ستظل معركة ميسي ورونالدو واحدةً من أعظم المعارك التاريخية في كرة القدم، بل إنها أعظم منافسة بين لاعبين في تاريخ المستديرة منذ اختراعها.
16 عاماً من المتعة والإثارة والهيمنة على كل ما يتعلق بكرة القدم من ألقاب فردية كانت أو جماعية، قدمو كل شيء وكتبوا تاريخاً سيظل عالقاً إلى الأبدِ في كتب التاريخ، ومن المستحيل انتظار أي لاعبٍ مهما بلغت حجم موهبته أن يكتب نفس التاريخ حتى قبل أن يحلم بالتفوق عليه.
ولهذا لم يكن أبداً كأس العالم بشكلٍ أو بآخر هو ما سيقدم أو يؤخر من مسيرة الثنائي الأعظم، ومهما حاول البعض إعطاء الأمر أكبر من حجمه وتصوير المنافسة بينهم في كأس العالم الحالية كمباراة للمصارعة بطريقة واحدة ضد واحد، فلا ميسي سيلعب لوحده ولا رونالدو سيقف حارساً للمرمى وإنما نتحدث عن منظومتين لديهما مباريات ومنافسات صعبة قبل أن يصل الإثنين إلى دور النهائي أو إلى حمل البطولة.
فمسألة حسم أفضليتهم قد تم تأكيده عبر السنين وليس ببطولةٍ ولا نهائي ولا هدفٍ من أهدافهم الإعجازية، ولكن تظل كأس العالم هي قطعة البازل أو حبة الكريز التي تنقص الطرفين، فهل يتمكن أحدهما من إنهاء مسيرته حاملاً لقب "بطل العالم".
البرتغال والطريق للنجمة الأولى
يظن البعض أن البرتغال لديها تاريخاً كبيراً في كأس العالم، ولكن هذا العام هو المشاركة رقم ثمانية لهم في عدد مشاركاتٍ أقل من بلجيكا وإنجلترا وفرنسا على سبيل المثال، وتعد أكبر إنجازات المنتخب في تاريخه هو الفوز بالمركز الثالث عام 1966م، والحصول على المركز الرابع عام 2006م.
ولكن الفريق البرتغالي هذا العام وخصوصاً بعدما رأيناه في مبارياته في دور المجموعات ومن ثم النتيجة الكبيرة التي قدمها أمام سويسرا بأداءٍ ونتيجةٍ كانت مفاجأة حتى للمراهنين على فوز البرتغال، فلا أحد توقع ظهور البرتغال بهذه القوه ولا ظهور سويسرا بهذا الشكل الهزيل الذي سهل هزيمتهم بخطوطٍ مفتوحة وضعف للشخصية وخوفٍ لا مبرر له واعتمادٍ على الكرات الطويلة بشكل مبالغٍ فيه.
المدرب سانتوس بدأ البطولة بأداء واقعي ومباشر على مرمى الخصوم وكان موفقاً بشكلٍ كبير في اختياراته حتى عندما أثار الجدل بعد البدء براموس بديلاً عن كريستيانو رونالدو وقدم راموس مباراة تاريخية وأحرز هاتريك هدفاً تاريخياً له في المونديال.
ويعد ما حدث أسهل توصيفٍ لحالة البرتغال الحالية، وأن الفريق الآن ليس لديه أي لاعب لا يمكنه الخروج من التشكيل الأساسي وأنه لا فرق بين البديل والأساسي لأي لاعبٍ أياً ما كان فهذا ما أراد سانتوس أن يوصله للاعبيه.
طريقة سانتوس المباشرة والسريعة ستصعب الأمور كثيراً على المنافسين القادمين، وأولهم الفريق المغربي الذي عانى من حربٍ امتدت لمئة وعشرين دقيقةً كلفت العديد من الإصابات وأحدثت استنزافاً بدنياً للاعبي المغرب، على النقيض كانت مواجهة سويسرا بالنسبة للبرتغال كمباراةٍ تجهيزيةٍ قام المدرب بعدة تغييرات فيها وظهرت فيها أسماء جديدة وأكسبت البدلاء ثقةً كبيرة وأظهرت عمق الفريق وتنوع الأسماء الموجودة.
بعد المغرب ستكون المواجهة مع الفائز من إنجلترا وفرنسا، وهي مواجهة قد تنهك الفائز منهما وتجعله لقمة سائغةً للبرتغال وفي نفس الوقت قد تكسب الفائز ثقةً كبيرةً وحماساً للوصول للنهائي على حسابهم.
طريق البرتغال محفوف بالمخاطر ولكنها تظل أحد أكبر المرشحين بسبب أدائها المباشر والسريع والأسماء الكبيرة في كل المراكز تقريباً والتقارب في المستويات بين البدلاء والأساسين، حتى إننا لو أزلنا رونالدو لن يكون تأثيره كبيراً بل سيصبح الأمر تحدياً ثرياً للاعبين الشباب، تحدياً يذكرنا بنهائي اليورو أمام فرنسا عندما غاب رونالدو فظهر ايدير.
الأرجنتين على أعناق ميسي كالعادة
حينما غاب رونالدو لم تتأثر البرتغال بل أحدث بغيابه تأثيراً إيجابياً، ولكن الأرجنتين هي ميسي وميسي فقط، وإذا أخرجت من التشكيل ميسي ثم انظر إلى مستوى الفريق وحينها لن يكون حتى مرشحاً للصعود من دور المجموعات.
رشح البعض الأرجنتين بناء على سلسلة اللاهزيمة التي قدموها مروراً بكوبا أمريكا التي أحرزوها بعد غياب لسنوات وعلى أراضي البرازيل وأمامها في النهائي، ولكن سرعان ما ظهرت الحقيقة بعد أول مباراة خسرتها الأرجنتين أمام السعودية، وبعد تلك الهزيمة تبعها فوز في ثلاث مباريات أمام المكسيك وبولندا وأستراليا، ورغم الفوز ظهر ظهوراً جلياً ضعف الأرجنتين في الجانب الهجومي وضعف الحلول الجماعية والاعتماد الكامل على الحلول الفردية المتمثلة في قدرات "ليو ميسي" أو قدرات بعض اللاعبين في لحظات إبداعهم.
لم تكن هنالك تحولات هجومية واضحة أو جمل تكتيكية أنتجت لنا أهدافاً، أو تحولٌ سريع من الدفاع للهجوم بشكلٍ تدرب اللاعبون عليه كما رأينا في البرتغال، وإنما كان الحل دائماً في كل الأهداف التي أحرزتها الأرجنتين هي حلولٌ فردية بحتة، مع الكثير والكثير من القرارات الفردية الخاطئة خصوصاً في الجانب الدفاعي الذي ظهر بشكلٍ مثير للقلق في جميع المباريات حتى أمام هجوم أستراليا المتواضع استقبل الفريق هدفاً وكاد أن يستقبل التعادل في الثواني الأخيرة لولا تواجد الحارس إيميليانو مارتينيز، فمن الواضح أن المدافعين ورغم وجود جانب الخبرة المتمثل في أوتاميندي، ما زال يفتقد الثقة التي قد تمكنه من التغلب على المنافسين المتوقعين مثل البرازيل في نصف النهائي أو حتى المرور من هولندا في ربع النهائي.
هولندا أبهرت الجميع بأدائها التصاعدي الذي بدأ بالفعل في آخر عشر دقائق من مباراة السنغال قبل أن يتطور الأمر أكثر فأكثر أمام الأكوادور وقطر وبعدها أمام المنتخب الأمريكي، ففان غال لديه أسلوب لعبٍ مختلف عن المعتاد للهولنديين والكرة الشاملة، فما يقدمه هو كرة قدم تليق بالإمكانيات المتوفرة معه وتوصله لأعلى مكانٍ ممكن، ولكي يكون منافساً صعباً على أي فريقٍ قوي بدفاعٍ صلبٍ وبأسماء قوية تجعل إحراز الأهداف هو طموحٌ صعب المنال.
فان غال وعداوته مع العديد من اللاعبين الأرجنتينيين أيضاً تجعل الأمر مليئاً بالمنافسة فخصومته مع ميسي منذ كأس العالم 2014 عندما اتهم الأرجنتين بالفوز بالحظ بعد تغلبهم بركلات الجزاء، وأنه استطاع إيقاف ميسي.
عاد في المؤتمر الصحفي قبل ساعات ليكرر توعده بأنه لديه طريقة إيقاف ميسي وأنه سيتمكن من تحجيمه وإقصاء الأرجنتين.
وهذا ما يعود بنا إلى البداية والحقيقة في أن الأرجنتين تتمثل حالياً وكالعادة في لاعبٍ واحد يعاني من جسدٍ لا يرحم إذا استطعت منعه من إيجاد الحلول فقد أصبت الأرجنتين بالشلل الكامل في الجانب الهجومي.
لكن سلاح الأرجنتين في القادم وأملها الوحيد هو أن الأدوار الإقصائية هي مباريات نهائية وكل مباراة لا تعتمد على الأخرى وإنما الفوز في مثل تلك البطولات يكون بالاستعداد لكل مباراةٍ على حدة، وليس شرطاً أن يفوز الأفضل دائماً بل وعلى العكس فإن مقولة "النهائيات تكسب ولا تلعب" هي أفضل ما يصف المراحل الحالية.
ولطالما حملتَ سلاحاً اسمه ليونيل ميسي لديه القدرة على نثر سحره فما زلتَ في المنافسة حتى لو واجهت دفاعاً كهولندا أو كتيبة نجوم كالبرازيل، ولطالما استحق ميسي الفوز فخذلته الكرة وخذلَه زملاؤه فلربما تنصفه في هذه المرة.
ولطالما افتقد الدعم الجماهيري والثقة من أبناء بلاده، فعوضوه بمشجعين ملأوا قطر يميناً ويساراً يغنون وهم يحملون الأمل ويملأون الملاعب كأن كأس العالم يقام في بيونيس آيريس وليس الدوحة ليظل الأمل موجوداً.
فإذا تحدثنا اً تظل البرتغال هي الأقرب في الوصول بعيداً في كأس العالم وصاحبة الفرص الأكبر بفريقٍ مليء بالشباب مدعوماً بالخبرة، خصوصاً إذا قارناه بالمنتخب الأرجنتيني الذي يؤمن بالسحر أكثر منطقية من إيمانه بالمنطق، وينتظر المعجزات من ساحر كرة القدم الأول.
فإذا كان سبب ترشيحنا فرنسا وإنجلترا والبرتغال والبرازيل لقوة أسمائهم وتماسك المنظومة وظهورها بشكلٍ قوي ومتماسك حتى الآن سيكون هذا السبب الأكبر لاستبعادنا الأرجنتين من الوصول للكأس الذهبية،
وإذا فضلنا الأرجنتين؛ لأن لديها ليونيل فهذا سيكون العامل الوحيد الذي سيرشحها دوناً عن أي منافسٍ آخر.
وإذا تعدت الأرجنتين هولندا فلن تكون منافساً في المتناول للبرازيل على الإطلاق ولربما تكون بداية الانفجار.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.