يعاني اقتصاد غزة من الحصار وسياسة الإغلاق منذ عام 2007، وسيطرة الاحتلال الإسرائيلي على المجالات: الجوي والبحري والبري الخاص بالقطاع، و3 عمليات عسكرية كبيرة تسببت في تدمير البنية التحتية والموارد والقاعدة الإنتاجية، والمرافق الزراعية والصناعية والتجارية.
لم تسجل غزة أي نمو اقتصادي سوى بنسبة 3.4 خلال عام 2022، نظراً للتقدم البطيء في جهود إعادة الإعمار، وارتفاع معدلات البطالة بنسبة 26.4% في عام 2021، والتي ظلت على ارتفاعها المزمن بنسبة تجاوزت 45%، مما يعكس القيود المفروضة على حركة الأفراد والسلع، ويرتبط إلى حد كبير باتساع الفقر، وارتفاع أسعار المواد الغذائية، وانخفاض حجم رغيف الخبز، وارتفاع سعره بأكثر من الضعف، لاسيما بعد الهجوم الروسي على أوكرانيا.
تم إنشاء مكتب الممثل المقيم لصندوق النقد الدولي في الضفة الغربية وغزة في يوليو 1995، ليساهم في أداء مهمة الصندوق المتعلقة بمساعدة السلطة الفلسطينية على النحو المنصوص عليه في اتفاقية أوسلو.
رغم أن الصندوق لا يستطيع تقديم الدعم المالي للضفة الغربية وغزة "لأنها ليست دولة عضواً فيه"، فهو يقدم المشورة بشأن السياسات في مجالات الاقتصاد الكلي والمالية العامة والقطاع المالي منذ عام 1994.
كذلك يقدم الصندوق المساعدة الفنية لدعم بناء القدرات في مجالات إدارة الضرائب، وإدارة الإنفاق العام، والرقابة والتنظيم المصرفيين، وإحصاءات الاقتصاد الكلي.
في عام 2022، أعلن صندوق النقد الدولي، أن وضع الاقتصاد في قطاع غزة مؤلم بسبب استمرار ارتفاع معدلات البطالة والفقر، مؤكداً أن التحديات التي يواجهها الاقتصاد الفلسطيني ككل، من توترات سياسية وأمنية واجتماعية متزايدة، وتضخم مرتفع، وقيود على الحركة تؤثر على توقعات نموه على المدى المتوسط.
كما أشار صندوق النقد الدولي إلى أن التغلب على هذه التحديات سيتطلب إصلاحات وجهوداً يجب أن تُبذل من جانب السلطة الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي والمانحين، مما يعزز استقرار الاقتصاد الكلي، ويمهد الطريق لنمو اقتصادي أسرع، ويخلق فرص عمل ويخفف حدة الفقر.
لقد أوصى الصندوق بتحسين جودة الإنفاق من خلال تنفيذ إصلاحات تتمحور حول فاتورة الأجور وصافي الإقراض، وزيادة الإيرادات الضريبية المحلية من خلال توسيع القاعدة الضريبية.
بينما دعا صندوق النقد الدولي إلى تفاهمات فلسطينية مع الحكومة الإسرائيلية لحل الملفات المالية، وتقليل العوائق أمام حركة البضائع والأشخاص والاستثمار، كما حث على تنفيذ إصلاحات إضافية لتحسين بيئة الأعمال ومعالجة المشكلات الهيكلية للنمو، وحث الصندوق الحكومة الفلسطينية على تكثيف الرقابة على البنوك، ومواصلة الضغط من أجل ترتيبات بديلة؛ لتحل محل العلاقات المصرفية الحالية بالشيكل، والدفع الرقمي المسبق لتقليل الفائض النقدي بالشيكل.
في مارس 2023، بحثت جمعية رجال الأعمال الفلسطينيين، والمجلس التنسيقي لمؤسسات القطاع الخاص في قطاع غزة مع وفد من صندوق النقد الدولي تعزيز الإمكانات الاقتصادية في قطاع غزة، والتدخلات المطلوبة للنهوض في الاقتصاد الوطني، خلال اجتماع عُقد في مقر جمعية رجال الأعمال، بحضور السيد أحمد أبو عيدة، رئيس الجمعية، وضم وفد صندوق النقد الدولي، ممثل صندوق النقد السيد توماس لورسن، والسيدة مارجريت لالاند من أونسكو، والسيدة غادة سنونو من اليونيسكو.
قد رحب أبو عيدة بزيارة الوفد، مؤكداً على أهمية البرامج الدولية في تدعيم ركائز القطاع الخاص والنشاطات الاقتصادية في قطاع غزة، وأكد السيد لورسن، جاهزية صندوق النقد الدولي للتعاون مع القطاع الخاص كشريك استراتيجي في تنفيذ البرامج والمشاريع، والأخذ بعين الاعتبار احتياجاته الملحة، وتذليل العقبات، وتم الاتفاق على استكمال اللقاءات وتبادل الأفكار خلال الفترة المقبلة، وتعزيز التنسيق والجهود المبذولة للنهوض بالقطاع الخاص والاقتصاد الوطني.
لكن رغم هذه المساعي، فإنه لا يمكن لصندوق النقد الدولي النهوض باقتصاد غزة في ظل الوضع الراهن من سياسات الحصار والإغلاق التي يفرضها الاحتلال على القطاع، والحروب التي يشنها، واستمرار الانتهاكات، وعدم التزامه بالاتفاقيات الموقع عليها، والانقسام الدائم بين حركة فتح الحاكمة في الضفة الغربية وحركة حماس التي تسيطر على غزة.
ولكي تتحقق الأهداف المرجوة لا بد من إزالة القيود المفروضة على قطاع غزة من قبل الاحتلال، وإتاحة الفرص للوصول إلى الأراضي الزراعية والأسواق والموارد المائية، وتحسين وتطوير البنى التحتية وزيادة الاستثمارات في الهياكل الأساسية، وتحقيق المصالحة بين الفصائل الفلسطينية أمر ضروري من أجل أن يستقيم الوضع في غزة.
إذا تمت إزالة الحصار المفروض على القطاع، يتطلب من حكومة حماس التركيز والاهتمام بالشأن الداخلي والعمل على إعادة النظر في توجيه المساعدات الدولية إلى تطوير الاقتصاد الفلسطيني، ووضع برنامج اقتصادي فلسطيني يتضمن سياسة الأولويات في الموازنة الحكومية وإعادة توزيع الدخل بشكل عادل، والاعتماد على الاقتصاد الفلسطيني الوطني والانسحاب التدريجي من الارتباط مع إسرائيل، خاصة في التجارة والعمالة.
كما من الضروري إعطاء دور فاعل وحقيقي للقطاع الخاص من خلال القوانين وتسهيل الإجراءات الإدارية له في معاملاته مع المؤسسات العامة، وإعادة هيكلة النظام الضريبي الفلسطيني، بحيث تأخذ بعين الاعتبار تشجيع الاستثمارات الخاصة، والعدالة الاجتماعية والاقتصادية، وتحسين المناخ الاستثماري وبيئة الأعمال من خلال التركيز على منشآت الأعمال الصغيرة والمتوسطة، وزيادة الدعم المقدم من الدول المانحة من أجل انتعاش الاقتصاد وتخفيض معدلات البطالة.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.