تركنا اليوم الصحفي والإنسان الجميل محمد أبو الغيط، وحمّل قلوبنا بالأسى على فراقه، لكنه الآن -كما قال- في طريقه نحو الضوء.
خاض محمد أبو الغيط صراعاً ونضالاً في مواجهة مُعتدٍ آثم اقتحم جسده واستوطن به، وبدأ في التهام شبابه، حتى تمكَّن منه في نهاية الأمر، الآن يظن السرطان أنه انتصر، وقد يكون ذلك صحيحاً!
فالآن نبكي ونلجأ إلى السماء لفراقك، لقد تركتنا وكنت مُغرّبَاً في بلادٍ بعيدة عن وطنك، وتركتنا "غُرباء وبكينا
يومَ غنَّى الآخرون
ولجأنا إلى السّمـاء
يوم أزرَى
بالسّماءِ الآخرون
ولجأنا إلى السّمـاء
ولأنّا ضعفاء
ولأنّا غربـاء
نحن نبكي ونصلي
يومَ يلهو ويغنّي الآخرون"
– قصيدة غُرباء، لسميح قاسم
الآن رحل الصديق الطبيب والصحفي محمد أبو الغيط، ولكنه ترك لنا إرثاً عظيماً، وهو محبة الخلائق، والسيرة الإنسانية العطرة المُلهمة، والعمل الأكاديمي المُبدع، والكتابات والتحقيقات الاستقصائية الرصينة. قد يكون السرطان تمكَّن من جسده حتى فارقته روحه، ولكنه لم يتمكن من مشاعر الحُب التي بداخلنا تجاه أبو الغيط، وقد نُعزي أنفُسنا بأنه الآن انتهت آلامه ومُعاناته التي كان يُعبر عنها في رسائله إلينا، فهو الآن قادم إلى الضوء.
"اليوم بينما يُساورني الخوف من أن قصتنا تدنو من نهايتها، وأن الفراق الأبدي ينقضّ علينا، فإني أجدني أتشبث بذكريات البداية، وتأمل الرحلة، لعل فيها ما يُسرّي عني، ويُخفف قلقي على مُستقبل مَن قد أتركهم خلفي. لو كنت حقاً سأفارق يحيى فإن مما يعزيني أن يكون ميراثُه مني خير أهل وأجمل أصدقاء، وما تيسّر من طيب ذكريات، والأهم هو أجمل وأقوى أُم: إسراء"- جزء من رسائل محمد أبو الغيط إلينا وإلى ابنه وزوجته.
على فراش المُعاناة كان أبو الغيط قلقاً على مُستقبل أسرته وعائلته، ودعا لإطلاق سراح حماه د. السيد حسن شهاب، العميد السابق لكلية الهندسة بجامعة حلوان "أرجو ممن كان لي عنده لحظة ودّ أن يُساعدنا في ألّا تُفجع إسراء في زوجها ووالدها ووالدتها المتوفاة بالفعل قبل عامين بالسرطان".
لم يفُت أبو الغيط أن يودّعنا دون أن يترك لنا رسائل وكتاباً، ففي تدوينة سابقة، كتب أبو الغيط: "لو تحققت نجاتي بمعجزة ما فسأسعى نحو ذلك الضوء الذي زادت خبرتي به وتقديري له في أيام مرضي، وسأمنح ما أستطيع عرفاناً لكوني محظوظاً بزوجة مضيئة، وبأبٍ وأمٍ مضيئين، وبالكثير من الأصدقاء الذين يطمئنني نورهم لحقيقة الخير في الدنيا. ولو وافاني القدر بالوقت الذي قدّره الأطباء، أرجو أن يكون ما بعد نفقي نوراً وهدوءاً، وأن يمر عبر هذا الكتاب بعض الضوء إلى من يقرأ".
لقد فارقتنا، ولكن تركت لنا نورك؛ نور الأمل والحلم والمحبة.
وداعاً أبو الغيط
كانت إقامتك قصيرة، لكنها كانت رائعة
عسى أن تجد جنتك التي فتَّشت عنها كثيراً
وداعاً أبو الغيط حتى نتلاقى..
فسلام عليك يومَ ولدتَ، ويومَ فارقتنا، ويومَ نلتقي.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.