منذ الإطاحة بعمران خان من منصبه -عبر مشروع سحب الثقة الذي نجحت فيه المعارضة آنذاك وقامت بإسقاطه في أبريل الماضي- وهو يدعو إلى إجراء انتخابات مبكرة، خاصة بعد أن رأى تزايد شعبيته في أوساط الشارع الباكستاني، ولكن باءت كل محاولاته بالفشل، ولم ينجح في حشد العدد الكافي أو حتى الضغط على الحكومة عبر المظاهرات والاعتصامات.
بعد أكثر من شهر من وعده بحل برلماني خيبر بختون والبنجاب؛ لإجبار الحكومة الباكستانية على إجراء انتخابات مبكرة، أخيراً قام عمران خان بحل البرلمانين بعد اجتماعات كثيرة، وتحدٍّ من قبل الحكومة أنه لن يكون بإمكانه حل البرلمانين، وأن كلامه مجرد تهديدات فارغة لا أكثر.
يبقى السؤال هو، هل نجح عمران خان في مطالبته بإجراء انتخابات مبكرة في باكستان بعد حل البرلمانين؟
للإجابة على هذا ينبغي أن نوضح التالي للقارئ، حتى يفهم الوضع السابق والحالي:
كان لدى عمران خان حكومتان، الأولى في إقليم خيبر بختون، والثانية تابعة له في إقليم البنجاب، وإن كان رئيس وزراء إقليم البنجاب من خارج حزب الإنصاف، والحديث هنا عن برويز إلهي، قائد حزب الرابطة الإسلامية -فصيل القائد الأعظم- وحليف عمران خان.
لم تكن هناك مشكلة لدى عمران خان في حل برلمان إقليم خيبر بختون؛ لأن الإقليم يخضع لحزب الإنصاف بشكل مباشر، ولكن المعضلة كانت تتعلق بحل برلمان البنجاب، إذ إن رئيس وزرائه ليس من حزب الإنصاف.
قامت المعارضة في إقليم البنجاب -حزب الرابطة الإسلامية التابع لنواز شريف- بتقديم مشروع عبر حاكم الإقليم -يخضع لسلطة الحكومة الفيدرالية بشكل مباشر- يطلب من رئيس وزراء إقليم البنجاب برويز إلهي الحصول على ثقة برلمان البنجاب، وبعد الذهاب للمحكمة العليا في لاهور في البنجاب، أمرت المحكمة رئيس وزراء الإقليم بأنه لن يكون بإمكانه حل البرلمان دون الحصول على ثقة البرلمان أولاً.
وبعد أخذ ورد وحديث متبادَل، ومحاولات من الحكومة لاستمالة أعضاء حزب الرابطة الإسلامية -فصيل القائد الأعظم- لجانبهم، تم عقد جلسة البرلمان في 12 من يناير، ليستطيع رئيس وزراء إقليم البنجاب، برويز إلهي، من الحصول على ثقة البرلمان، ويصدر توجيهاته لحاكم إقليم البنجاب بحل البرلمان، وهو ما حصل بعد 48 ساعة من صدور التوجيه، وتم حل برلمان إقليم خيبر بختون يوم 17 من يناير دون أي مشاكل.
الفخ الذي وقع فيه عمران خان
حتى اللحظة، قد يتوهم القارئ أن عمران قد نجح في مساعيه للضغط على الحكومة من أجل إجراء انتخابات مبكرة، وهنا تكمن المعضلة!
فبحسب الدستور الباكستاني، فإن حل برلمان أي إقليم لا يعني بالضرورة إجراء انتخابات مبكرة في كل باكستان، ولكن إجراء انتخابات في غضون 90 يوما في ذات الإقليم وحده، وهو ما يعني إجراء انتخابات في إقليمي البنجاب وخيبر بختون فقط لا غير، إضافة إلى عدم مقدرة الإقليمين في المشاركة في الانتخابات العامة المقرر إجراؤها في أكتوبر هذا العام.
لاجراء الانتخابات في إقليمي البنجاب وخيبر بختون سيتعيّن على رئيسي وزراء إقليمي البنجاب وخيبر بختون طرح 3 أسماء لكل إقليم، وكذلك على قائدي المعارضة في الإقليمين طرح 3 أسماء لكل إقليم، وسيتم اختيار اسمين من هذه الأسماء ستكون هي المسؤولة عن حكومة تصريف أعمال في إقليم البنجاب، وحكومة تصريف أعمال في إقليم خيبر بختون حتى موعد الانتخابات في الإقليمين
قبل المضي قدماً في تبعات حل البرلمانين، ينبغي التعريج على الهزيمة المذلة لحزب الإنصاف في انتخابات كراتشي، إذ لم يحصل الحزب إلا على 40 مقعداً فقط، في حين حصلت الجماعة الإسلامية على 86 مقعداً في انتخابات كراتشي، رغم أن الجماعة لا تمتلك إلا مقعداً واحداً في الجمعية الوطنية -البرلمان الفيدرالي-، وحصل حزب الشعب على 93 مقعداً في ذات الانتخابات.
وبإلقاء النظر على ردود أفعال أنصار حزب الإنصاف على وسائل التواصل الاجتماعي، فقد حملوا أعضاء الحزب مسؤولية الهزيمة المذلة، إذ إن الحزب اعتمد على شعبية عمران خان فقط دون العمل على الأرض، إضافة إلى سوء التحضير، بل لم تلقَ ادعاءات الحوب بوجود تزوير في الانتخابات أي صدى لدى أنصار الحزب أو حتى أي متابع للوضع، خاصة أن التزوير ممكن في مقاعد محدودة، ولكن ليس في 180 مقعداً، وتأتي هذه الهزيمة المذلة في ظل غياب أحد أكثر الأحزاب قوة في كراتشي، وهو حزب الحركة القومية المتحدة الذي قاطع الانتخابات.
يتبين مما سبق أن الوضع على الأرض يختلف تماماً عما يدعيه حزب الإنصاف على وسائل التواصل الاجتماعي، إضافة إلى ادعاءات قيادييه قبل انتخابات كراتشي عن أن الحزب سيكتسح الانتخابات، وأنهم سيحصلون على ثلاثة أرباع المقاعد.
عوداً إلى تبعات حل برلماني خيبر بختون والبنجاب، فقدوم حكومة تصريف أعمال في الإقليمين لن يكون في مصلحة حزب الإنصاف، إذ سنرى حزب الإنصاف يشتكي في قادم الأسابيع من إجراءات حكومتي تصريف الأعمال في الإقليمين
وهنا ينبغي الحديث عن إقليم البنجاب، إذ إنه مهم جداً لأي انتخابات في باكستان، إذ سنرى صراعاً ثلاثياً على الفوز بمقاعد برلمان البنجاب بين حزب الرابطة الإسلامية التابع لنواز شريف، وحزب الشعب الباكستاني وحزب الإنصاف.
تكمن قوة حزب الرابطة الإسلامية في قلب البنجاب، في حين يحظى حزب الإنصاف بدعم من المدن الكبرى المتحضرة، وسيكون الصراع في جنوب البنجاب محصوراً بين حزب الشعب الباكستاني وحزب الإنصاف.
في البرلمان الذي تم حلّه في البنجاب، كانت مقاعد حزب الإنصاف مساوية لمقاعد حزب الرابطة الإسلامية، ومن رجح كفة ميزان حزب الإنصاف هو الائتلاف مع حزب الرابطة الإسلامية -فصيل القائد الأعظم-، لذلك سيواجه حزب الإنصاف صراعاً شرساً في الإقليم، إذ إن الوضع على الأرض يعطي مؤشرات على أن حزب الشعب الباكستاني قادم وبقوة، وأن الصراع في جنوب البنجاب لن يكون سهلاً لحزب الإنصاف البتة
الأمر يختلف في إقليم خيبر بختون، إذ إن حزب الإنصاف هو المرشح لاكتساح الإقليم، ولكن سيخسر مقاعد لصالح جمعية علماء إسلام التابعة لفضل الرحمن، كما أن خسارة المقاعد في الإقليمين ستتسبب في خسارة المقاعد في الجمعية الوطنية-البرلمان الفيدرالي- بعد الانتخابات العامة متى ما حصلت.
إضافة إلى ما سبق، هناك انقسامات في داخل حزب الإنصاف نفسه، بل حديث متكرر عن إمكانية تقسيم الحزب، وانفصال بعض قياداته، وهو ما سيضعف موقف عمران خان وحزب الإنصاف في الانتخابات، كذلك أن من يمنح عمران خان المشورة هم من تسببوا في توريطه، سواء في كراتشي، أو حتى في حل البرلمانات، أو حتى الكذب عليه بخصوص العمل على الأرض.
مما سبق نرى أن عمران خان خسر كثيراً بحلّه لبرلمانين كانا يمنحانه قوة على الأرض، بل خسر أكثر بتصريحاته عن رغبته في العودة إلى البرلمان -البرلمان الفيدرالي- رغم أنه رفض سابقاً أن يكون جزءاً من عملية تغيير النظام، وأنه لن يجلس مع الفاسدين السارقين، وينبغي تذكير القارئ بأن 123 من أصل 155 من أعضاء حزب الإنصاف كانوا تقدموا باستقالاتهم العام الماضي، وتم قبول استقالة 81 منهم حتى اللحظة.
بمعنى أن حزب الإنصاف أصبح أقلية في برلمان كان هو الغالبية فيه بـ155 مقعداً، وأن الحديث عن انتخابات مبكرة ليس إلا أحلاماً، خاصة أن الانتخابات المبكرة ليست في صالح الحكومة البتة، وهي تحاول وسعها العمل على تعديل الأوضاع الاقتصادية، علّها تستطيع إقناع الشارع الباكستاني الغاضب أصلاً من سوء الوضع الاقتصادي والمعيشي.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.