تم حذف الإعلان الرسمي لإحدى شركات المحمول المصرية بعد الانتقادات الواسعة التي تلقاها من قِبل الكثير من رواد مواقع التواصل الاجتماعي.
يشير الإعلان إلى فكرة تفضيل الأم لأحد أبنائها عن الآخرين، ويروج لهذا في إطار يعتقد أنه كوميدي، وفي النهاية يشير الإعلان إلى أنه أياً ما كانت تصرفات وتفضيلات تلك الأم، فلا بد من برها والإحسان إليها وشراء هدية مناسبة لها، احتفالاً بعيد الأم.
جدد هذا الإعلان صدمة نفسية لدى الكثيرين، وبسبب الضغط تم حذفه من قِبل الشركة المنتجة له.
لكن يبقى السؤال هنا: هل ما قدمه الإعلان من نماذج للأمهات هو أمر غير موجود على أرض الواقع؟
للأسف هناك الكثير من نماذج الأمهات المسيئات اللاتي يلقين قبولاً اجتماعياً، بل وتتم المطالبة ببرهن تحت صبغة دينية، رغم ما يقمن به من تدمير تام لنفسية وحياة أبنائهن، وهو الأمر الذي يؤثر عليهم سلباً طوال حياتهم.
وبحسب آراء العلماء المختصين، يمكن أن نطلق على ذلك النوع من الأمومة "الأمومة السامة".
ما هي الأمومة السامة؟
تعد رابطة الأمومة من أهم الروابط، وأكثرها تأثيراً على حياة الفرد، فالطفل الذي يلقى الحب والاهتمام والرعاية من أمه ينشأ وبداخله إشباع عاطفي وتقدير لذاته.
وهي الأمور التي تحدد صحة حالته النفسية، بل وتشكل خط الدفاع الأول له تجاه متقلبات الحياة باقي عمره.
لكن عندما تتحول الأم التي تعد مصدر ذلك الأمان إلى مصدر أساسي للعبء، والمتسبب الأول لحدوث اضطرابات نفسية وشخصية، يمكننا أن نطلق عليها أمومة سامة.
مظاهر الأمومة السامة
رغم الاعتقاد بأن العلاقة بين الأم وأطفالها يجب أن تكون سليمة وسوية بشكل فطري، فإن هذا الاعتقاد خاطئ للأسف، ولا يحدث كثيراً على أرض الواقع، فكم من مظاهر العلاقات السامة التي تحدث دون وعي بخطورتها، بل يتم تقبلها كأحد أنماط الأمومة المقبولة مجتمعياً.
من مظاهر الأمومة السامة ما يلي:
1- تفضيل أحد الأبناء
يولد الأطفال بشخصيات مختلفة، بعضها مشاغب وبعضها صعب المراس، وآخرون يتمتعون بطبيعة هادئة بعض الشيء، أو على الأقل مقارنة ببقية إخوتهم.
هنا يمكن أن تميل الأم للطفل الهادئ المطيع وتُميزه، ما يتسبب في التفرقة بين الإخوة.
وهناك بعض الأمهات اللاتي يملن لبعض أطفالهن بسبب ظروف خاصة، فترى أن ابنها الأصغر أولى بالرعاية فتسخّر جميع أبنائها الأكبر لرعايته.
2- الاعتقاد بملكية الأبناء
ترى بعض الأمهات أن أبناءها ملك لها حرفياً، بمعنى أنها لها وحدها الحق في التصرف والاختيار في كل شأن من شؤون حياتهم.
مهما بلغ الطفل من العمر، وإن صار شاباً، فما زالت الأم تعتقد أنه طفلها الصغير، الذي يجب ألا يقرر أي شأن من شؤون حياته إلا بمراجعتها وموافقتها.
3- النقد المستمر
تحكي لي صديقتي أنها مهما فعلت فهي تعرف أن ما تفعله أو تحققه لن ينال رضا أمها، بل إن أمها لن تكتفي، فستجد دائماً باباً لتلقى منه أي نقد.
ومَن منّا لم يقابل ذلك النوع من الأمهات اللائي لا يعجبهن شيء، فمهما بذلت، وأياً ما حققت ستجد أنه كان هناك الأفضل، شعور دائم بأنك أقل من أن تلقى إعجابها.
4- الرعاية المفرطة أو الغياب التام
رغم التضاد الواضح بينهما، فإن كليهما من علامات الأمومة السامة.
فالأم التي تفخر أن أبناءها لم يغيبوا أبداً عن نظرها، وأنها تلاحقهم أينما ذهبوا وحيثما حلوا هي أم لا تترك لأولادها فرصة للتعرف على الحياة، ولا الابتعاد خارج دائرتها، وهو أمر بالطبع يترك أثره السلبي على تكوين شخصية الأطفال.
أما عن الغياب التام فهو غياب الأم لوقت طويل عن أطفالها، إما بالابتعاد الفعلي بعدم التواجد معهم بنفس المكان، أو الانشغال التام رغم التواجد بالمكان ذاته.
وأنا هنا لا أتحدث من برج عاجي، فأنا زوجة وأم عاملة من المنزل، وأعلم ما تعانيه الأمهات في عالمنا العربي، بل وفي العالم بأسره، ولكن كلمة السر هنا هي الوقت النوعي.
أي مقدار الوقت الذي أقضيه بانتباهي الكامل مع ابنتي دون أي مشتتات، يمكن أن يكون ذلك الوقت نصف ساعة فقط يومياً، بالطبع مع تقديم الرعاية باقي اليوم.
5- الشعور الدائم بالذنب
تهدف الأم المسيئة إلى تحميل أولادها الذنب تجاه أي فعل حتى وإن كان مسؤوليتها هي.
ترى الأم المسيئة الأدوار بشكل معكوس، فترى أن أطفالها هم المسؤولون عن كل شيء، ومن ثم تعرضهم للشعور بالذنب عندما يفسد أي شيء.
تحكي لي صديقتي أن أمها كانت تُحمّلها فجأة ودون أي مقدمات مسؤوليةَ عدم الانتباه إلى نقصان أي من احتياجات المطبخ، توبخها أمها على أنها لم تنتبه.
تحكي لي صديقتي أنها كانت تتفاجأ كل مرة بذلك، خاصةً أنها لا تقوم بالطهي أصلاً.
أسباب إساءة الأم لأطفالها
هنا قد يتساءل البعض عن سبب أن تقوم أُم بكل تلك الأفعال المسيئة لأطفالها، وهل تكون على دراية ووعي بها؟
في الواقع، إن الأم لا تكون على وعي بما تسببه أفعالها من ضرر لأطفالها، بل إنها تقوم بتلك الأفعال لعدة أسباب من بينها:
1- هذا ما وجدنا عليه آباءنا
تعتقد بعض الأمهات أن ما يقمن به هو الطريقة المثلى للتربية، بل ويجدن المبرر له.
فيمكن للأم التي تنتقد ابنتها باستمرار أن تبرر الأمر بأنها تدفعها لأن تكون الأفضل.
2- عدم القدرة على التعامل مع المشاعر بشكل صحيح
يمكن لمشاعر الأم أن تتحول سلباً تجاه أطفالها، ما يقودها لأفعال غير مبررة، وذلك بسبب اعتقادها بشكل غير واعي بأن الأطفال أحد المشاكل والعوائق بحياتها.
فتعتقد الأم أن أطفالها سبب لتأخيرها في التقدم المهني مثلاً، فبدلاً من البحث عن الحل المناسب، وإمكانية ضبط الأمور للوصول لأفضل حال، تصب الأم غضبها تجاه أطفالها.
3- الشعور بالغيرة
للأسف يمكن أن تشعر بعض الأمهات بالغيرة، خاصة تجاه بناتهن، وبشكل غير واعٍ أيضاً.
فالأم التي عاشت ظروفاً قاسية يمكن أن تشعر بالغيرة لكون ابنتها تحيا بظروف أفضل، ومن ثم تبدأ بمطالبة الابنة بأن تكون أفضل بشكل مستمر، وتعرضها للنقد والشعور بالذنب بصفة مستمرة.
نصائح للتعامل مع الأمومة السامة
إن وقعت تحت تأثير التعامل مع أم سامة ووعيت ذلك، فلا بد من أن تعي التأثير السلبي لها عليك؛ لذا عليك أن:
1- تحمي نفسك
من المؤسف القول إنه يجب أن تحمي نفسك من أمك التي تقوم بأي دور سلبي في حياتك.
اصنع لنفسك الحدود، ولا تسمح لأمك أن تتخطاها بأي حجة، ولا تستجب للقول إنك ابن جاحد، وتذكر دائماً أن لنفسك عليك حقاً.
2- ساعد نفسك على التخلص من مشاعرك السلبية
من أكثر ما يعيق أي شخص تخلصه من الدائرة التي وضعه أهله بها.
ما زلت أذكر صديق العمل المميز للغاية، الذي يحدثه الجميع عن نجاحه وتقدمه المستمر، بينما ما زال يرى نفسه في صورة الابن الفاشل كما كان يصفه والده.
لم يتعافَ زميلي إلا بالذهاب لطبيب نفسي وبدائرة دعم دائمة حوله من أصدقاء جدد، لذا فكّر وساعد نفسك بكل السبل المتاحة لك.
3- لا تفكر في الماضي
تذكر أن الماضي غير مهم، صحيح أنه مؤثر، لكن يمكن تجاوزه بصنع حاضر أفضل، وملئه بالكثير من التفاصيل الجديدة الجميلة التي تنسيك بشاعة ما تعرضت له.
أخيراً، كل النصائح السابقة هي للأفراد الواعين الراشدين، أما الأطفال الذي لا حول لهم ولا قوة، فإنني أقدم همسة بأذن أمهاتهم: كلنا يصيب ويخطئ، ويمكن أن يغفر لنا أبناؤنا أي خطأ، إلا عدم تقديم الحب لهم.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.