ككثيرين سمعت بالجدل الدائر بشأن مسلسل "أزمة منتصف العمر" المعروض عبر منصة شاهد، فأردت الحكم بنفسي إن كانت المسألة بالفعل تستحق كل هذا الهجوم، والاتهامات للمسلسل بالترويج لـ "زنا المحارم" أم لا، وفي الطريق اكتشفت آلافاً مثلي راحوا يبحثون عن المسلسل المثير للجدل، حيث المفاجأة كانت تنتظر الجميع وأنا منهم.
كيف يبدو المسلسل؟
بموسيقى هادئة ومعبرة جداً، للعبقري عادل حقي، يبدأ مسلسل أزمة منتصف العمر، الذي كتب قصته أحمد عادل، وعالجه درامياً كل من المخرج كريم العدل وبطل المسلسل كريم فهمي، ومثلما يبدو الجواب من عنوانه، بدا لي المسلسل مشوقاً جداً منذ التتر، هكذا انتبهت وركزت، لأنتهي من 10 حلقات دفعة واحدة، وفي يوم واحد، والحق أنني خرجت مع حالة غريبة جداً.
تقدم المنصة مسلسل أزمة منتصف العمر باعتباره يدور بالكامل حول شخصية "فيروز" –ريهام عبد الغفور- في سطر واحد عبر الصفحة الرسمية يقول: "بعد مرور أعوام على زواجها رغماً عنها من رجل يكبرها بسنوات، تخرج حياة فيروز عن مسارها الممل عندما تقع في الحب" ثم تأتي الصورة الرسمية للمسلسل لـ "فيروز" في أحضان "عمر" –كريم فهمي- والذي يفترض أنه يؤدي في المسلسل دور زوج ابنتها "مريم" -رنا رئيس- لتتصاعد الأحداث بعدما تصير الأم وابنتها حوامل من نفس الشخص، "عمر".
حسناً الفتى الوسيم يدعى عادة "عمر"، هكذا جرت العادة في الأفلام والمسلسلات، إذا أردت عملاً رومانسياً قوياً، فلنطلق على البطل "عمر"، ذلك "الجان" الذي تقع في غرامه جميع نساء المسلسل، كما هو الحال مع "عمر" في أزمة منتصف العمر، حيث المساعدة الشخصية تحبه، وحماته وزوجته تحبه، وطليقته تعجز عن الاستغناء عنه، والقائمة تطول.
وجدتني وأنا أشاهده في الحلقات الأولى، أتحول من شخص متحفز، لشخص معجب، حتى فوجئت بنفسي، لوهلة، أتمنى لو يعترف عمر لحماته بحبه لها ! لم أصدق الأمر لكنني حين انتبهت لمواقع الشخصيات شعرت بالاشمئزاز الشديد من الأمر بالكامل، خاصة بعدما اندمجت طويلاً في ذلك المشهد المقزز، والمتقن جدا، بين الاثنين في الحلقة الرابعة من المسلسل، حيث دار الحوار كالتالي بين الحماة التي يفترض أنها غاضبة لأن "عمر" طلق ابنتها:
"طلقتها ليه؟"
"طلقتها عشان حبيتك، معرفش ده حصل إمتى ولا حصل إزاي، أنا بحبك".
هكذا وعلى موسيقى عادل حقي العظيمة، تنتهي الحلقة الرابعة –المثيرة للجدل- حيث يجذب عمر فيروز "حماته" بقوة إلى حضنه ليخبرها بمشاعره تاركاً المشاهد في حيرة من أمره حول تلك العلاقة القذرة، هل يفرح بذلك التكامل بين شخصية البطل الجان والسيدة المظلومة من زوجها، أم يحزن على ما وصل إليه حاله من تردٍ وبؤس حتى صار يشاهد مشهد مماثل حتى نهايته؟
تبرير فعل خيانة الزوجة ليس جديداً، هكذا تجدك كمشاهد متعاطفاً مع السيدة الخائنة، وترغب في استمرار علاقتها مع الطرف الآخر، تجدك تتمنى لو تخلصت من زوجها المجرم الذي لا يمنحها ما يكفيها من العاطفة والحب، كما هو الحال مع الفيلم الشهير "نهر الحب".
مسلسل أزمة منتصف العمر: السم في العسل
لكن هذا لم يكن كل شيء، فعقب متابعة الحلقات الـ 10 الأولى اكتشفت مجموعة من الأمور الشاذة التي قدمها المسلسل بطريقة محترفة، أذكرها في نقاط كالتالي:
- شابة صغيرة تتخلى من مستقبلها وحياتها لأجل رجل غني تصير أماً بديلة لابنته وتتحول مع الوقت لمريضة نفسية مستسلمة للخيانة والإهانة والتحقير، هكذا تتعاطف مع فيروز، الأم الشابة التي خسرت حياتها باختيارها.
- شابة، يفترض أنها لا تعلم أن السيدة التي تقوم بتربيتها ليست أمها البيولوجية، لكنك تفاجأ عبر المسلسل بأنها تسجلها على هاتفها باسمها "فيروز" وليس ماما، وفي تعاملها العادي معها، متاح أن تغلق الباب في وجهها، تطردها من غرفتها، أن تصرخ في امرأة يفترض أنها والدتها، وهو أمر توقفت أمامه طويلاً، فكرة تمرير تصرفات تحتوي على تجاوزات بحق الأم، بدعوى أن الفتاة غاضبة أو حزينة، أو مصدومة، كان أمراً مفزعاً بالنسبة لي.
- تقديم مجتمع من العاطلين، باعتباره عالماً عادياً، لم أر فيه بالكامل سوى اثنين فقط يعملان، بينما بقية الأطراف عاطلة عن العمل، لا يدور يومها إلا حول العلاقات، والخيانات، والتدبير للإيذاء.
- شاب يقع في غرام شابة صغيرة، ثم يدخل في علاقة مع والدتها، ثم يتعلق بالمساعدة الشخصية له، ولا ينسى العناية بزوجته السابقة.
- شابة تتعرض للضرب باستمرار –شخصية فرح- من زوجها، في البيت والشارع، ولكنها تعود إليه ولا ترغب إلا في تحسين صورتها في عينيه، فكل ما يهمها هو سمعتها وتحسين وجهة نظره فيها بصرف النظر عن الإهانة المتواصلة والمستمرة لها.
- المسلسل يقدم لك نموذجاً لشابة -ياسمين- تزوجت من والد صديقتها المقربة، وطردتها ووالدتها من منزلهما، لكنه في الوقت نفسه يجعلك تتعاطف معها ويمكن أن تبكي لأجلها، مردداً في نفسك "لا بأس" فهي نادمة وتفتقد لوالدها.
- رجل عجوز ومريض وخائن، يحب ابنته جداً، ولكنه يوصي زوجها بأن يفعل ما يحلو له بعيداً عن البيت وعن عينها، وأنه عليه أن يحتفظ بها؛ لأنها ليست "شمال" لكن لا بأس أن يكون هو كذلك، وأن يفعل معها ويعاملها تماماً كما فعل هو مع زوجته "فيروز".
- شاب يغازل ابنة خاله طوال الوقت ويغار عليها، ويسعى للارتباط منها، رغم أنه متزوج، لكن الجميع بمن فيهم زوجته ووالد الفتاة –عزت- يعرفون أنه يحب تلك الشابة الصغيرة الجميلة، والتي يقرر فجأة أنه سوف يغتصبها حين يراوده الشك أن "عمر" على علاقة بـ "زوجته"!
لماذا حظي مسلسل أزمة منتصف العمر بهذا القدر من المشاهدات؟
عمل يحظى بالسخرية إذاً هو عمل ناجح، والحق أنه كما حظي بالهجوم، فقد حظي بالسخرية العارمة أيضاً، سواء في صورة مقاطع فيديو، أو كوميكس، حتى أنه تم تصميم اختبارات باسم المسلسل على سبيل المثال اختبار صممته مجلة أيدنتتي بعنوان "إنت مين من شخصيات مسلسل أزمة منتصف العمر؟".
نعم هو مسلسل نجح في جذب المشاهدات إليه، وسوف ينجح في جذب المزيد خلال الأسابيع القادمة، فالمعادلة الشهيرة تقول: "كثير من إثارة الجدل والهجوم.. كثير من المشاهدة".
مسلسلات روجت لـ "زنا المحارم"
الحق أن أزمة منتصف العمر لم يكن العمل الوحيد الذي جرى اتهامه بالترويج لزنا المحارم، سبقه إلى ذلك المسلسل الخليجي "أمس أحبك وباجر وبعده" من تأليف هبة حمادة، وإخراج محمد القفاص، فضلاً عن عشرات من الأعمال الأخرى، مثل "بيت من لحم" و"الوجه الآخر" لنسرين طافش، وماجد المصري، وأيضا مسلسل "دنيا تانية" الذي تم وقف بث أولى حلقاته، في رمضان من العام الماضي بسبب "مشهد زنا محارم" وكذلك مسلسل البرنس والذي أظهر سيدة -فدوة- تجمعها علاقة عاطفية مع زوجها وشقيقه، وصولاً للأغنيات حيث سبق اتهام حمو بيكا بالترويج لـ "زنا المحارم".
هل يروح المسلسل حقاً لزنا المحارم؟
قيل إن المسلسل مأخوذ عن المسلسل التركي "العشق الممنوع"، لكن الأكيد أنه واجه الانتقادات ذاتها، وفي الوقت الذي حرم فيه أئمة الجزائر متابعة المسلسل التركي بدعوى ترويجه لزنا المحارم، انطلقت التحذيرات في مصر من مشاهدة المسلسل، مثل تلك الدعوة التي أطلقتها خبيرة تربوية بدعوى أنه يهدم قيم المجتمع، فضلاً عن عشرات الانتقادات عبر مواقع التواصل الاجتماعي، والتي اتهمت المسلسل بأنه يقوم بـ "دس السم في العسل"، تم اتهام صناع العمل بهدم قيم المجتمع، وهو ما نفاه الجميع بداية من مؤلف العمل مروراً بالبطل كريم فهمي والذي أكد في تصريح أخير أن المسلسل لا يحتوي على أي مشاهد خادشة، وأن المشاهد يجب أن يعطي فرصة لعقله كي يفكر منتقداً الهجوم على المسلسل متهماً من يقول إن المسلسل يروج لـ "زنا المحارم" بـ "اللجان"، أما مخرج المسلسل فأكد أن تلك عادة الأعمال التي تتعرض لأمور شائكة، مثل فيلم "بحب السيما" لأسامة فوزي جدلاَ واسعاً أيضاً، أو فيلم (الشيخ جاكسون) لعمرو سلامة، أو حتى مسلسل (الليلة واللي فيها) لهاني خليفة، وأمثلة أخرى كثيرة غيرها.
الإجابة أن نعم، حتى مع كل تلك العواقب الحزينة التي لاحقت الجميع منذ وقوع الجرم، يبقى الأمر مقززاً، حين تحيط علاقة سيدة بزوج ابنتها، بكثير من الرومانسية واللطف، والتعاطف.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.