ذاكرة حمص تحت رماد الحرب

عربي بوست
تم النشر: 2023/05/01 الساعة 08:45 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/05/01 الساعة 11:18 بتوقيت غرينتش
ويكيبيديا - جامع خالد بن الوليد في حمص

تداول مستخدمو وسائل التواصل الاجتماعي مؤخراً العديد من الصور التي التقطها عالم الآثار وصاحب خريطة دمشق الأثرية الباحث الراحل "خالد معاذ" لمدينة حمص فترة الخمسينات، وتبدو في الصور وهي بالأبيض والأسود الكثير من المعالم الأثرية التي اندثرت الآن وتم هدمها بحجة التوسع والتطوير، وأكمل النظام ما بدأته معاول الهدم، إذ تعرضت المدينة القديمة في حمص للمزيد من القصف الجوي مقارنة بأي مدينة سورية أخرى. ودمرت العديد من مبانيها ومشيداتها التاريخية من بينها الكثير من الكنائس والأديرة النشطة التي سويت بالأرض، وما يميز هذه الصور التي تستنهض ذاكرة حمص تحت رماد الحرب أنها توثق لبعض الأماكن التي كانت معروفة في النصف الثاني من القرن العشرين ولم تعد موجودة الآن، ومنها "حمام الصفا" و"مجمع الفردوس" في الساحة المعروفة حالياً باسم ساحة الشهداء وكان يضم مقهى وكراج الدروبي وسينما الفردوس، وثمة صورة نادرة تعود إلى الخمسينات لجامع خالد بن الوليد من الجهة الغربية الشمالية ويظهر فيها حمام سيدي خالد (الحمام الخالدي) الذي تم هدمه بزعم التوسع أيام محافظ حمص السابق "مصطفى رام حمداني"، كما تمت إزالة المقبرة التي كانت أمام المسجد في الفترة ذاتها، وثمة صورة يعتقد أنها ملتقطة من مئذنة مسجد ذي الكلاع الحميري أحد الجوامع الأثرية في بستان الديوان باتجاه الشرق، ويظهر في مقدمة الصورة البناء القديم لجامع جمال الدين مع مئذنته، وإلى يساره المدرسة الأرثوذكسية الداخلية، وفي عمق الصورة تظهر قبة حمام المسدّي. 

قبة شلب الشام

 ومن صور معاذ لمعالم حمص القديمة صورة ملتقطة من مئذنة مسجد الزاوية (الشكل المميز للقوسين والعمود الوسطي) باتجاه الغرب، وتظهر في الصورة كما علق الباحث المهندس "عبد الهادي النجار"  قبة شلب الشام (الكردي) وإلى يسارها مئذنة مسجد عبد الله بن مسعود، وتظهر في صدر الصورة مئذنة مسجد التلة، وفي مقدمة الصورة ساحة الزاوية ومحل نول لحياكة النسيج تحول منذ سنوات إلى منشرة. وتعرضت مئذنتا مسجدي الزاوية وعبد الله بن مسعود  للتدمير، فيما تداعت قبة شلب الشام وباتت بحاجة إلى ترميم.

 وقبة شلب الشام الواقعة في حي الزاوية من نماذج القباب في حمص التي يعود تاريخها إلى أكثر من سبعمئة عام، وهي القبة الوحيدة المتبقية من قصر آل شلب الشام الذي كان مؤلفاً من عشر قباب تحتوي كل قبة منها على قاعة، وهي القبة المحززة الوحيدة المتبقية في المدينة.  

وثمة صور تعكس عراقة حمص ونسيجها المعماري قبل أن تمتد إليها معاول الهدم ومنها صورة لشارع السراي الذي عُرف فيما بعد بشارع القوتلي نسبة إلى الرئيس السوري السابق "شكري القوتلي"، ويبدو إلى يمين الصورة عدد من المباني بأسقفها القرميدية ونوافذها المؤطرة بالحجارة الأبلقية (البيضاء السوداء) وهي الحجارة التي امتازت بها عمارة حمص، وبدا في صدر الصورة مبنى المركز الثقافي القديم الذي تحول فيما بعد إلى متحف حمص وإلى جانبه بدا جزء من مقهى الروضة الصيفي وبدت في وسط الشارع العديد من أشجار "الزنزلخت" الكثيفة. 

كاتدرائية الروح القدس

ونشر "موقع التاريخ السوري المعاصر" العديد من اللقطات النادرة الأخرى التي أخذها معاذ لمعالم من مدينة حمص ومنها لقطة من مئذنة مسجد البازرباشي تظهر فيها قباب حمام الباشا في خمسينات القرن العشرين، وفي عمق الصورة تظهر كاتدرائية الروح القدس للسريان الكاثوليك، وفي الوسط أحد البيوت في شارع أبي الهول، وأشار الموقع المذكور في تعليقه على الصورة إلى أن سقف الكاتدرائية القرميدي تضرر خلال السنوات الماضية وأعيد ترميمه، أما حمام الباشا فقد انهارت قبته الرئيسية، كما لحقت القبة الظاهرة في الصورة والمزينة بشمسيات -وهي فتحات دائرية من الزجاج كانت تؤمن الإنارة للحمامات في الماضي- أضرار جسيمة، وثمة صورة لسيباط زين العابدين –وهي عائلة معروفة في حمص ظهر منها الخطاط الشهير "هادي زين العابدين" ويبدو في الصورة سوق الحشيش في خمسينات القرن الماضي. 

وعبر صور نادرة أخرى يمكن للمرء السير في شوارع حمص القديمة في الخمسينات ومنها صورة لشارع الذهبي في حي باب هود ويبدو فيها شخص يركب دابة بلباسه العربي التقليدي وينظر خلفه وكأنه لاحظ وجود المصور معاذ، وإلى يمين الصورة منزل المرحوم "أبو عزمي الطباع" وتليها دار بيت الأبيض وإلى اليسار بيت الملوحي ومقابله حمام الذهب الذي اندثر بداية السبعينات، وتظهر مدخنة القميم -وهو الشخص الذي كان يوقد النار في جواني الحمامات القديمة في حمص – وفي صدر الصورة مئذنة دحية الكلبي أحد صحابة رسول الله، ثم قلعة حمص أبرز معالم المدينة القديمة. 

"الغرفة الطيارة" و"برج الأربعين"

ومن الصور النادرة التي التقطتها المؤرخ الدمشقي صورة لحي الأربعين قبل هدمه ويظهر في الصورة التي تعود إلى الخمسينات عدد من البيوت الأثرية بطابقين   (الغرفة الطيارة) وفي الخلف يظهر "برج الأربعين" وهو آخر برج متبقّ من أسوار حمص القديمة وتم هدم الحي الذي سمي باسمه أواخر القرن الماضي ليتم بناء مجموعة من الأبنية الحكومية الحديثة مكانه ولتفقد المدينة معلماً أثرياً لطالما ميز المدينة طوال القرون الماضية. 

ولم يغب الجامع النوري الكبير وهو من أقدم مساجد حمص الأثرية عن صور معاذ، إذ أظهرت صورة هدم الجانب الغربي بما فيه البوابة الغربية من الجامع لتوسعة باب السوق، وقبل إعادة بناء المحلات في هذا الجانب، وتظهر في الصورة بحسب الباحث المهتم بتاريخ حمص "محمد غازي حسين الآغا " قبَّة المشهد الأيوبيَّة   والأروقة الغربية المُطلة على صحن الجامع والميضأة وملحقات أُخرى. وكذلك قبَّة البئر التي هدمت فيما بعد وشُيِّد مكانها مبنى حديث للفائدة الماديَّة.

وولد الباحث الراحل خالد معاذ في دمشق عام 1909 تلقى تعليمه في أنطاكية وحلب ودمشق، وتخرج في المعهد الفرنسي والفنون الإسلامية التابع لجامعة "السوربون" بباريس. عمل في التعليم ومفتشاً عاماً للمباني العربية الإسلامية وخبيراً بالآثار والعاديات العربية. نال وسام الاستحقاق من الدرجة الأولى وقام بتوثيق العديد من المعالم التاريخيّة من خلال 14000 صورة التقطها خلال جولاته وأبحاثه في دمشق وحمص، وهذه المجموعة التي لا تقدّر بثمن توثّق معالمّ منها ما لا يزال موجوداً ومنها ما اندثر إلى غير عودة، ومن مؤلفاته المطبوعة "تربة ابن المقدم- بالفرنسية- ببيروت 1929" "مدافن الملوك والسلاطين في دمشق- مجلة الحوليات- دمشق 1951" "مشاهد دمشق الأثرية- دمشق 1950" "دمشق أيام ابن الغزالي- دمشق 1976″ دمشق أيام الغزالي- القاهرة 1961" "دمشق أيام ابن عساكر- دمشق" " الكتابات العربية بدمشق" بيروت "1977 وتوفي سنة 1989.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:opinions@arabicpost.net

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

خالد عواد الأحمد
كاتب ومؤلف سوري
كاتب ومؤلف سوري
تحميل المزيد