تعاني دول المحور الإيراني، الممتد من إيران إلى العراق وسوريا ولبنان، من حالة تداعٍ خطير لعملاتها المحلية، ازدادت وتيرتها بالفترة الأخيرة ووصلت إلى حالة أصبح من المتعذر على شعوب تلك الدول التعامل مع موجة الغلاء التي رافقتها، ودخلت هذه الدول بكل قوة في نادي الدول الفاشلة، ومن أوسع أبوابه، رغم امتلاكها مقدرات اقتصادية هائلة يمكنها الاستفادة منها لبناء أوطانها.
دول المحور الإيراني التي يحملها مركب متهالك واحد، يبدو أنه على وشك الغرق إذا لم تكن هناك حلول سريعة وجدية لأوضاعها الاقتصادية.
والملاحظة الغريبة التي يلاحظها المراقبون أنهم يتفهمون أسباب تداعي العملة الإيرانية وانهيار الاقتصاد هناك، والناتج عن العقوبات الأمريكية والغربية عليها، لكن غير المفهوم هو ارتباط انهيار الاقتصاد الإيراني بانهيار اقتصاديات الدول المرتبطة بها، بالرغم مما تمتلكه من واردات كبيرة، كما هو الحال مع العراق.
ولمعرفة تفاصيل هذه الأحجية لا بد لنا من فهم طريقة إيران في اعتمادها على اقتصاديات الدول المرتبطة، بغية التخلص من العقوبات الأمريكية والغربية عليها، والنجاة على حساب اقتصاديات الدول الحليفة لها.
اقتصاد العراق مرتهن للإرادة الإيرانية
وفي الحالة العراقية، فإن النظام الإيراني يرتكز على واردات العراق النفطية بشكل كبير، لأجل ديمومة بقاء نظامه والأنظمة الأخرى المرتبطة به، فبسبب ارتباط الطبقة الحاكمة في العراق بإيران، وتتمتع الأخيرة بنفوذ سياسي واقتصادي واسع على العراق، مكنها من الاستفادة من واردات العراق النفطية، من خلال تحويل عملة الدولار من العراق وضخها باقتصادها بشكل مباشر أو غير مباشر، وأحد تلك الآليات هو مزاد بيع العملة اليومي في بغداد، والتي تصل إلى ما يزيد عن 200 مليون دولار يومياً، فتقوم بشراء هذا الدولار عبر مصارف ومكاتب صيرفة موالية لها، ثم تحويلها إلى دول مجاورة مثل الأردن وتركيا أو مباشرة إلى إيران، بحجة استيراد مواد غذائية أو احتياجات ضرورية للشعب العراقي.
لكن هذه الدولارات تجد طريقها إلى إيران والأنظمة والميليشيات المرتبطة بها في عملية تجري منذ عام 2003 حتى الآن، وبعلم الأمريكيان، كما تستطيع إيران تصدير نفطها للعالم، عبر تسهيلات عراقية، والادعاء أنه نفط عراقي للاستفادة من الأسعار الباهظة التي تشهدها أسواق النفط عالمياً.
ناهيك عن تصدير الكهرباء والغاز الإيراني للعراق بأسعار مبالغ فيها، والصادرات الإيرانية لمنتجاتها المنخفضة الجودة للعراق.
لماذا شددت واشنطن إجراءاتها الآن على تحويلات العراق بالعملة الصعبة؟
من اللافت أننا نرى أن كل تلك العمليات الإيرانية المشار إليها أعلاه كانت بعلم الولايات المتحدة، رغم ادعاء الأخيرة أنها تفرض عقوبات صارمة على إيران.
وعلى ما يبدو، فإن الولايات المتحدة كانت تتبع سياسة غض الطرف عن عمليات تهريب الدولار من العراق إلى إيران، تشجيعاً لإيران على إبرام اتفاق جديد مع واشنطن، بما يتعلق بالملف النووي.
لكن بعد وصول هذه المباحثات بين الطرفين لطريق مسدود، بالإضافة إلى تطور تداعيات الحرب الأوكرانية الروسية لمستويات كبيرة، وانحياز إيران الواضح لروسيا فيها من خلال تزويدها بالمسيّرات الإيرانية وبعض الصواريخ، وجدت واشنطن أن إيران قد اخترقت جميع الخطوط الحمراء المرسومة لها، وأن الواجب يقضي بالحد من أنشطة إيران المعادية للغرب وللولايات المتحدة بشكل خاص. فقامت نهاية العام الماضي باتخاذ جملة من الإجراءات التي من شأنها منع تدفق عملة الدولار إلى إيران ومواليها في المنطقة، وفرضت على العراق تطبيق نظام سويفت لتعاملاته الدولية.
لكن الأطراف الموالية لإيران امتنعت عن التعامل مع هذا النظام، واتجهت لسحب عملة الدولار من السوق المحلية ونقلها بشكل فيزيائي عبر الحدود البرية إلى إيران أو باقي الدول المجاورة لتصل إلى وجهتها النهائية إيران.
هذا الأمر سبب زيادة الطلب على الدولار في العراق وانهيار الدينار العراقي، رافقه انهيار لعملة سوريا ولبنان، اللتين كانتا تتلقيان الدعم الدولاري من العراق، لأن عملية نقل الدولار بطريقة بصيغة الكاش لإيران لم توفر لها الكمية المطلوبة، لإدارة نشاطها الاقتصادي وتمويل الأنظمة والميليشيات التابعة لها بالمنطقة.
هل من حلٍّ اقتصادي لمشكلة دول المحور الإيراني؟
ووفق هذا الشرح فإننا نرى أن مشاكل الدول المرتبطة بإيران ليست مشاكل اقتصادية بقدر ما هي مشكلة خيارات سياسية، جعلت تلك الدول مرتهنة لمغامرات إيران السياسية، وتدفع ثمن حماقاتها السياسية على المستوى العالمي، بالوقت نفسه فإن هذه الدول لا تجني شيئاً من نجاحات إيران (إن كانت هناك نجاحات)، فهي في الحالتين تلعب دور كبش الفداء الذي يتم التضحية به لأجل مصالح إيران.
وعليه فإنه لا حل اقتصادياً لهذه الدول للتخلص حالة الانهيار التي تعاني منها، إنما الحلول هي سياسية بامتياز، فالعلاقة غير الطبيعية التي تربط تلك الأنظمة بالنظام الإيراني هي من تسببت في متاعبها الاقتصادية، وفي الوقت الذي تُقرر التخلص من هذه التبعية فإن حالة الرخاء الاقتصادي على اقتصاداتها سوف تظهر بشكل جلي.
لكن هذا يصطدم بعقبة كبيرة، تتمثل بإرادة الأحزاب والميليشيات المسيطرة على العملية السياسية في تلك البلدان، والتي ترفض تغيير بوصلتها من إيران، إلى صالح شعوبها، وإصرارها على ربط مصير بلدانها بمصير النظام الإيراني.
دور الجماهير في التخلص من التبعية الإيرانية
هنا يأتي دور الجماهير والشعوب التي تكتوي بنار الانهيار الاقتصادي الذي تعاني منها بلدانها لتأخذ على عاتقها إنهاء حالة التردي الذي تعيشه، فالصمت لا يخدمها بأي شكل من الأشكال، وسوف يزيد من حالة الفشل الذي تعيشه بلدانها، والحل هو العمل على تغيير أنظمتها، من أنظمة تقوم بدور خدمة النظام الإيراني، إلى أنظمة تعمل من أجل مصالح شعبها.
أحد تلك الخيارات التي يمكن للشعوب الاستفادة منها هو تطبيق آليات العصيان المدني للأنظمة الوظيفية الموالية لإيران، وتنظيم صفوفها لتشكيل معارضة سياسية تحوز ثقة الشعب، وترسم استراتيجية واضحة المعالم لطبيعة النظام القادم، وعلى رأس تلك المعالم، أن يكون نظاماً لا طائفياً ولا عسكرياً، بل نظاماً مدنياً ديمقراطياً، يجعل مصلحة الشعب والوطن فوق كل اعتبار، وفوق كل مصلحة لخارج الحدود.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.