انتظر العالم في الذكرى الأولى للحرب الروسية الأوكرانية خطاب الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، بالمناسبة؛ ليرى الحصيلة والأبعاد والأهداف للمرحلة القادمة بعد المرحلة الأولى من الحرب، وما أفرزته من أوضاع جيواستراتيجية وسياسية واقتصادية في العالم، وأوروبا تحديداً، وما حدث في الحرب من تحولات، بعضها يشكل قاعدة سياسية واقتصادية بعد الحزمة الكبيرة للعقوبات، وعملية تغيير قواعد النظام العالمي بزعامة أمريكا.
هذه الحرب في منطلقها من وجهة النظر الروسية كانت بتسمية عمليات عسكرية خاصة لدفع التهديدات الأمنية وترتيب حزام الأمن القومي لروسيا بالاستيلاء على مناطق تشكل حدوداً أمنية لروسيا منها منطقة دونباس ولوغانسك وسيفستيبول وزبوريجيا وخيرسون، واشتد الأمر في خاركيف، فضلاً عن جزيرة القرم منذ عام 2014م.
حرب وجود وبقاء
مع مرور الوقت أظهرت العمليات العسكرية أنها حرب في حقيقتها وأبعادها المختلفة، منها الأبعاد القيمية والأخلاقية والدينية والحضارية، فهي مع الغرب في ساحة أوكرانيا التي تمثل مزيجاً من القومية الأوكرانية مع التطرف اليميني الليبرالي، لتكون مناهضة للقومية الروسية الممتدة في الأراضي الأوكرانية باسم تحرير الأراضي التاريخية لروسيا.
الغرب بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية ألقى بثقله في هذه الحرب بالمال والسلاح النوعي والثقيل مثل الدبابات مؤخراً، وأنفق ما يقارب 150 مليار دولار عليها في سنة 2022، حسب تصريح بوتين، بالمقابل صرف ما يقارب 60 مليار دولار مساعدات للدول الفقيرة في العالم.
تجلت خلفية الحرب من خلال خطاب الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في أن الغرب بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية يريد تدمير روسيا والقضاء عليها نهائياً أو جعلها في وضع ما بعد سقوط جدار برلين عام 1989م مهلهلة لا تأثير لها في الساحة العالمية، فروسيا تخوض في هذه الحرب، حسب خطاب بوتين، حرباً وجودية مع الغرب ومخططاته وحرب بقاء ضده.
لقد أظهر الرئيس الروسي بوتين في خطابه الطويل الدواعي والمبررات لهذه الحرب من وجهة نظر روسية.
الغرب يهيمن على القرار العالمي
إن الغرب يهيمن على القرار العالمي، ولا يسمح بوجود قرار عالمي موازٍ له ويخادع العالم بالديمقراطية والحريات وحقوق الإنسان، وهو نفسه خاض حروباً دموية ووحشية ولا إنسانية ضد الشعوب والأوطان، مثل أفغانستان والعراق وسوريا وليبيا وفيتنام، وغيرها كثير من المناطق العالم.
الحرب تحمل في أوكرانيا تحدي القيم والأخلاق والثقافة والهوية في المجتمعات يريد الغرب فرض هويته وقيمه وأخلاقه وحضارته الهجينة على العالم كله، ويتجاوز حقيقة التباين الثقافي والديني والقيمي في العديد من المجتمعات والأمم، وروسيا تخوض حرباً ضروساً على هذا المستوى بنزعة حضارية وسياسية تتعلق بالوجود والبقاء في مواجهة المجتمعات الغربية.
كل ما يحدث في أوكرانيا هو سيطرة النازية الجديدة واللوبيات والمشروع الغربي لها؛ حيث تسلطت على عموم الشعب الأوكراني، وروسيا لا تحارب الشعب الأوكراني كما صرح بوتين في خطابه، مبعداً إياه عن ساحة الاستهداف، وإن كان ضرر الحرب أصابت الشعب الأوكراني بقوة في حياته ويومياته ومعاشه وبنيته التحتية.
الغرب أعد لهذه المواجهة مخططات وبرامج من عام 2005م إلى مرحلة الانقلاب في أوكرانيا عام 2014م، وثورتهم على التمدد الروسي في أوكرانيا، وتم توريد الأسلحة المتنوعة وانضمام الأطراف المتطرفة والمضادة لروسيا للجيش الأوكراني؛ حيث استولت على قيادة الجيش الأوكراني وعلى الاستخبارات والأجهزة الأمنية، وصارت ملحقة مباشرة للاستخبارات الغربية، خاصة بعد أن ضمت روسيا جزيرة القرم إليها عام 2014م، الغرب من تلك الفترة يكثف من سياسات التوسع إلى الحدود الروسية الأوكرانية وإعداد المنظومات الدفاعية حتى أن إعادة التسليح النووي لأوكرانيا تم التفكير فيه وهو ما شكل هاجساً أمنياً لروسيا.
تحدث "بوتين" من خلال الشواهد والأحداث في العالم قبل هذه الحرب أن الغرب بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية يكيل العالم بمكيالين، وكانوا وراء الكثير من الخراب في العالم، وأن مواجهة روسيا اليوم تدخل في السياق نفسه؛ حيث تسعى لتحطيم روسيا، وأن الروس أدركوا أهداف ومخططات الغرب بقيادة الولايات المتحدة منذ فترة، وأنهم يخادعون بالدبلوماسية لربح الوقت والتمدد أمنياً وعسكرياً في أوكرانيا.
هل تستخدم روسيا السلاح النووي؟
إن روسيا أمام حرب طويلة الأمد، وتحمل في مضامينها الحرب النووية والسلاح الاستراتيجي، خاصة بعد أن تم تعليق العمل باتفاقية ستارت نيوز من الجانب الروسي للحد من الأسلحة النووية والاستراتيجية أن حكومة أوكرانيا تحوي في تحالفها مع الغرب دولاً نووية منها فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية، وهذا في حدِّ ذاته يشكل تهديداً نووياً.
من خلال خطاب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أمام كل أطياف الشعب الروسي، يتضح أنه يخوض حرباً عالمية ضد الولايات المتحدة الأمريكية في ساحة أوكرانيا، وليست حرباً ضد الشعب الأوكراني، أخشى ما يخشاه الرئيس الأمريكي جون بايدن في المرحلة القادمة هو تململ الجبهة الأوروبية؛ حيث بدأت ترتفع فيه أصوات تدعو للخروج من الحرب مهما كان الثمن.
زيارة سرية من "بايدن" لأوكرانيا
سافر الرئيس الأمريكي "بايدن" إلى أوروبا في الذكرى السنوية لزيارة أوكرانيا في زيارة شبه سرية لا يعلم بها الرأي العام العالمي، إلا جهة واحدة علمت بها بعد إخبارها من طرف البنتاغون، وهي روسيا، بساعات قبل وصول بايدن لكييف، لكي لا يقع ما لا تُحمد عقباه ليحشد بايدن الدعم لأوكرانيا، ويطمئن الجبهة الأوكرانية على الدعم الثابت والمستمر للغرب، وللتسريع من وتيرة التحضيرات لـ"حرب الربيع القادم".
يخشى بايدن من خلال زيارته لأوكرانيا التحولات السياسية في الولايات المتحدة الأمريكية مع اقتراب موعد الانتخابات، وإمكانية سيطرة الجمهوريين على المشهد القيادي للولايات المتحدة الأمريكية، لأن لهم مواقف مغايرة من الحرب الروسية الأوكرانية عن الإدارة الأمريكية الحالية بقيادة الديمقراطيين، ويعتبرون أن الرئيس الأوكراني "زيلينسكي" مخادع ومبتز للغرب.
لذلك، فإن الرئيس الأمريكي "بايدن يسارع الوقت لكي يضع اللمسات الأخيرة لحرب الربيع ضد روسيا، مما اضطره أن ينزل إلى قاعدة أمريكية بألمانيا، ثم ببولونيا كمحطة تجميعية للقوات الغربية، ومنها زيارة العاصمة الأوكرانية عن طريق القطار.
روسيا من خلال خطاب بوتين أظهرت إصراراً على حسم الحرب، وفرض قواعد سياسية لها، والوقت حتى الآن في صالحها، مع التلويح باستخدام السلاح النووي والأسلحة الاستراتيجية الشاملة، لذلك أرى روسيا لن تخرج من هذه الحرب منهزمة.
حيث لم يُشر بوتين في الذكرى السنوية للحرب الروسية الأوكرانية لأي مبادرة سياسية حوارية سلمية لإنهاء الحرب، بل كل ما أكده هو أنهم في حرب وجود وبقاء مع الغرب لن تقبل بنهايتها وفنائها، وتستعمل أقصى ما عندها من أجل البقاء، وفي ظل هذا الوضع فإن أوروبا صارت لا تتحمّل السير في ركاب الولايات المتحدة الأمريكية، وهي في عنق الزجاجة قد تنكسر الزجاجة وهي تشعر بذلك جيداً.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.