علينا طرح مجموعة أسئلة محورها الأسباب والمعيقات التي حالت دون قيام المجلس الأعلى للحسابات برقابة جادة على الأموال العامة.
"قبل أيام -في نفس سياق ما سبق- تم اعتقال الوزير السابق والسياسي ابن مدينة "الفقيه بن صالح" محمد مبديع، في قضايا اختلاس وتبديد أموال عامة والتزوير والرشوة، هو وعدة أشخاص، ومحمد مبديع تقلد مجموعة من المناصب الحساسة في الدولة المغربية فقد كان برلماني ووزير منتدب ورئيس لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان بمجلس النواب (قدم الاستقالة بعد التصويت عليه رغم عدم رضا الكثير! وغيرها من المناصب، بالإضافة إلى أنه منذ سنة 1997 رئيس جماعة الفقيه بن صالح!
ولقد تولى محمد مبديع كل ما سبق من المناصب والمسؤوليات دون توفره حتى على شهادة البكالوريا التي تعتبر أهم شهادة في التعليم المغربي.
محمد مبديع الذي اعتقل قبل أيام كانت تلاحقه منذ سنوات وتحديداً في 2005 تهم اختلاس من المال العام، وقضايا فساد أخرى، وأخرى قبل 3 سنوات في عرس ابنه الباذخ الذي ذُبحت فيه مئات الخرفان وقدمت فيه أطنان من الأسماك الفاخرة كما قدم فيه للحضور هدايا من الألماس والذهب وامتد العرس لأربع أيام كاملة.
نحن نحيي أي شخص حرك القضية، كما نوجه الشكر للنيابة العامة والفرقة الوطنية وكل المسؤولين، لكن هناك الكثير من المسؤولين وأصحاب المناصب المتهمين في الكثير من قضايا الفساد، والذين يحملون على ظهورهم أحكاماً قضائية ولم يتم توقيفهم وزجهم في السجون، وما زالوا على رأس مناصبهم حتى اليوم.
ليس محمد مبديع المتهم الوحيد الذي يجب التحقيق معه، إنما هناك كثيرون آخرون متهمون بنهب المال العام ولم يوقفهم أحد؛ رغم أن الأدلة موجودة أمام القضاء.
ونحن نشدد ونخاطب الجهة المسؤولة لتحريك جميع قضيايا الفساد التي تعفنت في المحاكم ومتابعة أي مسؤول متهم بالفساد.
الصحفي المغربي حميد المهدوي تناول موضوع اعتقال محمد مبديع في أحد الفيديوهات بعنوان "تضامن مطلق مع محمد مبديع" وطرح أسماء سياسيين متهمين بالفساد لكن لم يتم التحقيق معهم حتى اليوم؟!
ولذلك فنحن نتساءل هل حقاً تم تحريك قضية مبديع وإحياؤها في الوقت الحالي لأسباب أخرى تتعلق بالصراعات الشخصية والسياسية بين هؤلاء المسؤولين، أو كما نقول بالدرجة المغربية إنه "باغي يغرق ليه الشقف" وحده ولا أحد غيره.
إننا كمواطنين ومفكرين وناشطين سياسيين نقول إنه ربما من حرك قضية مبديع يريد فقط أن يخمد غضب الشارع المغربي من غلاء الأسعار والاحتقان بسبب الوضع الاقتصادي الكارثي ومضاعفات الجفاف وعدم الرضا عن الأداء الحكومي في التعامل مع مجموعة من المشاكل.
لكن إن مرت أسابيع وسمعنا أن من كانت عليه أحكام سوف يعتقل، وأن من ثبت أنه يختلس سيحاكم، حينها يمكننا القول إنه ربما هناك مسار ديمقراطي جديد يجب تشجيعه وتثمينه، وإن كان غير ذلك سنقول إن مبديع كان مثل الغزال، تم افتراسه ونهشه كالغزلان المشوية التي كانت أطباق عرس ابنه قبل 3 سنوات.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.