مع مرحلة أخرى من الانتفاضة "التي بدأت" في إيران قبل 100 يوم، هل حدث أو سيحدث "تغيير" للأوضاع في إيران؟ وما هي آفاق هذا التطور المهم والتاريخي؟ هل سيتمكن الشعب الإيراني من الإطاحة بالرئيس ويصل إلى ما يريد؟ أم ستبقى الرئاسة الدينية الحاكمة على عرش السلطة؟ وما هي نقاط القوة والضعف في هذه الانتفاضة؟ وأخيراً "ما الذي يتوجب فعله؟".
للإجابة على هذه الأسئلة، نود أن نلقي نظرة معاً على "الطريق الذي تم اجتيازه في هذا المسار"، ودعونا نقيّم هذه الانتفاضة التاريخية بأسلوب منطقي واقعي علمي طبيعي، لنرى ما هي الآفاق المقدرة لهذه الانتفاضة!
بالنظر إلى ما مضى نرى أولاً أن شوطاً بعيداً وطويلاً قد قُطع حتى اليوم، وأن هناك خزائن كنوز لـ44 عاماً من المقاومة ضد الرئاسة الحاكمة لتكون أساساً وظهيراً لتحقيق الانتفاضة الحالية، وإذا لم تكن هناك هكذا مقاومة فلن يكون هناك بالتأكيد هكذا مسار من الانتفاضة.
فالتجارب والإنجازات المتراكمة على مر السنين هي العامل الوحيد للوصول إلى النقطة الحالية التي عليها انتفاضة الشعب الإيراني في هذه الأيام المائة، وعلى الرغم من أن الأمر قد استغرق وقتاً قصيراً لتحويل "حادثة" إلى "انتفاضة شعبية هائلة"، إلا أن تأثيرها كان واسعاً جداً لدرجة أنها زلزلت أسس الدكتاتورية المتسلطة على إيران!
في البداية كان كل شيء جديداً، وقد كان استشهاد مهسا أميني "الشرارة" أشعلت "شعلة" وتحولت إلى "نار"! وعلى ضوء ذلك تحطمت العديد من القيم والثقافات والاغتراب في المجتمع، وانكسرت تعويذة "عدم الاعتقاد". أصبحت حقيقة "ممكن وينبغي" مثالاً لخطوات عالية أخرى انتشرت بسرعة في جميع المدن و"جميع أنحاء إيران"، وتحول "الألم المشترك" إلى "صرخة مشتركة"، وأصبح تحدياً للنظام الحاكم في إيران.
كان منذ البدء إذ نزل الجميع إلى الشارع، ولكن كان لكل شخص وحركة مسار مختلف، وإذا كانت شعارات ومطالب كل شخص أو حركة متنوعة، وإذا كانت "المياه" موحلة، وكان "العبور" صعباً، ولكان "الأفق" مبهماً غير واضح، وإذا كانت خيارات كل شخص أو تيار مختلفة، وكان من المستحيل التمييز بين "الصديق" و"العدو"، وفي مواجهة كل هذا كانت الدكتاتورية الحاكمة وداعموها الغيبيون والغربيون يتدافعون بأشكال مختلفة من أجل منع "انتفاضة الشعب" من التحرك والوصول إلى الحرية والنصر.
وسحب كل جزء من الشعب الإيراني إلى ناحية معينة، لكن العالم قد رأى أن الشعب يريد الإطاحة بالرئاسة الدينية، وأن انتفاضة الشعب الإيراني الوطنية رغم كل التهديدات والمؤامرات لم تتوقف عن التحرك فحسب، بل استطاع الشعب بدلاً من ذلك وبفضل دعمه التاريخي أن يشق طريقه إلى المستقبل أكثر من أي وقت مضى! وتحييد المؤامرات المختلفة!
تحييد المؤامرات والسيناريوهات السوداء!
اتخذ الشعب الإيراني خطوة تاريخية طويلة من خلال استمرار الانتفاضة والتركيز على إسقاط السلطة الدينية الحاكمة، وهتفت جماهير الشعب ضد السلطة والحكومة، ولم يقبلوا بأقل من ذلك، ثم هتفوا في الشوارع: "لم نُقتل حتى نقوم بالتسوية، أو لنُشيد بقائد قاتل"، أو الهتاف بشعار "الموت للمستبد، سواء كان الشاه أو الملالي".
هذه الهتافات والشعارات التي تتحدث عن "رفض الدكتاتورية" و"استبدالها"، وتُبطل كل الطرق السلمية والتسويات والعودة إلى الماضي، تعكس هي الأخرى الأطراف الحقيقية المشاركة في مشهد الانتفاضة من جهة "الدكتاتورية الدينية الحاكمة"، التي تعد أفظع دكتاتورية بتاريخ إيران، ومن جهة أخرى "يعيش الشعب وأبناؤه واضعين أرواحهم في كف أيديهم"، وعلى الرغم من تقديمهم 750 شهيداً وأكثر من 30 ألف معتقل فإنهم ليسوا على استعداد لمغادرة الميدان.
لقد تعلم الشعب الإيراني من تجربة هذه الحقيقة أن السبيل الوحيد للتحرر من هذا الوضع وتحقيق الحرية هو "عدم القبول بأي تسوية"، والتصميم والثبات على "إسقاط" الحكومة وليس الاحتجاجات السلمية والمدنية و"اللاعنف"، كما يدعي البعض من الذين انتهى دورهم وولى أمرهم!
كما يعتقدون أنه من أجل دفع الانتفاضة إلى الأمام والوصول إلى هدفها يجب البقاء في الشوارع والمضي من قتال إلى قتال مع قوات السلطة وعدم الخوف؛ لقد اختاروا عدم الخضوع للتهديدات والمؤامرات، ذلك لأنهم يعرفون أن الإطاحة بالنظام تتم داخل البلاد وفي الشوارع وخارج الحدود!
الطريق الصحيح في الماضي والحاضر والمستقبل!
كان ليقظة الناس في اتباع الطريق الصحيح للانتفاضة تألق منقطع النظير، وقد سخروا في انتفاضاتهم السابقات من وجود بديل داخل النظام وقاموا بتحييده وتجاوزه، كما أنهم وضعوا جانباً البدائل والواجهات المزيفة التي تبدو في ظاهرها خارج النظام .
وثبتوا بعزم على الاستمرار واستكمال الثورة المناهضة للشاهنشاهية عام 1979، فرغبة الشعب الإيراني هي إيجاد حكومة وطنية وشعبية وديمقراطية.
قيادة الانتفاضة الشعبية!
على عكس المطالبين الذين لديهم "قدم" بشكل مباشر أو غير مباشر على أرض السلطة، أو يشاركون في "مسيرة حقبة"، كان ولا يزال لانتفاضة الشعب الإيراني قيادة، وما لم يكن لديه قيادة فلن تستمر لـ"100 يوم" مستمرة متواصلة فحسب، بل لن تستمر حتى أسبوعاً، وأولئك الذين يزعمون أن الانتفاضة بلا قيادة فهم إما "جهلة" أو قلوبهم معلقة على امتيازات بقاء السلطة.
وبحسب قول زعيم المقاومة الإيرانية فإن المشكلة ليست في عدم وجود قيادة، وإنما في "قلة النيران" و"تأجج المشاعل"، "وكل من يريد حل قضية القيادة يجب أن يطلق نيراناً أكثر فأكثر على نظام الإعدامات ومجازر الإبادة الجماعية"، وعليه فإن الجواب الوحيد هو "النار في مواجهة النار"، وهو الأمر الذي دخل الآن إلى حيز ثقافة الشعب الإيراني، وكل فرد أو تيار شعبي يسعى إلى إعدادها أو التمهيد لها فإن ذلك يتوقف على حجم إنتاج واستخدام "زجاجات المولوتوف" في مواجهة القوات الحكومية القمعية في المدن الإيرانية.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.