"اسمي يُسرى. نعم، أنا الفتاة التي سبحت للنجاة بحياتها، ثم شاركت كسباحة في الأولمبياد. وأود الآن أن أروي لكم قصةً أخرى. إنها تدور حول اسمي الآخر وهويتي الأخرى. كما ترون، اسمي لاجئة، أو على الأقل هذا ما ينادونني به أنا و21 مليون شخص آخرين أُجبروا على الفرار من الاضطهاد والحرب والعنف".
السبّاحة السورية يسرى مارديني
حول قصة يسرى مارديني وأختها سارة تدور أحداث فيلم The Swimmers، الذي يوثق حكاية هروبهما من ويلات الحرب في سوريا إلى ألمانيا من أجل لم شمل العائلة وتحقيق حلم المشاركة في أولمبياد ريو دي جانيرو، التي أُقيمت خلال عام 2016، فهل نجحت الفتاتان في تحقيق هدفهما؟ وكيف كانت الرحلة؟
قصة الفيلم: البداية كانت من اندلاع الثورة السورية خلال عام 2011
تبدأ أحداث الفيلم خلال عام 2011 من مدينة دمشق السورية؛ في البداية نشاهد عيد ميلاد يسرى، تضحك الأسرة ونرى الفرحة والبلالين الملونة، والرقص والضحك.. تمر لحظات لينقطع المشهد، وتبدأ أحداث الثورة السورية، ومنذ هذه اللحظة وحتى تأتي لحظة السفر لن نرى الألوان المبهجة في سوريا مرة أخرى.
تمر السنوات وتتصاعد وتيرة العنف في سوريا، مشاهد القتل التي كانت الأسرة تشاهدها فقط على التلفاز والإنترنت، أضحت منتشرة في الشوارع، يسرى وسارة تتعرضان للتفتيش والتحرش من قبل الجنود في الشوارع، تُقتل صديقتهما المقربة، يحاولان المضي بحياتهما قدماً، متجاهلتين كل الخطر الذي يحدق بهما من كل جانب، تستمر يسرى في التدريب ولا تتوقف ولا تتراجع عن حلمها، حتى حين تخبر أختها سارة أنها يجب أن تستيقظ باكراً من أجل التمرين، تسألها أختها "لمن ستسبحين؟ لقد انتهت سوريا، تلاشت ولم يعد هناك وطن تسبحين باسمه".
رحلة القارب نحو أوروبا: مراكب الموت من أجل احتمالية الحصول على حياة جديدة
رغم كل الظروف الصعبة والقذائف التي كانت تحصد أرواح السوريين يومياً استمرت يسرى في التدريب، حتى وقعت قذيفة على المسبح حين كانت بداخله، استطاع والدها أن ينقذها في اللحظة الأخيرة، وهنا بدأت التساؤل عن جدوى الحياة في سوريا التي تحدق بها الأخطار من كل جانب، تقترح سارة على أختها، التي لم تبلغ الـ18 بعد أن تسافرا إلى ألمانيا، ومن هناك يمكن ليسرى، بسبب عدم بلوغها السن القانونية، أن ترسل لأسرتها طلب لم شمل العائلة، وبهذا يمكن لأسرة مارديني أن تبدأ حياة جديدة في ألمانيا، بعيداً عن القذف والحرب، ويمكن ليسرى وسارة أن تواصلا السباحة لتحقيق حلم المشاركة في الألعاب الأولمبية.
تتردد يسرى في البداية، ولكنها توافق بسبب ضغط أختها، يرفض الأب عزت مارديني بالطبع سفر بنتيه بمفردهما، ولكنه يوافق حين يقرر نزار، ابن العم، أن يسافر بصحبة الفتاتين ليبدأ هو أيضاً حياة جديدة في ألمانيا، يتحرك الثلاثة من سوريا إلى إسطنبول، ومن هناك يتفقان مع صاحب قارب على السفر حتى اليونان، يأخذ صاحب القارب من كل منهما 2000 دولار، وتبدأ الرحلة المرعبة.
طوال مدة الفيلم، وهي ساعتان وربع، شعرت بتوقف أنفاسي وكنت ألهث وأنا أتابع الأحداث؛ لأني خفت كثيراً على حياة يسرى وسارة؛ تمنيت من كل قلبي أن تصلا بسلام إلى ألمانيا، وأن تحققا حلمهما؛ لأنهما تستحقان ذلك، ولكن فور أن بدأت مشاهد المركب، تملكني نوع آخر من المشاعر؛ السخط والغضب والحزن لم تكن هناك يسرى وسارة فقط، لكن عدداً كبيراً من اللاجئين ينتظرون النجاة أو الموت، أيهما أقرب، يدفعون كل ما يملكون من أجل المجهول، في هذا الرحلة تماهت يسرى وسارة مع الآخرين؛ مع شادا المرأة الإريترية، التي هربت من عنف الزوج بصحبة ابنتها الرضيعة، مع الصوماليين والباكستانيين والشباب الهاربين من أفغانستان، مع كل الذين كان وطنهم جحيماً وسُلبوا الحرية والطمأنينة.
تبدأ الرحلة مع قارب مهترئ ومكتظ يحمل 20 لاجئاً مستميتين من أجل النجاة، ومثل كل القوارب التي حملت اللاجئين إلى الضفة الأخرى، أو إلى الموت، كان القارب يحمل عدداً من الأشخاص يفوق بـ3 أضعاف العدد الذي بمقدوره استيعابه، تحرك القارب، وبعد أقل من نصف ساعة تعطل المحرك، وامتلأ القارب بالماء، هنا كان لابد من تخفيف الحمولة حتى لا يغرق اللاجئون، تخلص الركاب من كل الحمولة الزائدة، وفي مشهد مبكٍ، وبعد أن تخلصت يسرى من كل ملابسها لم يتبقّ أمامها سوى الميداليات الذهبية التي حصلت عليها حين شاركت في البطولات المحلية، وحتى تنقذ القارب، ألقت يسرى بكل الميداليات في الماء.
استمر الخطر رغم كل ذلك، وهنا لم يكن أمام يسرى وأختها سوى القفز في الماء، ومحاولة إبقاء القارب عائماً، دفعت يسرى مع أختها بالقارب طوال أكثر من 3 ساعات ونصف، حتى وصلا إلى جزيرة ليسفوس اليونانية.
بعد الوصول إلى اليونان: استكمال الرحلة براً إلى ألمانيا
يحتوي فيلم السباحتان على الكثير من المشاهد المؤثرة؛ وربما تكمن روعته في تجسيده ببراعة الحد الفاصل بين الحياة والموت، طوال الفيلم تأسرنا المخرجة المصرية الإنجليزية سالي الحسيني بالكثير من التفاصيل الموجعة، ولكن من أكثر المشاهد التي هزتني كانت صورة جواكت النجاة التي ظهرت في المشهد بعد وصول اللاجئين إلى اليونان، التُقطت تلك اللقطة العظيمة من أعلى حتى تظهر الصورة كاملة، كان المشهد مرعباً؛ لأنه يخبرنا عن كمّ اللاجئين الذين خاضوا تلك الرحلة المريرة، رغم أنهم كانوا على علم بالمخاطر التي تنتظرهم؛ عن الشجاعة التي كانوا يملكونها أو اليأس الذي تمكن منهم ولم يعد أمامهم سوى البحر.
بعد الوصول إلى اليونان كان على يسرى وسارة وباقي اللاجئين أن يستكملوا رحلتهم براً، وذلك من خلال تتبع خط السكة الحديدة من محطة لأخرى عبر اليونان ومقدونيا وصربيا والمجر، النمسا ثم ألمانيا، وصل أغلب اللاجئين سالمين إلى المجر، استطاعت يسرى وسارة ومعهما نزار أن يستكملوا رحلتهم إلى ألمانيا، ولكن أغلب اللاجئين الآخرين، ومنهم شادا تم ترحيلهم إلى بلادهم.
في ألمانيا رفضت السلطات الحكومية طلب يسرى بلم شمل العائلة؛ لأنها وإن كانت لم تستكمل لـ18، إلا أنه وبسبب طول الإجراءات والطابور الطويل الذي ينتظرهم سوف تستكملهم خلال الانتظار، انهار الحلم الأول، ولم يكن أمام يسرى سوى التمسك بالحلم الثاني، وهو المشاركة في الألعاب الأولمبية.
المشاركة في الألعاب الأولمبية في البرازيل، ولكن باسم فريق اللاجئين
بعد أن تستقر يسرى وأختها سارة في إحدى مخيمات اللاجئين، تقرران البحث معاً عن نادٍ رياضي حتى تتدربان من أجل الاستعداد للمشاركة في الألعاب الأولمبية، في هذه المرحلة من الرحلة، وبعد الكثير من التدرّب تقرر سارة أنها لا تودّ المشاركة في الألعاب الأولمبية؛ لأنها وجدت لنفسها هدفاً آخر بعيداً عن حلم والدها، وهو إنقاذ اللاجئين من الغرق على الحدود اليونانية، في هذا الوقت تقرر يسرى أن تلعب باسم فريق اللاجئين رغم حلمها البعيد بأن تلعب باسم سوريا.
في البرازيل تسمع يسرى السباحات الأخريات وهن ينظرن لها بتعالي قائلين أنها لا تستحق أن تكون هنا فالألعاب الأولمبية ليست جمعية خيرية، تخبر يسرى أختها سارة بما سمعت لتخبرها أختها أنها لا تلعب هنا من أجلها فقط؛ ولكنها تلعب من أجل أبيها الذي كان سباحاً ماهراً، ولكنه اضطر أن يترك السباحة بسبب الخدمة العسكرية الإجبارية، عليها أن تسبح أيضاً من أجل أختها، ومن أجل شادا، ومن أجل كل اللاجئين الذين يحلمون بحياة جديدة بعيداً عن الصراعات والحروب والعنف والنزاعات.
فيلم السباحتان فيلم إنساني ملهم، يخبرنا بأن اللاجئين ليسوا مجرد أرقام، وأن هدفهم ليس مجرد النجاة وعبور البحر، ولكنهم يملكون أحلاماً أيضاً وطوال الفيلم يصارعون من أجلها ويتحملون كل الصعاب، باحثين عن فرصة جديدة تجمعهم بأحلامهم التي ضاعت منهم في الوطن، قام ببطولة الفيلم الأختان اللبنانيتان ناتالي ومنال عيسى والممثلة السورية كندة علوش والممثل المصري أحمد مالك والفلسطيني علي سليمان والألماني ماتياس شفيجوفر، وعلى عكس أغلب أفلام السيرة الذاتية، حيث يكون هناك فروق دوماً بين القصة الحقيقية والخيط الدرامي للفيلم، فإن المخرجة سالي الحسيني التزمت بأغلب تفاصيل القصة الحقيقية، حتى الأغاني التي تم تشغيلها كانت نفس الأغاني التي تحبها الفتاتان.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.