لماذا دعا الله تعالى عبادَه لدعائه والتضرع إليه من خلال اسمَيه “السميع” و”العليم”؟

عربي بوست
تم النشر: 2023/03/16 الساعة 12:38 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/03/16 الساعة 12:38 بتوقيت غرينتش

أهم ما يتضمنه الإيمان بالله تعالى -والذي هو أول أركان الإيمان- التعرف إلى سبحانه وتعالى بأسمائه وصفاته، والتي لها آثار عظيمة في حياة المؤمن وسلوكه وطريقة عبادته وتعاملاته، والتي من آثار ذلك، الفوز والفلاح في الآخرة. ومن أسماء الله الحسنى التي تتكرر كثيراً في القرآن الكريم:

اسم الله السميع:

قال السعدي، رحمه الله: ومن أسمائه الحسنى السميع الذي يسمع جميع الأصوات باختلاف اللغات على تفنن الحاجات. فالسر عنده علانية والبعيد عنده قريب. وسمعه نوعان:

أحدهما: سمعه لجميع الأصوات الظاهرة والباطنة، الخفية والجلية وإحاطته بها.

والثاني: سمع الإجابة منه للسائلين والداعين والعابدين فيجيبهن ويثيبهم، ومنه قوله تعالى: ﴿إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ﴾ [إبراهيم: 39]. وقوله المصلي: سمع الله لمن حمده؛ أي: استجاب.

واعلم أن اسم الله (السميع) لم يقترن في القرآن الكريم إلا باسمه تعالى: (العليم)، و(البصير)، و( القريب). وقد تقدم عليها جميعاً وهذا لا يعني التغاير أو التفاضل في أسماء الله وصفاته بأن يكون اسم أولى من اسم أو صفة أولى من صفة، بل هو من أجل المعاني التي تختلف بسياق الكلام فقط، فصفات الله سبحانه قائمة بذاته دون ترتيب وأولويات لأنّه سبحانه هو (المتين)، الذي ليس في كمالات أسمائه وصفاته من تفاوت، إذاً هو (سميع عليم) في آن واحد فلا يسبق معه علمه ولا يسبق علمه سمعه.

  وتقدم السميع على القريب لنفي التشابه بين صفات الله تعالى وصفات المخلوق، فإن القريب هو الذي يسمع عادة أكثر من البعيد لكن الله تعالى قدم السميع على القريب ليُعلم أن سمع الله وقربه واحد سبحانه أو أن سمعه لم يتحقق بسبب قربه، وفي جملة الآيات التي اقترن اسم الله (السميع) بدعاء أو مناجاة أو تهديد أو طاعة للمؤمن أو معاملة من المعاملات بين الناس كالطلاق مثلاً، أو حديث الله عن الكون وآياته في الآفاق أو ابتلائه للمؤمنين أو غير ذلك أقول: مجيء هذا الاسم العظيم عند هذه الأحداث كلها يعني حضور الله عند كل شيء ووجوده بسمعه عند كل حدث، بل هو بصير أيضاً؛ لا بل هو عليم وخبير بما هو مخفيّ فلا يشغله صوت عن صوت، فهو في الوقت الذي يسمع كفر الكافرين وشركهم، يستجيب دعاء الصالحين، والذي يسمع حديث الزوجين، يسمع في الوقت نفسه دبيب النمل في ليلة ظلماء على صخرة صمّاء.

وقد اقترن اسمه سبحانه (السميع) باسمه العليم، وجاء هذا الاقتران في القرآن الكريم (32) مرة. 

والسميع: المدرك لكل مسموع. فهو اسم ينبئ عن كمال السمع بلا تكييف ولا تشبيه.

وفي هذه الآية الكريمة: ﴿فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾ [يوسف: 34]، ورد اقتران هذين الاسمين الكريمين فيها وهذا الاقتران يمنحها مزيد كمالٍ، فإذا كانت صفة (السميع) تنبئ بإحاطة السمع بكل المسموعات فلا يندر عنه -عز وجل- شيء ولا تعزب عنه كبيرة ولا صغيرة فإن صفة (العلم) تنبئ بتجاوز (السمع).

والملاحظ أن اسم (السميع) حيثما ورد مع اسم (العليم) قدّم عليه فالنسق دائماً: السميع العليم، ولا عكس. فلا بد أن يكون من وراء ذلك حكم، ذكر منها: أن السمع يتعلق بالأصوات، ومن سمع صوتك فهذا أقرب إليك في العادة ممن يقال لك أنه يعلم مهما بلغت درجة علمه – فذكر السميع أوقع في النفس. وفي مقام الدعاء أثره في انطلاق اللسان بالدعاء فالطلب والشكوى تكون أقوى حين يستشعر الداعي أنه يخاطب من يسمعه ويصغي إلى نجواه.

– اسم الله (العليم):

 هو العليم -من غير تعلم- بجميع ما قد كان وما هو كائن، والعالم للغيوب دون جميع خلقه.

وهو الذي أحاط علمه بالظواهر والبواطن والإسرار والإعلان وبالواجبات والمستحيلات والممكنات. وبالعالم العلوي والعالم السفلي وبالماضي والحاضر والمستقبل فلا يخفى عليه شيء من الأشياء.

ولقد تعلق يوسف بالله -عز وجل- وبأسمائه الحسنى وكان على يقين بأن الله سبحانه وتعالى سميع لدعاء الملتجئين إليه وعليم بأحوالهم.

إن تعلق العبد بهذا الاسم (العليم) من كمال نعمة الإيمان فقد علمنا يوسف -عليه السلام- أن ندعو باسمه العليم، فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يعلمنا الاستخارة في الأمور كلها كما يعلمنا السورة من القرآن يقول: إذا همّ أحدكم بالأمر فليركع ركعتين من غير الفريضة ثم ليقل اللهم إني أستخيرك بعلمك وأستقدرك بقدرتك وأسألك من فضلك العظيم فإنك تقدر ولا أقدر وتعلم ولا أعلم وأنت علام الغيوب".

 وأما عن تخلق العبد به، فهو أن يحرص العبد على أن لا يراه الله حيث لا يريد، ويراقب نفسه في السّر والعلن ماذا يقول وماذا يفعل، ومن جهة أخرى يحرص على العلم الذي ينفع دينه.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:opinions@arabicpost.net



مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
علي الصلابي
داعية ومؤرخ إسلامي
داعية ومؤرخ إسلامي متخصص في قضايا الفكر السياسي والتاريخ الإسلامي
تحميل المزيد