تواجه الصين مهمة شاقة بعد التخلي فجأة عن سياسة صفر كوفيد، مع ارتفاع عدد الإصابات وتوقُّع وصول عدد الوفيات إلى مليوني شخص. وتتخلى الدولة الأكثر اكتظاظاً بالسكان في العالم بسرعة عن الاختبارات الجماعية وعمليات الإغلاق والحجر الصحي المركزي التي حددت السياسة الصارمة القائمة منذ ثلاث سنوات. ومع ذلك، فقد تم قضاء قليل من الوقت في وضع تدابير التخفيف اللازمة للتعامل مع الانفجار الناتج في الحالات، والذي قد يصل إلى 5.6 مليون يومياً في الذروة، وفقاً لبعض التقديرات.
لماذا لا يتمتع السكان الصينيون بالحماية الكافية ضد كوفيد-19؟
إن سكان الصين محصنون بشكل سيئ للغاية ضد فيروس كورونا لسببين رئيسيين. الأول هو أنه منذ بداية الوباء، طبقت بكين سياسة صارمة لعدم انتشار الفيروس، حيث تلجأ إلى جميع الوسائل الممكنة لمنع انتشاره. والنتيجة هي أن السكان نادراً ما تعرضوا للمرض؛ ومن ثم لم يتم تطوير المناعة الطبيعية ضد الفيروس على نطاق واسع. والسبب الثاني هو أن الحماية من اللقاحات منخفضة أيضاً. على الرغم من أن أكثر من 90% من السكان قد حصلوا على الجرعة الأولى، فإن 69.8% فقط من أولئك الذين تزيد أعمارهم على 60 عاماً تلقوا الجرعة المعززة، وهو رقم ينخفض إلى 42.4% في الأشخاص الذين تزيد أعمارهم على 80 عاماً. ووفقاً لتعداد عام 2020، فإن 191 مليون شخص في الصين تزيد أعمارهم على 65 عاماً.
وأثبت اللقاحان المتداولان في البلاد، سينوفاك وسينوفاير، أنهما أقل فعالية من اللقاحات المستخدمة في بلدان أخرى، مثل فايزر-بيونتيك، وموديرنا، وسبوتنيك الخامس المطور في روسيا. ووفقاً للدراسات الحديثة، فإن اللقاحين الصينيين أقل فعالية بنسبة 80%، مقارنة بأكثر من 90% لتلك المستخدمة في أماكن أخرى من العالم.
لماذا فشلت سياسة "صفر كوفيد" في الصين؟
وصلت سلالة أوميكرون، الفيروس الأسرع انتشاراً على الإطلاق، إلى الصين منذ نحو عام. وتمكنت سياسة "صفر كوفيد" التي وضعتها بكين، من إبعاد السلالات السابقة من الفيروس، ولكن نظراً إلى أن "أوميكرون" شديد العدوى، تزايدت الحالات وتفشى المرض، مما أجبر السكان على العيش في حبس دائم تقريباً والخضوع لفحوصات تفاعل البوليميرز المتسلسل على أساس يومي تقريباً. وتصاعد التوتر بشأن القيود مع مرور الأشهر حتى انفجرت في شكل احتجاجات اجتماعية غير مسبوقة بجميع أنحاء البلاد. كان رد فعل الحكومة هو التراجع عن "صفر كوفيد" عملياً بين عشية وضحاها.
لماذا جعل إنهاء "صفر كوفيد" الأمور معقدة للغاية؟
لم تكن الصين الدولةَ الوحيدة التي تبنت تدابير صفر كوفيد: نيوزيلندا، على سبيل المثال، أغلقت البلاد بأكملها في أغسطس/آب 2021 بعد اكتشاف حالة واحدة. وليس من غير المألوف بالنسبة للبلدان التي اعتمدت تدابير صارمة أن تشهد زيادة مفاجئة في الحالات عندما يتم تخفيف هذه الحالات، ولكن عادةً ما يتم ذلك تدريجياً وعلى أساس الحماية التي توفرها اللقاحات. وفي الصين، من ناحية أخرى، تم تنفيذ القرار فجأة في 7 ديسمبر/كانون الأول، في وقت كانت فيه الإصابة بالعدوى في ارتفاع بالفعل.
كم عدد الوفيات المبلَّغ عنها في الصين؟
من المستحيل حساب حجم هذه الموجة الأخيرة. لم يعد إجراء اختبارات تفاعل البوليميراز المتسلسل إلزامياً في الصين، وقالت لجنة الصحة الوطنية إنها لن تقدم تحديثات إحصائية يومية. على أي حال، فإن الأرقام المركزية مفتوحة للتساؤل: رسمياً، سجلت الصين 5246 حالة وفاة مرتبطة بكوفيد منذ بداية الجائحة وعشرات منذ نهاية سياسة "صفر كوفيد" في 7 ديسمبر/كانون الأول. ووفقاً لـ"بلومبرغ"، ونقلاً عن البيانات التي تعاملت معها السلطات الصحية الصينية، أصيب ما يقرب من 250 مليون شخص بالبلاد في الأسابيع الثلاثة الأولى من الشهر الماضي، مع 37 مليون حالة في يوم واحد فقط في 20 ديسمبر/كانون الأول. وقالت منظمة تحليل البيانات الصحية البريطانية "إيرفينيتي"، إنه من المرجح أن يموت 9000 شخص كل يوم في الصين بسبب الزيادة الأخيرة.
ماذا سيحدث في الصين خلال الأسابيع القليلة المقبلة؟
تشير جميع التوقعات إلى موجة هائلة من الإصابات التي ستغرق المستشفيات. ويقدر علماء الأوبئة الدوليون أن ما بين مليون ومليوني شخص سيموتون لأسباب مرتبطة بكوفيد بالصين في عام 2023. ويتوقع المتخصصون الصينيون أن تكون هناك ثلاث موجات رئيسية هذا الشتاء: الموجة الحالية ستؤثر بشكل أساسي على المدن الكبرى، بينما ستصل الموجتان الأخريان إلى المناطق الريفية بسبب السفر خلال إجازات السنة القمرية الجديدة، التي تقام بين 21 و27 يناير/كانون الثاني. وسؤال آخر هو ما إذا كان نظام الرعاية الصحية، الذي بدأ بالفعل يشعر بالضغط، سيكون قادراً على التأقلم. وفقاً للأرقام الرسمية، هناك 138.100 وحدة عناية مركزة في جميع أنحاء البلاد، ويمثل عدد الأسرَّة بهذه الأجنحة نحو 10 لكل 100.000 نسمة.
هل ستظهر سلالات جديدة؟
منذ أن أعلنت منظمة الصحة العالمية أن فيروس كورونا الجديد جائحة، سيطر الخوف على الخبراء والسلطات الصحية من ظهور سلالات جديدة أكثر فتكاً ومُعدية. ورغم أن انفجار الحالات يجعل تطور طفرات جديدة أمراً لا مفر منه، يبقى أن نرى ما إذا كانت هذه ذات صلة وبائية.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.