بعد القمة الروسية الصينية.. هل نشهد دوراً مختلفاً لـ”بكين” في الصراع الدولي؟

عربي بوست
تم النشر: 2023/03/22 الساعة 12:21 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/03/22 الساعة 12:21 بتوقيت غرينتش

بعد استئناف العلاقات بين المملكة العربية السعودية والجمهورية الإسلامية الإيرانية وتوقيع الاتفاقية بينهما بوساطة صينية مع ضمانات صينية للطرفين، استطاعت الصين دخول منطقة النفوذ الأمريكي التقليدي في الشرق الأوسط وتحدث اختراقاً دبلوماسياً وسياسياً فيها.

الصين مع زيادة حجم صادراتها واستثمارها في السعودية والخليج العربي تتطلع إلى أدوار سياسية في المنطقة لتحقيق الاستقرار والسلم فيها، لأن ذلك يعود عليها وعلى الدول الخليجية والمنطقة بالفوائد لرعاية المصالح الاقتصادية المشتركة، كما يوفر للمنطقة الأمن التي باتت دول تتشكك وتتوجس خيفة من الدور الأمني الأمريكي؛ حيث صارت الولايات المتحدة تركز كل نفوذها وجهودها على تحقيق أمن إسرائيل في الشرق الأوسط في ظل ما تعيشه إسرائيل من أزمة سياسية وتصاعد أعمال المقاومة الفلسطينية ضدها، ففي الواقع فإن الأرض تشتعل من تحت أقدام إسرائيل.

الصين في ظل هذه الأجواء تريد أن تصنع دوراً للسلام في العالم، وهذا يعطي للصين الصدارة بين الدول الكبرى بحكم أن الصين الشعبية تحتل مرتبة جد متقدمة في عالم الاقتصاد والمبادلات التجارية، وصناعة الأسلحة والذخائر وأكبر مستهلك للطاقة في العالم لتحريك الآلة الاقتصادية لديها.

في هذا السياق تقدمت الصين بمبادرة السلام للحرب الروسية – الأوكرانية ورحبت روسيا بالمبادرة الأولى وكذلك الثانية التي تحمل تعديلات وإحداثيات جديدة؛ حيث أزعجت الكثير من الدول الغربية في مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية التي تهدف إلى استمرار الحرب في أوكرانيا.

بوتين يوقع مع شي اتفاقيات "تعاون استراتيجي" / رويترز

قمة خلطت أوراق اللعب الأمريكية

في ظل هذا التصعيد والتجاذب ومع صدور مذكرة توقيف بحق الرئيس الروسي "فلاديمير بوتين"، وهي سابقة خطيرة من طرف المحكمة الجنائية الدولية فقد انعقدت قمة روسية – صينية بين الرئيس الروسي "فلاديمير بوتين" والرئيس الصيني "شي جين بينغ"؛ حيث قام الأخير بزيارة دولة لموسكو تدوم ثلاثة أيام.

هذه القمة خلطت أوراق إدارة الرئيس الأمريكي جون بايدن، والإدارة الأمريكية ليست مطمئنة للقمة "الروسية – الصينية"؛ لأن الصين تريد أن تضع نفسها في مقام دولي بارز ومتقدم في صناعة السلام العالمي.

رحبت روسيا بالمبادرة الصينية والكثير من الدول، خاصة دول الجوار حتى بعض الدول الأوروبية، ورأت فيها فرصة دبلوماسية وأمنية لإيقاف نزيف الحرب وتوقيف تهاوي الاقتصادات والتوترات الاجتماعية في أوروبا وكثير من الدول في العالم. 

تتمثل المبادرة في إنهاء الحرب والدخول مباشرة في تفاوض دبلوماسي وسياسي؛ لأن الصين تهدف لتحقيق هدفين أساسيين من خلال مبادرتها هما:

الهدف الأول: الصين من خلال هذه المبادرة في الحرب الروسية الأوكرانية واستئناف العلاقات بين الغريمين والقطبين المتنازعين الإيراني والسعودي في الشرق الأوسط تريد أن تضع نفسها في موقع صانع السلام والاستقرار في العالم، وهذا يمكنها من ريادة العالم بحكم غياب طرف يحتكم إليه في النزاعات مع ترهل دور الأمم المتحدة وجموده، وعدم قدرتها على تطويق النزاعات وحلها وهامش تحركها ضئيل جداً؛ حيث فشلت في إدارة أزمة الحبوب وتوزيعها.

تنظر الكثير من الدول بعين الارتياح لهذا الدور بحكم ثقل الصين في العالم كثاني قوة عالمية في الاقتصاد وثالث قوة عسكرية.

الهدف الثاني: أن الصين يتشكل وضعها الدولي من قوتها الاقتصادية والتجارية، وهي ترى أن مصالحها الاقتصادية والتجارية ستتعرض إلى التهديد والانكماش والضرر في حالة استمرار هذه الحروب والنزاعات في العالم، وخاصة مع التطورات الجارية في تطويق الصين من خلال تفعيل الخطوط الأمامية لمواجهة الصين في أزمة تايوان بتحريك أمريكا لليابان وكوريا الجنوبية وحلف باسيفيك بين أستراليا وبريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية.

استقبال حافل للرئيس الصيني لدى وصوله إلى موسكو/ رويترز

مسار تفاوضي جديد

إن إيجاد مسار تفاوضي في أوكرانيا والشرق الأوسط يخففان من حدة تفاقم الأزمة مع أمريكا في موضوع جزيرة تايوان "الصينية المتمردة"، وجاءت زيارة الزعيم الصيني لموسكو مع صدور مذكرة محاكمة الرئيس فلاديمير بوتين وتوقيفه بمذكرة صدرت من المحكمة الجنائية الدولية؛ لذلك نعتبر أن الزيارة الصينية هي دعم رسمي للرئيس الروسي "فلاديمير بوتين".

وهذا مما جعل "ديمتري ميدفيديف" نائب رئيس مجلس الأمن القومي لروسيا يحذر من هذه المذكرة "بأنه ستأتي بعواقب وخيمة على القانون الدولي"، وفي الوقت نفسه تنصل مصدر مقرب من أمريكا من هذه المذكرة؛ حيث تبرأ منها وطالب بإلغائها بحكم أنها خطيرة ولا تساعد على الحل التفاوضي في الأزمة الأوكرانية؛ حيث علق "جون بولتون" المستشار السابق لمجلس الأمن القومي الأمريكي "أن مذكرة توقيف بوتين الصادرة من محكمة الجنائية الدولية قد تعيق الحل الدبلوماسي التفاوضي في أوكرانيا" واعتبر "بولتون" أن المحكمة الجنائية غير شرعية ولا تعمل في إطار دستوري وطالب بلاده بعدم تعاملها مع المحكمة الجنائية الدولية، وأن ما أصدرته من قرار هو خطير جداً.

تعمل بريطانيا أيضاً بإيعاز أمريكي على إلغاء المذكرة؛ لأنها في نظرها تعقد الوضع وتجعل روسيا تتجه إلى إثارة كل الحالات الحربية في السابق للولايات المتحدة الأمريكية وتفتح ملف الجرائم الإنسانية، وهذا ما أشار إليه "ديميتري ميدفيدف"، حينما قال إن قرار المحكمة سيتسبب بعواقب وخيمة، وهذا ما ذكرت به الصين من جهتها عن تاريخية حروب أمريكا في العالم من حرب الفيتنام إلى حروب العراق وأفغانستان.

لذلك فإن دخول الأزمة بين روسيا والغرب إلى ساحة القضاء الدولي معركة ذو حدين إذا ما اتجهت إليه، وفي الأصل أن الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا والصين لم يوقعوا على اتفاقية إنشاء المحكمة الجنائية الدولية عام 2001.

ختاماً.. أن القمة الروسية – الصينية ومبادرة الصين ستكون لها تداعيات على مسار الحرب الأوكرانية، وقد تكون طوق نجاة لأوروبا بعد حالة التردي الاقتصادي والمصرفي والمالي والصين قد تبعث الأمل وتفتح الآفاق أمام أوروبا للخروج من ورطتها وهيمنة الولايات المتحدة الأمريكية على قراراتها.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:opinions@arabicpost.net

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

سعيدي عبدالرحمن
كاتب وسياسي جزائري
سياسي وبرلماني جزائري سابق
تحميل المزيد