جلب مارس 2023 حمام دم اقتصادياً في الولايات المتحدة، وانهار بنك وادي السيليكون، أحد أبرز البنوك الأمريكية، والذي كان يُعد من أكبر 20 بنكاً في الولايات المتحدة بأصول تزيد عن 215 مليار دولار، لقد عانى بنك وادي السيليكون من خسارة فادحة بلغت 1.8 مليار دولار بسبب زيادة الفائدة على سندات الخزانة الأمريكية.
بعد أيام من انهيار بنك وادي السيليكون انهار بنك "سيغنتشر" في نيويورك، بأصول تزيد عن 110 مليارات دولار، لأن ودائعه تجاوزت الحدود القصوى المسموح بها لمؤسسة تأمين الودائع الفيدرالية الأمريكية.
في حين انخفض سعر سهم بنك "فيرست ريبابليك"، بأصول تزيد عن 215 مليار دولار، بنسبة 67٪ وانخفض سعر سهم "ويسترن ألاينس بانكوربوريشن" بنسبة 90٪، ليس هذا فقط فقد تم تخفيض التصنيف الائتماني لكل بنك خاص بارز تقريباً في الولايات المتحدة.
قبل كل هذا، فشل بنك "سيلفرغيت"، وهو مؤسسة أخرى تتعامل في العملات المشفرة، بسبب مشاكل السيولة في الأسبوع الأول من مارس 2023.
الطريقة التي سقطت بها هذه المؤسسات المالية الأمريكية الواحدة تلو الأخرى تتنبأ بنوع من الهلاك الاقتصادي للقوة الغربية العظمى.
كل هذه البنوك لديها قصة واحدة لفشلها ومعظمها مرتبط مباشرة بالفائدة على سندات الخزانة الأمريكية، ونظراً لانخفاض الطلب على الدولار الأمريكي في العالم، فإن هذه السندات تتراجع أيضاً، ومن أجل جعلها عائمة، ليس لدى البنوك حل سوى تقديم أسعار فائدة أعلى، مما يؤدي إلى إحداث فجوات في السيولة.
الاتجاه للتخلي عن الدولار في التعاملات التجارية
فقد أعلنت الحكومة البرازيلية، الأربعاء، أنها توصلت إلى اتفاق مع الصين للتخلي عن الدولار واستخدام عملتيهما المحليتين في تعاملاتهما التجارية الثنائية، وسيتيح الاتفاق للصين أكبر منافس للهيمنة الاقتصادية الأميركية، وللبرازيل أكبر اقتصاد في أمريكا اللاتينية إجراء صفقاتهما التجارية الهائلة مباشرة، واستبدال اليوان بالريال والعكس بالعكس، بدلاً من الاعتماد على الدولار.
كما قالت الوكالة البرازيلية للترويج للتجارة والاستثمار "أبيكسبرازيل" في بيان إن "هناك توقعات بأن هذا سيخفض التكاليف، ويعزز التجارة الثنائية أكثر ويسهل الاستثمار"، والصين هي أكبر شريك تجاري للبرازيل، حيث بلغت قيمة التبادل التجاري بينهما نحو 150 مليار دولار العام الماضي.
تم الإعلان عن الاتفاق خلال منتدى أعمال صيني برازيلي رفيع المستوى عُقد في بكين، وجاء في أعقاب اتفاق مبدئي في يناير/كانون الثاني الماضي.
انهيار اقتصادي عالمي
لقد يتنبأ الاقتصادي الشهير الدكتور نورييل روبيني، المعروف أيضاً باسم "دكتور دوم"، الذي تنبأ بالركود العالمي في عام 2008، بانهيار اقتصادي عالمي آخر فحسب، بل يحذر أيضا من أن المشاكل هذه المرة ستستمر طويلاً، ربما عقداً أو أكثر.
أحد الأسباب الرئيسية للركود الاقتصادي القادم سيكون إزالة الدولار في التعاملات التجارية بين الدول، فقد أصبح الدولار الأمريكي الذي كان يعتبر في يوم من الأيام العملة الوحيدة للتجارة العالمية، يفقد بريقه ويتم استبداله بعملات أخرى.
بطبيعة الحال سيؤثر ذلك على الاقتصاد الأمريكي بشكل كبير ويمكن أن يتسبب في كارثة اقتصادية للقوة العظمى في العالم.
كيف صنعت أمريكا درعاً للحفاظ على الدولار؟
اعتقدت الولايات المتحدة أنه نظراً لارتفاع الطلب على عملتها في السوق، فإنها ستستمر في الإبحار على فقاعتها الاصطناعية، وفي السنوات العديدة الماضية، أوجدت أوضاعاً شبيهة بالحرب في جميع أنحاء العالم، مما أجبر البلدان على شراء المزيد من الأسلحة والوقود والمواد الأخرى من السوق العالمية، وبالتالي تعزيز التجارة بالدولار الأمريكي.
كما أدى ازدهار تكنولوجيا المعلومات في التسعينيات إلى تعزيز الطلب؛ حيث كانت معظم شركات تكنولوجيا المعلومات الكبرى أمريكية، وكان ما يقرب من 80٪ من صناعة تكنولوجيا المعلومات تتم في الولايات المتحدة نفسها، كما تم التعامل مع اتفاقيات مقايضة العملات الثنائية بين الدول من خلال العقوبات الأمريكية لتثبيط عمليات التجارة بالعملات الأخرى.
عام 2014 عندما فرضت الولايات المتحدة قيوداً اقتصادية على روسيا ووضعت العوائق أمام روسيا في تجارتها بالدولار الأمريكي، بدأت الدول التي تتعامل تجارياً مع روسيا في التفكير في بدائل لتجنب استخدام الدولار الأمريكي.
كما وجود اليورو كعملة تداول تجارية دولية جعلت العديد من البلدان تعتمد عليه وتكسر احتكار الدولار الأمريكي للتجارة الدولية، وعلى مدى السنوات الثماني الماضية، نفذت العديد من البلدان اتفاقيات ثنائية لتجنب وضع مثل روسيا.
فقد طورت روسيا والصين بوابة الدفع الخاصة بهما، كما أبرمت الهند وروسيا اتفاقاً مماثلاً يربط بين بنك الاحتياطي الهندي ومؤسسة "سيستيما بيريداشي فينانسوفيخ سوبشيني" الروسية (SPFS).
وفي الوقت نفسه، أبرمت دول مثل البرازيل والصين وأستراليا والأرجنتين ومصر والاتحاد الأوروبي وإيران واليابان والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وتركيا اتفاقيات ثنائية لتجنب احتكار الدولار الأمريكي.
نتيجة لذلك لم ينخفض إجمالي تداول الدولار الأمريكي في العالم بشكل كبير فحسب، بل انخفض أيضا تخزين العملة الخضراء. ووفقاً للمسح الذي أجراه صندوق النقد الدولي عن تكوين احتياطيات العملات الأجنبية الرسمية فقد انخفضت حصة الدولار الأمريكي من 71٪ في عام 1999 إلى 57٪ فقط في عام 2021 وهي في انخفاض مستمر.
سيكون التأثير المتتالي الصافي على التداول العالمي للدولار الأمريكي. ومن المتوقع أن الاستخدام العالمي للدولار الأمريكي كعملة قد ينخفض في غضون 2-3 سنوات مقبلة، واليورو الذي كان يتداول أقل من الدولار الأمريكي، له الآن اليد العليا، وستتداول روسيا بالروبل مقابل نفطها الرخيص، بينما تتعامل الدول باليوان الصيني والين الياباني والريال السعودي والدرهم الإماراتي أيضاً.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.