بعد التوغل العسكري الروسي في أوكرانيا، بدأ العديد من قادة ومسؤولي العالم في النظر إلى المسارات المحتملة نحو خفض التصعيد وحل النزاع، وكان من بينهم قادة الاتحاد الأوروبي، ووزير الخارجية الأوكراني، والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، حيث اقترحوا جميعاً أن الصين، كقوة محايدة ذات علاقات وثيقة مع موسكو، يمكن أن تعمل كوسيط بين روسيا وأوكرانيا.
كما أن الرئيس الصيني، شي جين بينغ، نفسه تحدث بشكل غامض عن دور صيني في حل النزاع في مارس وديسمبر 2022م. في ظاهر الأمر يبدو أن الوساطة الصينية منطقية بالنسبة لبكين فإذا اتخذت الصين هذا الإجراء، فيمكنها تحسين علاقاتها مع الولايات المتحدة وأوروبا.
لكن في الوقت الحالي، هذه العلاقات ليست جيدة بسبب موقف الصين من الحرب، ويمكن أن يساعد هذا الإجراء أيضاً في وقف الصراع الذي يسبب مشاكل للاقتصاد العالمي، ويقوض مبادرة الحزام والطريق الصينية.
خصوم الصين ودور الوساطة
لكن الصين كانت مترددة باستمرار في التوسط بين الجانبين.. السؤال: لماذا؟، جزء من الإجابة هو أنه لا روسيا ولا أوكرانيا والولايات المتحدة مهتمة بجدية بإنهاء الصراع في هذه المرحلة، كما أن الحرب لا تجلب لبكين الخسائر فحسب، بل المكاسب زيادة تدويل العملة الصينية "الرنمينبي"، والحصول على مصادر طاقة رخيصة، وتقليل تركيز الولايات المتحدة على المحيطين الهندي والهادئ.
يعد التنافس الشديد المتزايد بين الصين والولايات المتحدة عاملاً آخر يجعل الوساطة الصينية المحايدة بين أوكرانيا، المدعومة من الولايات المتحدة، وروسيا المناهضة للولايات المتحدة والصين المتحالفة أكثر صعوبة، إذا توسطت الصين في الصراع، فإنها ستلفت الانتباه إلى موقفها الداعم لروسيا.
لطالما ألقت الصين باللوم على توسع الناتو في الصراع واتخذت مواقف موالية لروسيا في السياسة والإعلام والخطب، وهذا من شأنه أن يعيد إشعال التوترات مع الغرب في وقت تعمل فيه الصين على استقرار العلاقات مع أوروبا وتحاول تحسين علاقتها المحاصرة مع الولايات المتحدة.
إذا اتخذت الصين موقفاً مؤيداً لروسيا، فقد يثير ذلك شكوكاً حول قدرة الصين على أن تكون وسيطاً محايداً، كما يمكن أن يضر بجهود الوساطة الصينية، لا سيما إذا اقترحت تنازلات مثيرة للجدل أثناء المفاوضات، ومع ذلك إذا غيرت الصين موقفها، فقد يُنظر إليه على أنه تراجع بسبب الضغط الغربي، الأمر الذي قد يكون مهيناً للصين، بالإضافة إلى ذلك قد تعتبره موسكو خيانة.
بكين وفرض العقوبات على روسيا
ترى الصين أن الوساطة يمكن أن تتحول بسهولة إلى مسعى غربي لإجبار بكين على فرض عقوبات على روسيا، وإذا رفضت روسيا تقديم تنازلات في المفاوضات التي تتوسط فيها الصين، فقد يلوم الغرب الصين على دعم موقف روسيا في الحرب، وقد يؤدي هذا اللوم إلى قيام الولايات المتحدة والدول الغربية الأخرى بالضغط على الصين لفرض عقوبات على روسيا، ومع استمرار الحرب، من المرجح أن يزداد هذا الضغط.
بمثل هذا السيناريو، ستواجه الصين وضعاً خاسراً، وإذا فرضت عقوبات فسوف تنفر شريكها الوحيد من القوى العظمى روسيا، وستخسر في هذه العملية العديد من المكاسب، وستتحمل تكلفة عالية في علاقاتها مع روسيا، وتقوي موقف منافستها الرئيسية الولايات المتحدة، التي تهدف أيضاً إلى إضعاف روسيا.
إذا لم تفرض الصين عقوبات على روسيا فإنها ستزيد من التوترات في علاقاتها مع الغرب، وقد يصبح التقدم المستقبلي في العلاقات بين الصين الغرب مشروطاً بفرض بكين عقوبات على موسكو، ومن المرجح أن يفرض كلا الخيارين تكاليف سياسية واقتصادية على الصين، كما تخاطر الصين بالفشل في جهود الوساطة التي تبذلها.
من الصعب للغاية تحقيق تنازلات بشأن القضايا الكامنة وراء الحرب، لذا فإن الوساطة لديها فرص ضئيلة للنجاح، وإن المكسب الوحيد للصين في جهود الوساطة الفاشلة هو تحسين صورتها بشكل طفيف في الغرب وأن تبدو لفترة وجيزة كقوة عالمية مسؤولة تسعى إلى السلام الدولي.
ستكون خسائر الصين في حالة محاولة الوساطة الفاشلة كبيرة، وستبدو بكين ضعيفة وغير كفؤة دبلوماسياً، وغير قادرة على لعب دور زعيم دولي يسعى إليه الرئيس شي، وهي نقطة سيستغلها العديد من منتقديها بعد أن عانت الصين من انتكاسات في استجابتها لكوفيد -19 والتنمية الاقتصادية.
لا يعني أي من هذا أن بكين سترفض التوسط تحت أي ظرف من الظروف، وقد تفعل ذلك في مرحلة لاحقة عندما يكون الجانبان أكثر استعداداً لإنهاء الأعمال العدائية، ويتغير الوضع الدولي المحيط بالحرب.
قد تكون بكين أيضاً على استعداد للمشاركة في جهد دبلوماسي متعدد الأطراف للتوسط في الحرب أو تسهيل الحوار بين الجانبين دون وساطة، وقد تتأثر حسابات الوساطة الصينية أيضاً إذا طلبت موسكو من بكين التوسط أو تصاعدت الحرب بشكل كارثي.
بشكل عام، فإن إحجام الصين عن التوسط في الصراع الروسي الأوكراني أمر مفهوم، نظراً للمخاطر والتعقيدات المحتملة التي ينطوي عليها، بدلاً من ذلك قد تختار التركيز على الدبلوماسية العامة والوضع السياسي لتحسين صورتها العامة.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.