في أقوى مباريات الجولة الثالثة وأكثرها إثارة في مونديال قطر 2022، تمكن منتخب الساموراي الياباني من تحقيق ما يريده بالتأهل لمرحلة دور الـ16، متصدراً مجموعته بأقدام لاعبيه، بينما كان منتخب كوستاريكا قاب قوسين أو أدنى من تحقيق المفاجأة بالفوز على منتخب ألمانيا، ولكن توهان لاعبيه في الدقائق الأخيرة سمح لمنتخب المانشافت من تسجيل ثنائية لتفوز بمجموع أربعة أهداف مقابل هدفين، ولكن لم يشفع لها هذا الفوز بالتأهل ليغادر المنتخبان البطولة من مرحلة المجموعات، لتفقد البطولة أحد مرشحيها البارزين للقب ولكن دون أي تعاطف، خاصة من الجمهور العربي.
عندما تلعب من أجل أجندة خاصة هذا ما تحصل عليه
حتى قبل انطلاق البطولة بفترة ليست بالقليلة تزعمت الحكومة الألمانية، ممثلة في أبرز مسؤوليها وبعض من أشهر صحفها الرياضية والسياسية وإعلامها المرئي والمسموع، حملة الهجوم على البلد المضيف وقوانينها، لتمرير أجندتها المنافية للفطرة البشرية، والمحرمة في شريعتنا وديننا الإسلامي ومنطقتنا العربية، حيث كانت ألمانيا حكومة وشعباً مركزة بشدة على تمرير ما تريد، في أوضح مثال للغطرسة الأوروبية المتعالية على الآخرين.
ولكن نسيت الدولة الأوروبية أو تناست أن تقرأ المقولة الشهيرة: (من كان بيته من زجاج، فلا يرمِ الآخرين بالطوب)، وهو ما ينطبق تماماً على الدولة الألمانية التي هاجت وماجت لمجرد أن لاعباً مسلماً من أصول عربية عبّر عن رأيه ضد قضية إنسانية لا تشوبها شائبة، وعلى مسمع ومرأي الجميع الذين ظلوا ساكتين، غافلين تارة، ومتعمدين تارة أخرى، ولكن التاريخ لا ينسى، فها هي تريد لبس ثوب الفضيلة بالدعوة والمجاهرة بدعم قضية لا تمس الدولة المضيفة بشيء، وأبعد ما تكون عن الفطرة الإنسانية وضد الأخلاق تماماً ومنافية لجميع الأديان السماوية.
وهي لم تكتف بذلك فقط، بل حاولت أن تنقل ما تريد فرضه على الجميع عبر أكبر محفل كروي وأكبر بطولة رياضية في العالم، ولكن خاب ظنها بعد حالات الاستنكار التي وجدتها حركة تكميم الأفواه التي قام بها لاعبو المنتخب في الصورة الجماعية قبل مباراتها أمام منتخب اليابان في الجولة الأولى.
وهي حركة أُريد بها لفت الانتباه لما تريد تصديره للعالم أجمع بشكل عام وللعالم العربي الإسلامي بشكل خاص، ولكن خاب ظنها؛ حيث وجدت موجة استنكار عالمية وعربية واسعة، ومعها فقد المنتخب تعاطف ومساندة الشعوب العربية الإسلامية، وهي بكل تأكيد ستكون لها آثارها لما بعد مونديال قطر 2022، وستمتد لما هو أبعد من ذلك، حيث يمكن القول رسمياً إن المنتخب الألماني وحتى اللاعبين الألمان قد فقدوا دعم الجماهير العربية والإسلامية لهم، وقد ظهر هذا جلياً في حالة الفرح بمغادرتها المونديال من الباب الكبير.
كيف غادر المنتخب الألماني مونديال قطر من مرحلة المجموعات؟
على الورق كان معظم المتابعين والمحللين ينظرون إلى المجموعة الخامسة التي ضمت المنتخب الألماني رفقة المنتخب الإسباني والياباني والكوستاريكي كأقوى مجموعة في البطولة، وفي هذا كانوا محقين بالفعل، فالمجموعة تضم اثنين من أقوى منتخبات العالم، وبطلين سابقين لبطولة كأس العالم لديهما خمسة ألقاب كؤوس عالم بواقع أربعة بطولات للمنتخب الألماني وبطولة للمنتخب الإسباني، وقد رشح الجميع تقريباً أن يتأهل الاثنان للدور القادم بسهولة، وتبقى الإثارة فقط فيمن سيتمكن من تصدر المجموعة.
ولكن مع انطلاق البطولة اتضح أن الاسم وحده ليس كافياً، حيث وضح جلياً أن المنتخب الألماني كان يلعب باسمه أكثر من قدراته وجودة لاعبيه، وهذا ما ظهر في مباراته الأولى أمام المنتخب الياباني، حيث تساهل أو تعمد لاعبو المنتخب في حسم نتيجة المباراة منذ شوطها الأول من واقع فارق الجودة بين المنتخبين، ولم يكتف المنتخب الألماني بذلك فقط، بل ظهرت حالات من الاستهتار بالمنتخب الياباني كانت واضحة في حركة الركض الساخرة التي قام بها مدافع المنتخب الألماني (أنطونيو روديجر) أمام مهاجم المنتخب الياباني.
وقد امتدت حالة الاستهتار حتى للمدير الفني (هانز فليك) الذي سحب أفضل 3 لاعبين لديه (مولر وغوندغان وموسيالا) منذ وقت مبكر من المباراة عندما كانت النتيجة تشير إلى تقدم منتخبه بهدف مقابل لا شيء، في حركة تنبئ بأن المباراة أصبحت مضمونة بينما تبقى للمباراة أكثر من (20) دقيقة، وقد كانت هذه التبديلات بمثابة الضربة القاضية له، حيث تراجع أداء المنتخب سريعاً؛ ما مكن المنتخب الياباني من التعادل ثم إحراز هدف الفوز لاحقاً.
وعلى الرغم من أن حظوظ المنتخب الألماني كان لا يزال قائماً إلا أن التعادل أمام المنتخب الإسباني وفوز المنتخب الكوستاريكي على المنتخب الياباني جعل المعسكر الألماني ينتبه إلى أن هناك خطراً داهماً يلوح بالأفق ويهدد أمر تأهلها للدور القادم، وهو ما اتضح لاحقاً في الجولة الثالثة، حيث تمكن المنتخب الياباني من تحقيق ما اعتبره البعض بالمعجزة والفوز على المنتخب الإسباني، ليتأهلا معاً للدور القادم، ويتحقق ما كان يخشاه الألمان بالخروج من البطولة من دورها الأول غير مأسوف عليه، حيث جنى المنتخب الألماني ما زرعه بيديه بتركيزه على لعب أدوار أخرى لا تمت للملعب وحتى الرياضة بصلة.
الساموراي الياباني.. أن تفوز على حاملي اللقب ليس صدفة أبداً
فوز المنتخب الياباني على المنتخب الألماني بطل كأس العالم 2014 في الجولة الأولى كان بمثابة الصدمة للرياضة الألمانية، حيث لم يتوقع أكثر المتشائمين أن يخسر المنتخب الألماني المرصع بالنجوم والمرشح بقوة للوصول على الأقل للدور نصف النهائي أو حتى إحراز اللقب أمام منتخب يلعب معظم لاعبيه في الدوري الياباني، ولكن اتضح أن العزيمة والإصرار هي مفتاح كل نجاح.
حيث نجد أنه على الرغم من رهبة اللعب أمام بطل كأس العالم أربعة مرات، إلا أن اللاعبين اليابانيين آمنوا بحظوظهم وقدراتهم، والأهم حسن تخطيط مدربهم في حثهم وتنظيمهم للعب حتى آخر رمق من المباراة، وقد كان لهم ما أرادوا بتحقيق الفوز في الشوط الثاني من المباراة، وعلى الرغم من خسارتهم أمام المنتخب الكوستاريكي في الجولة الثانية، إلا أنهم مجدداً آمنوا بقدراتهم في الفوز على المنتخب الإسباني بطل العالم 2010.
وعلى الرغم من أن لعبة الحسابات والأرقام كانت ضدهم، ولكنهم لم ينظروا إليها أبداً، ليتمكنوا من قهر المستحيل بتحقيق تأهل تاريخي إلى دور الـ16 من مونديال قطر 2022 بانتزاع النقاط من بطلين لكأس العالم، متصدرين المجموعة الأقوى في البطولة، في إنجاز باهر للكرة اليابانية التي أعطت دروساً للمنتخبات الأخرى بأنه لا مستحيل في كرة القدم مادامت العزيمة والإصرار حاضرين.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.