تزخر حياتنا بتجارب كثيرة، بعضها سعيد ومشرق، وبعضها حزين ومظلم… التجارب الحزينة والمؤلمة صادمة، تشلّ التفكير، فنقف أمامها في حيرة، لكن في ثنايا كل تجربة حكمة ودرس يجب علينا تعلمه، فلا شيء يحدث عبثاً.
السؤال: كيف نصل إلى حكمة الأحداث؟ وكيف نقرأ ما بين سطور الأزمة؟ كيف نعي الدرس؟
عندما تجرف الأحداث قاربك وتعصف بحياتك عاصفة يتملّكك الخوف والرغبة في النجاة، وتتضاءل أهمية كل شيء، برغم أن النجاة تتطلب أن "تفهم" أولاً ماذا يحدث؟ ولماذا؟ قبل أن تشمّر عن ساعديك مستميتاً في إنقاذ ما يمكن إنقاذه.
عندما يمر أعزّ أصدقائك أو أقرب المقربين إليك بأزمة ماذا تفعل لتسانده؟ ألا تهرع إليه وتعطيه من ثمين وقتك واهتمامك وتستمع إلى ما يؤلمه، ألا تصغّر من أخطائه، وتستمع إليه برحمة وعطف وتهون عليه، ألا تبحث معه عن حلول، لماذا لا نهب أنفسنا أياً من ذلك، ونندمج نصارع الحياة بلا استراحة؟!
في الأوقات العصيبة مهما كان انشغالك أو اندماجك مع الأزمة تحتاج أن تجلس مع "نفسك" وتسمعها، أن ترتب الأحداث، وتنظم أفكارك، أن تكتب ما مر بك، وتقرأه على نفسك، وتستمع إليه؛ لترى الصورة كاملة واضحة.
قد يبدو ذلك أمراً مكرراً في عصرٍ أصبحنا نوثق فيه ما يمر علينا على شبكات التواصل، لكن الأمر مختلف تماماً، فما نكتبه على الفيسبوك أو التويتر أو غيرهما هو جزء من "صورة" نرسمها لأنفسنا لنصدّرها لمن حولنا.
الكتابة التي أقصدها هي تعبيرك عن ذاتك كاملة، من أعماق نفسك، تكتب لك وحدك، ما لن يراه أحد سواك، تفرغ فيها كل ما يعتمل في صدرك ويدور في عقلك.
لا أدّعي أن كتابة حكاياتك هي العصا السحرية التي ستقضي على مشاكلك، لكن كتابة مشكلتك "الكبرى" بوضوح كثيراً ما تلقي الضوء على الحلقة المفقودة فيها.
دكتور "جيمس بينباكر"، من أهم علماء النفس في العصر الحديث، وصاحب أبحاث ودراسات في العلاج بالكتابة، قد أجرى تجارب عديدة أثبتت أن الكتابة قادرة على أن تُخرجنا من المتاهة الشعورية التي نعلق بها في الأزمات، تساعدنا أن نسمي ما نشعر به باسمه الصحيح، تضعنا أمام سؤال لماذا تشعر بهذا الشعور؟ وتخلصنا من الأفكار السلبية عبر التنفيس عنها، كما تلقي الضوء على الأحداث الإيجابية فننتبه لها.
خلاصة أعوام طويلة من عمل دكتور "جيمس بينباكر" هي برنامج علاجي بإمكان أي شخص تنفيذه، يتلخص البرنامج العلاجي في الكتابة أربعة أيام متتالية لمدة 20 دقيقة يومياً عما يؤرق الإنسان ويقض مضجعه، فيكتب ماذا حدث بالتفصيل، وماذا كانت مشاعره وقتها؟ وكيف يشعر الآن؟
هذا البرنامج البسيط شفى فعلياً مئات ممن شاركوا في تلك التجارب فتعافوا وتخطوا أزمات عنيفة متباينة في نوعيتها وشدتها.
هذه النوعية من الكتابة هي استراحة مستحقة من قطار الحياة اليومي الذي لن يتوقف، ويمنحك استراحة إلا إذا قررت ذلك. دقائق قليلة نقتطعها في بداية اليوم أو نهايته، في محاولة حثيثة لفهم أنفسنا: ماذا يسعدنا، ماذا يخيفنا، ماذا يلهمنا، ماذا يؤلمنا، ولماذا؟!
الآلام والمشكلات والأسرار التي تبقى حبيسة صدورنا أو رؤوسنا نعيد تدويرها في أذهاننا مرات ومرات لنكتوي ونتألم بها! هناك تحرر ملموس بإخراجها على الأوراق، حتى وإن لم نجد حلولاً، فالتخلص منها على الورق يترك لك مساحة ذهنية للتفكير في حل.
يقول ويليام جيمس، الفيلسوف وعالم النفس الشهير: "إذا غيرت تفكيرك بإمكانك أن تغير حياتك"، هذا النوع من الكتابة يغير فعلاً طريقة تفكيرك، يجعلك تفكر في أحداث حياتك من موقع الراوي، يضع زمام حياتك بين يديك من جديد، ويذكرك أنك "قادر"، وأن كل مُرٍّ يَمُر.
هناك إلهام ذاتي كبير في أن تسترجع مواقف صعبة مرت بك وتغلبت عليها، أن ترى مسار حياتك وما أنجزته والصعاب التي انتصرت عليها، رغم أنك في حينها ربما كنت يائساً ولا تظن أنك ستتخطاها.
صادِق نفسَك، وثِق أن بإمكانك أن تكتب لها طريق الخروج من المتاهة، في يدك أن تستعيد زمام أمرك، أن تنتصر على ألمك، كل صباحٍ جديد فرصة جديدة لأن تكتب نسخة أفضل "منك"، بمراجعة نسخة الأمس وتنقيحها، في قلمك ما يداوي ألمك، قلمك طوق نجاة.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.