صوّت البرلمان العراقي قبل عدة أيام، على مشروع قانون انتخابات جديد، وهذه المرة لم يقتصر على المجالس المحلية كما أريد له مسبقاً والتي ستجرى نهاية العام الحالي كما نص عليه التشريع، بل إن القانون سيكون بديلاً عن قانون الدوائر المتعددة الذي جرت من خلاله الانتخابات التشريعية عام 2021 والتي حقق فيها التيار الصدري فوزه بكتلة برلمانية كبيرة انسحبت فيما بعد وقوائم مدنية جديدة متعددة ومستقلين معارضين قد شكلوا حرجاً للأحزاب التقليدية التي فشلت وقاربت الاختفاء من المشهد السياسي البرلماني، فلو لم تنسحب الكتلة الصدرية لتغيرت المعادلة حسب المعطيات ومشروع الأغلبية الذي ينادي به مقتدى الصدر زعيم التيار الصدري والمعارضة.
ناقوس الخطر
أدركت القوى القديمة خطورة النزعة السياسية المتصاعدة للقوى الجديدة ومدى خطورتها، حيث لم يكن لها خيار للمحافظة على مكاسبها السياسية العليا والبقاء على هرم السلطة من خلال الغطاء البرلماني إلا بإجراءات تحد من صعود كتل وأحزاب جديدة للسلطة ووجودها داخل قبة البرلمان على وجه التحديد، فكانت قصة إجراء تغيير جذري وتعديل لقانون انتخابات يحد من صعود الكتل الصغيرة والمستقلين بعد إقرار قانون سانت ليغو بصيغتهِ المعدلة (1.9) وهي صيغة لا تخدم المستقلين ولا الأحزاب الصغيرة وتخدم الأحزاب الجماهيرية الأكبر، وكذلك تم تشريع ملحقات القانون مثل العد والفرز اليدوي بدلاً من البطاقات البايومترية وتصويت من هم خارج حدود الدولة والتي هي أصوات قابلة للتلاعب، وبهذا تعتقد الأحزاب القديمة أن هذا الإجراء هو الأمثل لمنع الخطر المحدق والحقيقي الذي يحيط بالطبقة السياسية القديمة، الأمر الذي أدى إلى صدام داخل قبة البرلمان وقمع أمني للنواب الذين اعترضوا على هذا القانون وهم النواب المستقلون والأحزاب المتحالفة مثل حزب الجيل الجديد وحركة امتداد وإشراقة كانون وغيرهم.
ردود الفعل الشعبية والاصطفاف مع النواب
لم يمر القانون مرور الكرام، خاصة في المناطق التي تشهد تظاهرات مستمرة مثل مدن جنوب العراق كالناصرية، التي شهدت اعتصامات وتظاهرات مستمرة وغلقاً لمكتب المفوضية المستقلة للانتخابات وكذلك مدينة الحلة، فيما شهدت محافظة بغداد تظاهرة مركزية أمام بوابات المنطقة الخضراء، يعترض فيها المنتفضون على إقرار القانون الذي وصفوه بالمجحف، وتخللها وجود لنواب مستقلين، وهذه حادثة نوعية جديدة تقبلَ فيها المتظاهرون وجود سياسيين جنباً إلى جنب؛ للاعتراض على هدف محدد، وهذا يؤكد وجود تطور نوعي لقصة الاحتجاج وتواؤم جديد بين شق المحتجين والنواب المستقلين الذين لطالما كانوا تحت مقصلة الاحتجاج بسبب التلكؤ في الأداء البرلماني.
هل تتحول الهزيمة إلى نصر؟
أعتقد شخصياً أن فرصة النجاة من هذه المقصلة أكبر من فرص الموت، بل إن هنالك فرصة استراتيجية حقيقية لتأسيس جناح مدني حقيقي سياسي يوجد في البرلمان.
ينبع هذا التصور من حجم الناقمين على هذا النظام السياسي وهم يشكلون نسبة 70% من الناخبين حسب إحصائيات متفرقة والذين لا يمارسون حقوقهم السياسية من خلال الانتخابات، وكذلك يستند إلى نتائج الانتخابات الأخيرة التي أفرزت كتلاً معارضة جديدة، قوامها أكثر من 60 نائباً مجتمعة رغم الإحجام ومقاطعة الانتخابات من قبل جهات كثيرة، لذلك أعتقد أن الدخول بجبهة لكل القوى المدنية في الانتخابات القادمة وعلى مستوى المجالس المحلية مثلاً سيحقق مقاعد لا حصر لها، وهذا كله يعتمد على العمل الحقيقي وفك النزاعات بين المختلفين من القوى المدنية.
لا قيمة لأي قانون انتخابي أمام إرادة الجماهير الكبيرة
لا أعتقد أن نوعية القانون تتحكم في مسار تريده الجماهير الكبيرة في حال شاركت في الانتخابات، بل العكس ستفرز تلك الجماهير طبقة برلمانية وسياسية تغير من وجه النظام السياسي بكل سهولة، وتغير القصة إلى القانون الأفضل والأمثل وإلى الأداء الأهم، والمضي باتجاه السيطرة على الدولة والنظام السياسي.
لذلك فإن ما على القوى المدنية والمستقلين والمعارضين فعله هو الاصطفاف تحت راية واحدة لتغيير المعادلة لصالحها، وأن تقوم بعملية تتكون من جزأين.
الأول هو عملية صياغة مشروع واقعي بعيداً عن الدوغمائية، وهي عملية مستحيلة. والثاني هو عملية إقناع الجمهور بهذا المشروع، وهذه عملية تحتاج إلى عمل حقيقي وتعتمد كلياً على قيمة ونوع المشروع وجرّهم إلى صناديق الاقتراع بقناعة تامة، والجمهور بالنهاية هو من يحدد هذا التحرك حسب حاجته لهذا المشروع.
وفي النهاية العراقيون جاهزون لتغيير المشهد بسبب الضياع الهائل في مفاصل الدولة كلها رغم ضخامة الميزانيات المالية وطول المدة، حيث لا توجد أية ملامح لمشروع دولة لدى الأحزاب الحاكمة رغم مضي 20 عاماً بالتمام والكمال على ولادة هذه الدولة الجديدة.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.