أخيراً، أدت الحركة السياسية المستمرة في السودان لعدة أشهر تحت رعاية دولية بين الأطراف السودانية إلى نتائجها، التي انتهت بتوقيع اتفاق تسوية سياسية شاملة، بين جنرالات الانقلاب والمدنيين قادة الأحزاب السياسية المعارضة ومؤيدي العملية الانتقالية. واختتمت الجهود بما أسموه الاتفاق "السياسي الإطاري"، وهو الطريق الممهّد لوثيقة ثانية ستوقع قريباً، حسب تصريحات المبعوث الأممي فولكر بيترس، الذي قال في تصريحات صحفية عقب مراسم التوقيع في القصر الجمهوري: "إن هذا الاتفاق جاء نتيجة لجهود الأطراف السودانية لإيجاد حل للأزمة، وأنه من المهم أن تبدأ المرحلة الثانية للعملية السياسية على الفور".
لتسليط الضوء بعجالة على ورقة الاتفاق، نجد أن هناك العديد من الفراغات والاستبيانات. التي قد تكون هي العقبة أو المصير الحتمي لما تم التوصل إليه وأنه لن يدوم طويلاً لحل الأزمة السياسية إن مر بهذا وقد يزيدها سوءاً. ولن يحقق إلا مزيداً من الدعم لانقلاب الخامس والعشرين، لو لم يُصحح وتُضمن فيه بقية المواثيق الثورية على الرغم من رهانات البعض عليه.
فعلى سبيل المثال، ورد في قسم قضايا الاتفاق النهائي، أن مسألة العدالة المتعلقة بالعدالة الاجتماعية التي تحتاج إلى مشاركة أصحاب المصلحة، أي أسر الشهداء والانتهاكات منذ عام 1989 ومحاسبة أولئك الذين تسببوا فيها، دون الإجابة على السؤال متى وكيف؟
ثم نص الاتفاق على أن اتفاق جوبا للسلام ظل مع مكاسبه وامتيازاته حتى رأينا بيانات وتصريحات لشركاء الاتفاق ترفض أي مساس به، سواء تم تعديله أو إلغاؤه.
بالإضافة إلى فقرة تفكيك نظام 30 يونيو. وبناء مؤسسات الدولة مع التركيز على الالتزام بسيادة القانون واحترام الحقوق الأساسية، في إشارة إلى الاختلاف في آلية التفكيك هذه المرة على عكس ما تم القيام به في عام 2019م.
وكذلك الالتزام بحل أزمة الشرق، والمشاركة في الحكم وتوزيع السلطة والثورة والتنمية ضمن الحقوق الدستورية لمواطني المنطقة.
على الرغم من كل هذه البنود، كانت فقرة القضايا الانتقالية غير مفصلة، خاصةً فيما يتعلق بمسألة جريمة فض الاعتصام أمام القيادة العامة، وقتل مئات المتظاهرين، وإخفاء المئات منهم واغتصاب الفتيات، هذه الجريمة البشعة والأخلاقية التي ارتكبت خلال شهر رمضان المبارك هي عار كبير لا يمكن السكوت عليه والقفز على قضيتها الحساسة التي لا تقبل المساومة، ولا أعتقد أن موقف لجان المقاومة وعائلات الضحايا سيتغير بالصمت على الإطلاق.
كذلك في الفصل الرابع من الاتفاق، ذكر أن القوات النظامية في جمهورية السودان هي:
- القوات المسلحة
- الدعم السريع
- الشرطة
- جهاز المخابرات العامة
الأمر الخطير والمثير للشفقة هو محاولة شرعنة ميليشيا الدعم السريع وتعريفها كقوات، وإنها تابعة للقوات المسلحة لكن سيتم دمجها في خطة إصلاح أمني وعسكري شاملة تقود لجيش وطني واحد، وفقاً للجداول الزمنية المتفق عليها. لكن دون تفاصيل لتلك الجداول المبهمة التي ربما تمر مرور الكرام في الورقة الاخيرة للاتفاق اللاحق.
أما بالنسبة لمنطق هذه الوثيقة، فقد تجاهل مواثيق لجان المقاومة وحتى تجنب ذكرها. وتلك رهانات لن تنجح في مواءمة أفكارها مع أفكار الشارع المتقد، طالما اللجان مبدئياً ترفض ولديها خطة واضحة للجميع، ما الذي حدث للمدنيين حتى يتم تجاوزها ويفتقد ممثلوها في الاتفاق إن كانوا معنيين بتطلعات الثورة ومطالب الشارع إن لم يكن خدعة جديدة، تضفى به للشرعية الانقلابية وركل ما تبقى من ثورة لا يزال الشباب يموت لأجل أهدافها.
على كلٍ، يجب على قادة هذا الاتفاق المخزي مراجعة مواقفهم نحو إصلاح شامل، وعدم تجاوز أصحاب الثورة والجلوس إليها قبل النهاية المفضية إلى طلاق محتمل.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.