أرسلت الحكومة المصرية إلى البرلمان مشروع قانون بزيادة الحد الأقصى لنسبة الضرائب على الدخل إلى 27.5%، كنسبة غير مسبوقة منذ 17 عاماً حين صدر قانون الضريبة على الدخل محدداً الحد الأقصى بنسبة 20%، وهو ما يخالف وعد الحكومة خلال عرض البيان المالي لموازنة العام المالي الحالي على البرلمان، بعدم فرض ضرائب جديدة والاكتفاء بتوسيع القاعدة الضريبية.
وهو ما قامت به بالاستمرار في مراحل تطبيق الفاتورة الإلكترونية على الشركات التي بدأتها قبل عامين، والتي تتيح لها التعرف على كافة إيرادات ومصروفات تلك الشركات لحظياً، بما يسهل تحديد الضريبة المستحقة عليها، حتى وصلت إلى المرحلة الثامنة والأخيرة من تلك الفاتورة التي تنتهي مهلة التسجيل بها بنهاية الشهر الحالي.
ويجيء مشروع الزيادة لضريبة الدخل في ظروف غير مواتية لرجال الأعمال، من حيث استمرار حالة الركود خلال السنوات الأخيرة، ونقص الدولار منذ مارس/آذار الماضي وحتى الآن، مما تسبب في صعوبة الإفراج عن البضائع المكدسة بالموانئ لعدم تدبير البنوك الدولار للإفراج عنها، الأمر الذي أدى لنقص المستلزمات والمواد الخام اللازمة للصناعة، مما قلل معدلات الإنتاج وكذلك التصدير خلال الأشهر الأخيرة.
وأسهمت الحكومة في إضافة المزيد من الأعباء من خلال إلغاء مبادرة تمويل الصناعة والزراعة والمقاولات بفائدة أقل جزيئاً من سعر السوق، والعودة إلى التسعيرة الجبرية ببعض السلع ومنها الأرز، وكذلك التوريد الإجباري للمحاصيل كما حدث مع القمح والأرز.
إضافة شريحتين ضريبيَّتين خلال عامين ونصف
وحتى عندما تقوم الحكومة بتحفيز المصدرين بتقديم حافز تصديري، فقد اشترطت خصم نسبة 7% من قيمته البالغة 15% من قيمة الصفقات لسرعة السداد، رغم تأخر الحكومة في دفعه لأكثر من أربع سنوات، أي إن الأمر الطبيعي كان يتطلب؛ إما دفع كامل القيمة أو زيادتها بسبب التأخير، مثلما تفعل عند تأخر الممولين في سداد ما عليهم من ضرائب، بإضافة فائدة عليها تتحدد حسب سعر الفائدة السائد من قِبَل البنك المركزي.
كما تتأخر الحكومة في سداد ما عليها من مستحقات للمقاولين والتجار، وحين تدفعها على أقساط لا تزيد من قيمتها، رغم تسبب هذا التأخر في السداد في اضطرار المقاولين للاقتراض من المصارف بفائدة، لسداد ما عليهم من التزامات تجاه موردي مواد البناء وأجور العمال وإيجار المعدات.
والمعروف أن الحكومات عادة ما تلجأ في أوقات الركود للتخفيف من الأعباء على المستثمرين، بينما تسلك حالياً مسلكاً مخالفاً رغم إقرار رئيس الوزراء قبل أسبوع في مؤتمر صحفي أذيع على الهواء بالفضائيات، بأن القطاع الخاص يعاني حالياً من أجل البقاء.
ومع ذلك فقد أرسلت الحكومة إلى البرلمان بطلب إقرار تشريع بإضافة شريحة جديدة، إلى شرائح ضريبة الدخل بنسبة 27.5% على صافي الدخل السنوي لأكثر من 800 ألف جنيه، وذلك بعد نحو عامين ونصف من إضافة الحكومة شريحة جديدة لضريبة الدخل، في مايو/أيار 2020 بنسبة 25% على صافي الدخل السنوي البالغ أكثر من 400 ألف جنيه.
والغريب أن الشريحة الجديدة تأتي رغم إعلان وزارة المالية تحقيق إيرادات ضريبية بالعام المالي 2021/2022 بقيمة 991 مليار جنيه، مقابل 983 مليار جنيه لقيمة الضرائب المستهدفة عند إعداد موازنة ذلك العام، أي أنها تخطت الرقم المستهدف بنحو 8 مليارات جنيه.
وخلال العام المالي الحالي 2022/2023 والذي ينتهي بنهاية يونيو/حزيران المقبل، تستهدف الحكومة تحصيل ضرائب بنحو 1 تريليون و169 مليار جنيه، تمثل نسبة 77% من الإيرادات العامة المستهدفة البالغة 1 تريليون و518 مليار جنيه، بينما تم استهداف 348 مليار جنيه من الإيرادات غير الضريبية، التي تتعلق بفوائض الهيئات والبنوك المملوكة للدولة ورسوم الخدمات التي تقدمها الوزارات، ونحو 1 مليار جنيه من المنح، إلى جانب 25 مليار جنيه من الإقراض الحكومي وبيع الأصول الحكومية.
المسارات البديلة للاستثمار الصناعي
ويرى رجال الأعمال أن تلك النسبة الجديدة لضريبة الدخل ستدفع البعض منهم لتوجيه جانب من أمواله إلى الإيداعات المصرفية التي تجلب حالياً 17.25% من خلال شهادات ادخار لمدة ثلاث سنوات وليس على عوائدها أية ضرائب، أو بإخراج الأموال للخارج خاصة إلى دبي كما يفعل الكثيرون، كما سيتجه البعض إلى سوق الذهب والعقار وإلى زيادة تعاملاته بالبورصة الأقل في نسبة الضريبة المفروضة على أرباحها.
مما يؤدي إلى نقص الأموال المتجهة إلى الإنتاج والتصنيع، مما يؤثر على حجم المعروض من السلع والخدمات الأمر الذي سينعكس سلباً على زيادة الأسعار، ويقلل تنافسية تلك السلع بالداخل والخارج، الأمر الذي يؤثر على حجم الصادرات وبالتالي على الموارد من النقد الأجنبي، في وقت تعاني فيه البلاد من نقص في تلك العملات، مما اضطرها لقبول مطالب صندوق النقد الدولي الخاصة بزيادة الضرائب وإيقاف مبادرة تمويل الصناعة، وغيرها من المطالب من أجل قرض يبلغ 3 مليارات دولار يتم تسلّم أقساطه على مدى 46 شهراً.
والغريب أن هؤلاء لا يستطيعون التعبير عن رفضهم للشريحة الإضافية لضريبة الدخل بوسائل الإعلام أو حتى مواقع التواصل الاجتماعي، خشية التنكيل بهم كما حدث مع عدد من رجال الأعمال رغم الخدمات العديدة التي قدموها للحكومة، وتبرعاتهم لصندوق تحيا مصر مثل حسن راتب ومحمد الأمين ورجب السويركي وغيرهم.
كذلك لا يستطيعون اللجوء للبرلمان لمعرفتهم بعدم فاعليته، وحتى اللجوء لمجلس الدولة كما كان يحدث من قبل أصبح غير مضمون النتائج، في ضوء الطابع المهيمن على قرارته بتأييد قرار الجهة الإدارية المطعون في قرارها خلال الفترة الأخيرة.
ويرون أن قرار زيادة الشريحة الضريبية على الدخل يزيد من صعوبة المنافسة مع المشروعات المماثلة لأنشطتهم والتي تقوم بها الجهات التابعة للجيش، والتي تتمتع بمزايا خاصة أبرزها الإعفاء من ضريبة الدخل وضريبة القيمة المضافة والجمارك، علاوة على العمالة غير المكلفة والحصول على الأراضي من خلال التخصيص بدون دفع قيمتها مع كبر مساحتها.
بينما هم يتحملون قيمة الأراضي التي يعملون عليها وقيمة استخراج الرخص وتكاليف العمالة، علاوة على دفع العديد من أشكال الضرائب والرسوم، حيث تمثل ضريبة الدخل نوعاً واحداً من عدة أنواع من الضرائب يلتزمون بها، أبرزها ضريبة القيمة المضافة والضريبة العقارية وضريبة الجمارك وضريبة الدمغة وضريبة رسم تنمية الموارد، علاوة على العديد من الرسوم التي تحصلها وزارة المالية والوزارات المختلفة والمحافظات، سواء من خلال مديريات الخدمات بالمحافظات أو من خلال الصناديق الخاصة المنتشرة بالمحافظات والوزارات والهيئات.
وها هي بيانات موازنة العام المالي الحالي تستهدف تحقيق ضرائب عامة على الدخول ومن الدمغة تبلغ 590 مليار جنيه، وضرائب على القيمة المضافة 478 مليار جنيه وضريبة جمركية 46 مليار جنيه، وضريبة رسم التنمية والضرائب الأخرى 56 مليار جنيه.
وبخلاف الضرائب تستهدف الصناديق والحسابات الخاصة بالمحافظات والوزارات تحصيل 53 مليار جنيه، والرسوم التي تدفعها سيارات الشركات على الطرق السريعة، بخلاف ما تقوم الشركات بدفعه للعديد من الصناديق والهيئات، مثل هيئة التأمين الصحي الشامل التي تحصل على نسبة مقطوعة من الإيرادات، وليس من الأرباح؛ مما يعني الالتزام بدفعها حتى لو كانت الشركة خاسرة.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.