عندما ترى فتاة شديدة الرقة غير مبهرجة أنيقة ببساطة، ملفتة للنظر باحتشام، منسقة الألوان والمظهر والحُلي، مع تسريحة شعر هادئة وناعمة، تنظر لها بإعجاب قائلاً:
"إنها رائعة، تبدو مثل الأميرات".
نعم هكذا في وجداننا الجمعي دون أن نعي نتخيل ما يجب أن يكون عليه مظهر الأميرات؛ الجمال والأناقة والبساطة كذلك، لذا عندما شاهدنا جميعاً حفل زفاف الأميرة إيمان ابنة العاهل الأردني الملك عبد الله والملكة رانيا، وقد لفتت الأنظار بشكل خاص برقة مظهرها وبساطته وكذلك كامل الأسرة الملكية، لم يكن ذلك غريباً.
ورغم ذلك فقد توقع الكثيرون أن يزخر الحفل الملكي بالكثير من الفخامة والأزياء اللافتة والمجوهرات المتلألئة وفقاً لتصورهم عن الملوك وارتباطهم بالفخامة، متجاهلين أن العين تنجذب حقاً للأكثر بساطة ورقياً بالفطرة، حيث شد حفل الزفاف الأنظار حقاً حول العالم، ولكن ليشيد بالبساطة والرقي أيضاً كذلك.
وهكذا تجد ذاتك تلقائياً تتساءل: هل أزياء الأميرات الرقيقة وهذا السَمت البسيط الهادئ طابع شخصي للأميرة الجميلة، أم أنه بروتوكول ملكي؟
الإجابة لن تكون سهلة، فعالم الملوك والملكات والأميرات ليس مفتوحاً بشكل يسمح بتحليل كل كبيرة وصغيرة به بشكل مؤكد وحاسم، ولكن الخطوط العامة على مر التاريخ قد تعطينا إجابة ناجحة على التساؤل.
الأميرة إيمان في فستان من ديور وزينة محدودة
لا تعني البساطة في المظهر عدم الاهتمام بفخامة وجودة الزي، ففستان زفاف الأميرة من ماركة ديور الشهيرة، أتى بسيطاً وانسيابياً ومُحلى بالدانتيل فقط في الياقة والأكمام، بينما أتت الإكسسوارات محدودة للغاية، فقط طرحة العروس من نفس الدانتيل الخاص بالفستان، فوقها التاج البسيط من براند مجوهرات شهير هو شوميه، تناقلت الأخبار أنه ملك لجدتها الملكة منى الحسين، ولكن لم يتم تأكيد هذه الأخبار، وكذلك قرطان أنيقان لم يحدد أصلهما.
هذا المظهر الأنيق أسر عيون العالم وجعل الأميرة محط أنظار الجميع وموضعاً للتعليقات والمقارنات سواء على مستوى المظهر الملكي للملكات والأميرات يوم زفافهن أو على مستوى الأفراد والبهرجة المصاحبة لزي العرائس في حفلات الزفاف.
الأميرة أجبرت الأسرة بأكملها على البساطة
عندما تقرأ تحليلات خبراء الموضة عن مظهر الأسرة الملكية في الزفاف ستكتشف أن زي الأميرة البسيط كان عاملاً يجبر كافة أفراد الأسرة الملكية على أن يحذوا حذوها حتى لو لم يريدوا ذلك، فلا يمكن لأي شخص آخر في مثل هذا اليوم أن يخطف الأنظار بزي أكثر بهرجة من صاحبة الاحتفال "العروس"، وهي قاعدة إتيكيت عامة وملكية غير مكتوبة، ولكن متعارف عليها على مر العصور.
لذا أتت الملكة رانيا المعروفة بأناقتها وبساطتها كذلك في زي من ديور بسيط وأنيق، وفقط حَلت يدها بخاتم من الذهب الأصفر والأحجار من تصميمات الإيطالي الشهير فابيو ساليني، بينما أخت العروس الأميرة سلمى في فستان فوشيا بسيط، ورجوى خطيبة أخيها ولي العهد الأمير حسين بفستان أصفر شديد البساطة مع قرطين فقط.
وهكذا ظهر تألق العروس بفستانها الأبيض وتاجها المرصع الراقي.
أزياء الأميرات والملكات حول العالم، ولماذا أغلبهن تَحلين بالبساطة؟
الحقيقة أن مظهر الأميرة سيدفعك دفعاً للبحث في أرشيفات الصور عن الملكات وأزياء الأميرات في حفلات زفافهن حول العالم كذلك لتكتشف هل البساطة طبيعة ملكية أو إتيكيت ملكي متعارف عليه، أم أنها خيار شخصي للأميرة إيمان وأسرتها؟
الملكة رانيا بساطة ملائمة للعصر
لو نظرنا لمظهر الملكة رانيا نفسها والدة العروس فسنجد أن المظهر كان بسيطاً بالنسبة للسائد في عصرها، فرغم كونه أكثر بهرجة من مظهر ابنتها الأميرة إيمان، إلا أن فترة بداية التسعينات اتسمت بالفساتين شديدة البهرجة المطرزة بشدة؛ لذا جاء زي الملكة كذلك هادئاً، مكوناً من قطعتين؛ حيث الظهور الرسمي بجاكت قصير "بوليرو" رسمي، بينما في القاعة الداخلية خلعته ليكون الفستان أكثر بساطة بدون أكمام.
ولية عهد النرويج.. البساطة الشديدة عنوانها
كما إيمان جاءت ولية العهد النرويجية الأميرة ميت ماريت لتؤكد الطبيعة الملكية البسيطة، فالفستان الهادئ البسيط والطرحة الشيفون والتاج فقط مع حلق من اللؤلؤ الصغير تؤكد على المظهر الملكي، وأن الجمال يكمن في هذه البساطة حقاً.
زوجة ولي العهد الإسباني.. بفستان بسيط ولكن باهظ الثمن
لو ألقينا نظرة على الأميرة ليتيتسيا أورتيز روكاسولانو زوجة ولي العهد الإسباني فيليب في 2004. في فستان أيضاً بسيط، ولكن التطريز المبهر به جعل ثمنه يصل لمبلغ 6 ملايين جنيه إسترليني في هذا التوقيت، لذا فقد لا تكون البساطة حقاً عنواناِ للتوفير، بل للبذخ كذلك.
الأميرة دايانا تكسر القاعدة
أميرة القلوب، كما يسميها الجميع، ولكن الحقيقة أنها لم تتمتع بالبساطة في فستان زفافها شديد البهرجة، فرغم بساطة الأميرة فيما بعد في مظهرها بشكل لافت وراقٍ، إلا أن فستان الزفاف أتى مخالفاً لهذه الطبيعة، ليكون كسراً لقاعدة بساطة الأميرات، وإن لم يكسر قاعدة أن الجمال والرقي في البساطة، فلو أمعنت النظر في فستان الأميرة الجميلة لن تشعر بالرقة بشكل كبير ربما تشعر بالنفور قليلاً من المظهر، وأنه مبالغ به وغير ملائم لهدوء وجمال ديانا.
كيت ميدلتون لا تتشبه بحماتها
مرة أخرى نعود للمظهر الهادئ المريح للعين الذي يشعرك بمعنى كلمة أميرة، حيث كيت ميدلتون زوجة ويليام ولي العهد البريطاني ببساطة ورقي وعدم بهرجة، فستان شبيه في تكوينه بفستان الأميرة إيمان محط الأنظار الحالية، ولكنه مختلف في كونه "منفوش" وله ذيل طويل، وإن ظل محافظاً على بساطته مع إكسسوارات محدودة.
الأميرة المغضوب عليها ميغان ماركل "أوفر" بساطة
وأخيراً في جولتنا حول فساتين زفاف الأميرات، لم يكن من الممكن تجاهل فستان زفاف الأميرة المثيرة للجدل ميغان ماركل، والتي كسرت الكثير من قواعد البلاط الملكي ولكنها لم تكسر قاعدة البساطة الملكية، وإن كان قد انتقدها البعض لفرط البساطة، فالفستان الأنيق الهادئ خالٍ من أي زخرف بأي شكل، اعتبره البعض أبسط من أن يليق بالزفاف الملكي، ولكن ربما لم يخلُ الانتقاد من بعض التحيز، حيث محبو كيت ميدلتون دائمو الانتقاد لميغان في المعتاد.
تاريخياً وضع الإتيكيت للملوك أولاً
كما أسلفنا، سيدفعنا هذا النمط البسيط للتساؤل هل هو إتيكيت وبروتوكول ملكي عالمي، أم طبيعة شخصية؟
الواقع أنه بالبحث في التاريخ عن فكرة الإتيكيت والبروتوكول في كافة الأمور ومنها أزياء الأميرات، سنجد أن البداية كانت من فرنسا مع الملك لويس الرابع عشر (1638-1715)، حيث بدأ وضع قواعد للبلاط الملكي وكيف تكون الأزياء في المناسبات المختلفة، ولكن بنظرة سريعة على ما انتقل لنا من هذا العصر، فلم تكن البساطة عنوانه بأي حال، على العكس كانت آداب الملبس تتسم بإظهار البهرجة والمجوهرات، وطبقات الملابس بعضها فوق البعض والكثير من الدانتيلا و"الكرانيش"، واستمر هذا الوضع وانتقل للبلاطين الإسباني والإنجليزي.
الملكة إليزابيث الثانية تضع قواعد إتيكيت للملكات
من يتابع التاريخ وصور الأميرات والملكات عبر العصور سيجد أن البهرجة بقيت لردح كبير من الزمن رمزاً للملكية والنفوذ والأناقة، ليتغير ذلك مع زواج الأميرة إليزابيث الثانية آنذاك التي أصبحت الملكة إليزابيث بعد ذلك، ففي تمرد على المعتاد جاء فستان زفافها بالنسبة لعصرها بسيطاً أنيقاً ملائماً لفكرة البساطة = الأناقة والجمال، لتصبح بعد ذلك أغلب القواعد الخاصة بالزي والإتيكيت الملكي من صنعها، وقد تناقلها الكثيرون عنها.
قواعد الإتيكيت الملكية الشهيرة
جاءت بعض القواعد الملكية التي سُنت في البلاط البريطاني ثم غَزت العالم بأكمله بعد ذلك، حيث يعتبر بعضها وفق كافة الثقافات المختلفة إتيكيت وقواعد مقبولة بينما بعضها قد اختص به البلاط البريطاني فقط
- في فساتين الزفاف، على الملكات الموافقة على أزياء العرائس من الأميرات، وهي القاعدة العاملة في أغلب البلاط الملكي حول العالم.
- طلاء الأظافر/المناكير لعامة الشعب لا للأميرات الأرستقراطيات، ومع تطور الزمن أصبح يسمح به في أضيق الحدود، ولكن بألوان هادئة تماماً.
- الحقائب الكبيرة لا تلائم رقة الأميرة؛ لذا وجب أن تكون الحقائب صغيرة بسيطة وتمسك باليد في الأغلب.
- الألوان الصاخبة ليست محببة ولا مفضلة، حيث البساطة عنوان الجمال للأميرات خاصة.
- من القواعد الملكية البريطانية والتي تغيرت في أغلب الدول، عدم ارتداء الملابس السوداء إلا في فترات الحداد فقط.
- كذلك غزت العالم لفترة قاعدة عدم ارتداء الملابس الكاجوال إلا في الأحداث الرياضية، إلا أن الكثير من الدول تمرد على مر العصور على هذه القاعدة فأصبحنا نرى الأميرات والملكات في زي كاجوال بشكل دائم إلا في المناسبات الرسمية.
- غطاء الرأس من القواعد الملكية التي توارثتها أجيال عن أجيال، حيث الأميرات والملكات لا يجب أن يظهرن برأس عارٍ، واعتبار ذلك انتقاصاً من قيمتهن، تدرج ارتداء غطاء الرأس من الحجاب veil حتى القبعة في العصر الحديث، وهو ما تصر عليه الملكية البريطانية حتى اليوم، وإن كانت كافة الدول قد تحررت من هذه القاعدة ولم تعد الأميرات ملزمات بارتداء القبعات.
- عدم العُري والاحتشام ثمة الأميرات والملكات، هذه القاعدة ستجدها سارية في أغلبية الممالك حتى الآن، حيث تحرص الملكات والأميرات على عدم ارتداء الملابس المكشوفة بشكل كبير أو القصيرة بدرجة لافتة، بل يجب أن تظل ملابس الأميرة أو الملكة في نطاق الاحتشام.
هل الإتيكيت الملكي عالمي؟
على عكس ما يتخيل الكثيرون فإن الإتيكيت الملكي بصفة عامة وفيما يختص بأزياء الملكات والأميرات في حياتهن وزفافهن بصفة خاصة ليس واحداً ولم يدون في كتب رسمية عن قواعد الإتيكيت وبروتوكولات الملوك، فهي أفعال اعتبرت لائقة تواترت من جيل إلى جيل ومن بلد إلى آخر لتصبح القواعد المتعارف عليها واللائقة اجتماعياً في أغلبها.
كما قامت كل مملكة بتغيير هذه القواعد وتشذيبها وفق عادات وتقاليد البلد ذاته، فمثلاً قاعدة حشمة الملابس تختلف من مكان لآخر، ففي بعض الدول العربية مفهوم الحشمة يختلف بالتأكيد عنها في الغربية الأكثر انفتاحاً، لذا ستجد زي الأميرات والملكات العربيات الرسمي أكثر تحفظاً وفق مفهوم الحشمة في بلادهن، وقد ترى زي الأميرات في الغرب أكثر تحرراً، ولكنه بالنسبة لبيئتهن هو الأكثر حشمة أيضاً.
وهكذا ستجد كل مملكة تضع قواعدها الخاصة في الإتيكيت من حيث الزي وطريقته ونوعه لتتلاءم مع طبيعة المملكة.
ولكن بالغوص تاريخياً وخاصة في التاريخ الحديث، ستجد أن قاعدة البساطة والرقة والاحتشام توازي الجمال والرقي، كانت دائماً سائدة مهما اختلف المكان أو البلاط الملكي المَعني، وأن القلة التي خالفت هذه القاعدة دائماً ما وجه لها الانتقاد.
وهكذا تظل دائماً عبارة "رائعة وبسيطة كأنها أميرة" تصلح لكل زمان حتى الآن؛ لتؤكد دائماً أن الجمال عنوانه البساطة.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.