على أصوات التكبير والتهليل، خرج الغزيون صباح عيد الفطر من منازلهم صوب المساجد لأداء صلاة العيد في قطاع غزة، حيث ترتفع الأصوات عالية احتفالاً بأجواء عيد أعاد جزءاً بسيطاً من ضحكة سكان غزة التي فقدوها جراء الحصار الذي حاوطهم من كل الجهات، فيجتمع الأطفال منذ ساعات الفجر الأوّلى من أول أيام عيد الفطر السعيد، في حلقات الذكر، ليرددوا عبر مكبرات الصوت تهليلات العيد.
لا تنام شوارع غزة إذا ما ثبت هلال العيد، وتبقى شوارعها تضج بالمواطنين، ذلك لمن يريد قضاء بعض مستلزمات بيته، رغم ويلات عديدة مرّ بها خلال الأشهر الماضية، ناهيك عن الظروف الاقتصادية والمعيشية الصعبة التي يمر بها القطاع، مع ارتفاع معدلات الفقر والبطالة، لكن هذه الظروف لم تمنعهم من استحضار أجواء العيد.
استكمالاً لأجواء العيد يقضي الناس الأجواء عادة بتبادل التهاني، وزيارات قصيرة على الأرحام والجيران والأصدقاء، يتخللها الخروج في الليل لبعض مناطق الترفيه التي لم تعد ترى ملامح لها في غزّة، نتيجة قلة روادها، وليس فحسب بل استمرار انقطاع الكهرباء ساعات طويلة.
يعد تبادل الزيارات وصلة الأرحام وتبادل التهاني ومنح العيدية للأطفال، من العادات الأصيلة المهمة لدى الغزيين، والتي لم تفقد بريقها حتى اليوم، إذ يجتمع كبار العائلة ويقضون نهارهم بتبادل الزيارات مع الأقارب والأصدقاء، ويمنحون العيدية، وهي مبلغ مالي بسيط كهدية للأطفال والنساء، ما يضفي فرحاً وبهجة على العيد.
لا يقتصر العيد في غزة على الزيارات فقط، فهناك عادات متنوعة يعمل أهالي قطاع غزة على إحيائها كل سنة، مع حلول عيد الفطر السعيد الذي يأتي حاملاً معه طقوساً خاصة، يحرص الكبار والصغار على أن يكونوا جزءاً منها؛ حيث يهتمون بشراء "الفسيخ" وصنع الكعك، ويُقبلون بكثافة على شراء الحلوى والملابس الجديدة، ليظهروا بصورة باهية، تتفوق على الفقر والحالة المأساوية التي يعيشونها، بفعل الحصار الإسرائيلي المستمر منذ سنوات طويلة.
إذا قلنا العيد في غزة، فلا بد من ذكر حلوى الكعك التي يتم صناعتها بأشكالٍ متنوعة، تتطور من سنة لأخرى، وفقاً لظروف المعيشة؛ حيث يتم تقطيع العجينة لقطع صغيرة تُحشى كل واحدة منها بعجوة البلح الطبيعية، ولا يمكن أن يمر العيد دون تذوق هذه الحلوى، التي أصبح ارتباطها بالعيد أمراً لا بد منه.
بعيداً عن حلوى الكعك تشتهر غزة بأكلة متنوعة ارتبطت هي الأخرى بمظاهر العيد، وهي عبارة عن سمك مملح يُعرف شعبياً باسم "الفسيخ"، والذي يعتبر وجبة دسمة يتناولها الغزيون بعد أداء الصلاة مباشرة. ووفقاً لبعض كتب التاريخ، فأكلة الفسيخ تعود لأصول مصرية، وهي مشهورة عند أهل القطاع، نظراً للقرب الجغرافي من مصر والعلاقات التي لطالما جمعت أهل غزة بسكان مصر، في حين أن أكلة الفسيخ غير معروفة في الضفة الغربية، كون سكانها لا تجمعهم روابط صلة مباشرة مع الشعب المصري.
إقبال المواطنين في الأيام الأخيرة من شهر رمضان على الفسيخ يكون بشكلٍ كبير جداً، فأغلب الأسر الغزية تحرص على تناوله؛ لأنه يسبب العطش بسبب ملوحته الزائدة، فيدفع لشرب الماء بكثرة خلال النهار، وبهذا يكون الناس قد شعروا فعلاً بأثر انقضاء شهر رمضان.
على الرغم من مظاهر الفرحة والزيارات والحلوى الشعبية وغيرها من مظاهر العيد في غزة، فإن ذلك يبقى ناقصاً بالنظر إلى الظروف المعيشية والاقتصادية الصعبة التي يعاني منها أهالي القطاع المحاصر منذ سنوات طويلة براً وبحراً وجواً، من الاحتلال الذي يعمل على تضييق الخناق على القطاع كلما أتيحت له الفرصة، ليبقى أمل الغزيين معلقاً في إنهاء الحصار وعيش حياة طبيعية.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.