لا يعود التصريح السابق للنجم الفرنسي "كريم بنزيمة"، الحاصل منذ أيام قليلة على جائزة الكرة الذهبية "بالون دور" التي تمنحها مجلة "فرانس فوتبول" الفرنسية لأفضل لاعب في العالم، بل يعود لفرنسي آخر، وهو نجم نادي باريس سان جيرمان، كيليان مبابي.
لم يُصرح بنزيمة من الأساس بكونه أفضل لاعب في العالم، بل نعتقد أن أحد أهم لاعبي كرة القدم في تاريخها، وهو الأرجنتيني ليونيل ميسي، لم يُدلِ بتصريح مثل ذلك من قبل، لكن مبابي صاحب الـ23 عاماً، يمتلك من الثقة ما يمكنه من أن يخرج أمام وسائل الإعلام قبل أيام قليلة من بطولة كأس العالم، ويصرح بمثل ذلك التصريح.
منذ سطوع نجم مبابي، رفقة فريقه السابق، فريق موناكو الفرنسي، وهو يسعى إلى أن يكون الأفضل. شابٌ واعد، ذو قدرات تؤهله لأن يعتلي قمة هرم القدم في أقرب فرصة، واختيارات مثالية، كاختياره للعب لنادي باريس سان جيرمان عام 2017، والذي سيضمن له مشاركة أساسية، بدلاً من الجلوس على كرسي الاحتياط لنادي ريال مدريد، تدلل على أننا لسنا أمام شاب ذي قدرات فنية عاليه فقط، وإنما أمام لاعب متكامل سيكون الأفضل لا محالة.
في كأس العالم "روسيا 2018″، كان مبابي ضمن العناصر الرئيسية التي ساهمت في تتويج منتخب فرنسا باللقب الثاني لها في تاريخها، ومن حينها لم يعد مبابي يتعامل على أنه نجم واعد، بل أصبح يرى نفسه الأفضل.
في الصيف الماضي، وبينما انتظر الجميع أن يشد مبابي الرحال نحو ريال مدريد، النادي الذي سيسمح له بتحقيق مبتغاه؛ فوجئوا بتجديد مبابي عقده مع نادي باريس سان جيرمان، وما إن زالت ضجة الحديث عن الصفقة وقيمتها وراتب مبابي، لم يعد مبابي حديث الصحف، كما كان يتوقع، فهو يلعب في دوري لا يشاهده إلا قلة قليلة من الجماهير، ولا يحتوي على أي تنافسية تُذكر.
على الجانب الآخر، كان النجم النرويجي إيريج هالاند، وهو اللاعب الذي يبدو أنه سيكون طرف النزال الآخر أمام مبابي، يخطو خطى ثابتة رفقة فريقه الجديد، نادي مانشستر سيتي، فهالاند هو حديث العامة والخاصة كل أسبوع من أسابيع الدوري الإنجليزي، وحتى قبل انطلاق كأس العالم بأيام، والسبب لا يخفى على أحد، وهو أرقامه التي يحققها، فهو اللاعب الذي سجل 18 هدفاً، في 13 جولة فقط من الدوري الإنجليزي.
لكن ومع انطلاقة مونديال قطر 2022، بدا أن أمام مبابي فرصة مثالية، قد تختصر عليه جهد المعركة، فمن ناحية لا يلعب هالاند في كأس العالم، لعدم تأهل منتخب بلاده، النرويج، للمونديال. ومن ناحية أخرى، يلعب مبابي مع المرشح الأول للحصول على البطولة، منتخب فرنسا، وفيما يبدو أنه في جاهزية تامة لهذه المهمة، فقد سجل كيليان 3 أهداف في مبارتين، متصدراً قائمة هدافي البطولة حتى الآن، مناصفةً مع نجم منتخب الإكوادور، فالنسيا، وقد حقق المنتخب الفرنسي العلامة الكاملة بـ6 نقاط.
والسؤال الآن: هل حقاً ستساعد كأس العالم مبابي في الحصول على الكرة الذهبية؟
معايير محددة، ولكن!
تُعطى جائزة الكرة الذهبية وفقاً لضوابط محددة، وبتصويت يُنشر للعامة للاطلاع عليه، وتتكون لجنة التصويت من مدربي المنتخبات الوطنية، وبعض أعضاء الاتحادات الوطنية البالغ عددها 209 اتحادات، إضافة إلى الصحفيين المتخصصين، مع بعض الشروط، مثل:
– يحق لصحفي واحد فقط من كل دولةٍ التصويت. يُسمح لهم باختيار اللاعبين الذين يلعبون في بلدهم أو ينتمون إليه.
– قادة المنتخب الوطني لا يمكنهم التصويت لأنفسهم، لكن يمكنهم التصويت لزملائهم من البلد نفسه أو زملائهم في النادي.
– يجب على كل مصوِّتٍ اختيار ثلاثة لاعبين بترتيب الأفضلية. تُمنح بعد ذلك خمس نقاط لأفضل اختيار، وثلاث نقاط للثاني، ونقطة واحدة للثالث. ويفوز اللاعب الذي يحصل على أكبر عدد من النقاط.
وعلى الرغم من وضع هذه الضوابط، فإن هناك لغطاً دائماً، حول النظام الذي يتم ترشيح اللاعبين وفقه من الأساس، وهناك شكوك دائمة حول نزاهة التصويت، ومعايير الاختيار، ومن ضمن أكبرهذه الشكوك علاقة كأس العالم بالجائزة.
لأن المونديال أهم من أي شيء
بدأت الكرة الذهبية في عام 1956، عندما أنشأت مجلة فرانس فوتبول جائزة للاعبي كرة القدم الأوروبيين الذين يلعبون مع الأندية الأوروبية، وكان التصويت لها يتم من قِبل الصحفيين الأوروبيين. استمر ذلك حتى عام 1995، حين تم توسيع نطاق الاختيار ليشمل اللاعبين غير الأوروبيين الذين يلعبون في أوروبا، ثم مرة أخرى في عام 2007 ليشمل أي شخص يلعب في أي مكان.
لكأس العالم علاقة وثيقة بالجائزة منذ إنشائها، فمن بين 13 بطولة كأس العالم أقيمت بين عامي 1958 و2006- الأولى والأخيرة في عمر الكرة الذهبية القديمة قبل توسيع دائرة الاختيار- فازت الفرق الأوروبية بست منها. وذهبت خمس من جوائز الكرة الذهبية التي مُنحت في تلك السنوات، إلى أفضل لاعب من هذا الفريق، وهم: الإنجليزي بوبي تشارلتون عام 1966، والإيطالي باولو روسي عام 1982، والألماني لوثار ماتيوس عام 1990، والفرنسي زين الدين زيدان عام 1998، والإيطالي فابيو كانافارو عام 2006.
وبالنسبة للجائزة المتبقية، فبينما فازت ألمانيا بكأس العالم عام 1974، ذهبت الكرة الذهبية إلى يوهان كرويف؛ لمستواه الكبير مع منتخب هولندا في البطولة أيضاً، فهو على مستوى النادي لم يحقق أي بطولة حينها مع فريقه، برشلونة الإسباني، بينما جاء في المركز الثاني فرانز بيكنباور قائد المنتخب الألماني، الذي حصل رفقة ناديه على ثنائية الدوري الألماني وكأس أوروبا، في دلالة واضحة على أهمية كأس العالم بالنسبة للبطولة.
أقيمت نهائيات كأس العالم 2002 بعد أن تم تمديد المعايير لتشمل اللاعبين غير الأوروبيين، وفاز حينها البرازيلي رونالدو بالكرة الذهبية؛ لقيادته منتخب البرازيل لتحقيق اللقب.
ولكن ماذا عن نهائيات كأس العالم التي أقيمت وقت الكرة الذهبية القديمة، والتي فازت بها فرق غير أوروبية (ومن ثم كان نجومها غير مؤهلين للفوز بالجائزة)؟ لدينا ست بطولات: حيث حققت البرازيل البطولة في أعوام 1958 و1962 و1970 و1994. وحققت الأرجنتين البطولة في عامي 1978 و1986.
على الرغم من عدم وجود بطل أوروبي، في هذه البطولات الست، كانت اثنتان على الأقل من جوائز الكرة الذهبية قد تم منحهما بالكامل تقريباً على أساس الأداء في كأس العالم.
في عام 1962، حصل لاعب خط الوسط، التشيكوسلوفكي الأسطوري جوزيب ماسوبست، على الجائزة بعد أن قاد منتخب بلاده إلى المباراة النهائية التي خسرها أمام منتخب البرازيل.
عام 1958، كان العبقري الفرنسي ريموند كوبا هو الحائز للجاهزة، بعدما قدم موسماً مثالياً على مستوى الأندية، حيث فاز بثنائية الدوري وكأس أوروبا للمرة الثانية على التوالي مع ريال مدريد. لكن كان لديه أيضاً كأس عالم رائعة، حيث احتلت فرنسا المركز الثالث، لكنها تفوقت على بقية العالم، حيث سجلت 23 هدفاً في ست مباريات، كانت معظمها من صناعة كوبا.
مع هيمنة ميسي ورونالدو لما يزيد على عقدٍ من الزمان على الكرة وأرقامها، انصاعت لهما الجائزة، ضاربةً عرض الحائط بكأس العالم وأبطاله. في كأس العالم 2010، ومع تألق لاعبي إسبانيا التي أحرزت اللقب، وهولندا وصيف البطولة، توقع الجميع أن تذهب الجائزة إما إلى تشافي أو إنيستا لاعبي منتخب إسبانيا، أو إلى ويسلي شنايدر لاعب منتخب هولندا، لكن الجائزة ذهبت حينها، للنجم الأرجنتيني ليونيل ميسي، الذي قدم كأس عالم باهتة، مع منتخب الأرجنتين، لكنه قدم موسماً مميزاً مع فريقه حينها، برشلونة، حيث سجل 47 هدفاً، وصنع 12 آخرين.
وفي كاس العالم 2014، وحينما توقع الجميع أن يحصل عليها أحد أفراد المنتخب الألماني، ذهبت الجائزة للنجم البرتغالي كريستيانو رونالدو؛ لما قدمه مع فريقه حينها، ريال مدريد، حيث أحرز 61 هدفاً، منها 56 مع ريال مديد، محرزاً بطولة دوري أبطال أوروبا، وكأس العالم للأندية، وكأس السوبر الأوروبي وكأس الملك. إلى جانب ذلك، سجّل 17 هدفاً بدوري أبطال أووروبا.
لكن ومع تقدم ميسي ورونالدو في العمر، كانت الظروف مواتية في كأس العالم 2018، أن يعود تأثير كأس العالم على الجائزة، فذهبت للنجم الكرواتي لوكا مودريتش، الذي قاد منتخب بلاده إلى نهائي المونديال، في معجزة كروية، نادرة الحدوث، على الرغم من خسارة كرواتيا النهائي أمام فرنسا.
لكن يظل السؤال مطروحاً: هل يُهدي مونديال قطر الكرة الذهبية للفرنسي مبابي؟
سيدخل كأس العالم في قطر 2022، ضمن جائزة الكرة الذهبية 2023، التي أصبحت تُوزع على موسم رياضي، وليست على سنة تقويمية كما كان في السابق، ورغم أنه حينما يحين موعد الجائزة- سيكون قد مرَّ قرابة عام على كأس العالم- فإن مساهمة مبابي في إحراز فرنسا للبطولة ستوفر عليه جهد ملاحقة أرقام هالاند طيلة الموسم، فالفرنسي سيستطيع أن يسوق هذا الإنجاز، حتى ولو خرج خالي الوفاض مع فريقه رفقة باريس سا جيرمان.
ستحاول الـ"فرانس فوتبول" حينها، بكل ما أوتيت من قوة، أن تمنح ابن بلدها، وصاحب الإنجاز التاريخي- في حال فوز فرنسا بمونديال – بالفوز بلقبي كأس عالم متتاليتين، الجائزة أياً كانت أرقام هالاند وغيره، سيتدارك مبابي حينها خطأ عدم الذهاب لريال مدريد، ويصير حقاً الأفضل في العالم، كما يزعم.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.