“مصافحة المونديال” بين السيسي وأردوغان.. هل ستكون صافرة البدء لعودة العلاقات المصرية التركية؟

عربي بوست
تم النشر: 2022/11/23 الساعة 11:59 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/11/23 الساعة 11:59 بتوقيت غرينتش
الرئيسان أردوغان والسيسي يتصافحان في حفل افتتاح مونديال قطر / وكالة الأناضول

إن كرة القدم ليست مجرد لعبة، لكنها من الفواعل الرئيسية الحاسمة دائماً على الصعيدين السياسي والاقتصادي، فمنذ إعلان الفيفا عام 2010 منح قطر حق استضافة كأس العالم، سعى الكثيرون لتفسير وتقييم تداعيات هذا القرار بجعل دولة عربية صغيرة تحتضن هذا الحدث الرياضي الأكثر شعبية في المعمورة، لكنه برز سياق مهم وهو ما الذي ستمنحه كرة القدم للمنطقة العربية.

أصبح كأس العالم 2022 يرمز إلى الدور الذي تلعبه قطر لإحداث تغيير في مركز الثقل في كرة القدم العالمية، وقد شهد العقدان الماضيان تحولات مهمة في الرياضة مع زيادة عولمة اللعبة وتطويرها، ثم استحواذ صندوق قطر للاستثمار على نادي باريس سان جيرمان إلى بداية حقبة جديدة لدول الخليج، التي أصبحت لاعباً رئيسياً في البطولات الأوروبية الكبرى، وإلى جانب النتائج الميدانية استفادت قطر من قدرتها في السعي وراء دبلوماسية القوة الناعمة "الدبلوماسية الرياضية" والمصالح الجيوسياسية لتتربع على الفاعلين في الساحة الرياضية في المنطقة باستضافة كأس العالم، والذي يقام لأول مرة على أرض عربية، لكن الخلفيات السياسية لمونديال قطر ستصبح الركيزة الرئيسية التي ستشغل الرأي العام العربي والشرق أوسطي، والذي سيستمر صداه لسنوات قادمة، وكان على رأس هذه المشاهد أن قطر استطاعت جميع قادة الدول العربية في مشهد حصري لم يحدث منذ سنوات، بالإضافة أن مونديال قطر كان واجهة رئيسية لعودة العلاقات التركية – المصرية بعد 9 سنوات من القطيعة.

جمع المونديال قادة الدول العربية في مشهد لم يُرَ منذ سنوات بالقمة العربية

لقد أثار مشهد الحفل الافتتاحي لمونديال قطر حالة جديدة في المشهد السياسي العربي؛ حيث استطاعت قطر بمونديال 2022 أن تجمع قادة معظم الدول العربية في مشهد لم يُر منذ سنوات حتى في القمم العربية في السنوات العشر الماضية، وفي ظل أحداث مهمة مرت على المنطقة العربية، وهو إن دل  على شيء، فإنه يدل على قدرة قطر على إيجاد سيناريوهات جديدة حول ما تمر به المنطقة من أزمات سياسية معقدة، قد يرى البعض أن هذه الصورة مجرد حالة من الحالات النمطية التي تحدث في الاحتفالات والمناسبات المختلفة في الوطن العربي، لكن هذا التصور يمكن أن يكون صحيحاً في الأوضاع الطبيعية قبل ثورات الربيع العربي، ولكن وجوده بهذه الصورة بعد العديد من الأزمات التي مرت بها المنطقة خلال السنوات الماضية ينبئ بأن المنطقة ستكون على مشارف تغيرات جذرية من حيث العلاقات الدولية بين دول المنطقة.

السيسي وأردوغان
افتتاح مونديال قطر

حيث بدأت قطر بترسيخ رؤية جديدة في علاقاته مع أشقائها العرب، ويمكننا القول إن مصطلح "صفر خلافات" بدأ مع انطلاق صافرة مراسم مونديال قطر 2022، فمشاركة قادة الخليج على الأراضي القطرية بالاحتفال بأول مونديال كروي يقام على أرض عربية مؤشر واضح على أن قطر استطاعت أن تزيل الفجوة بينها وبين بعض دول الخليج بعد سنوات من الحصار الخليج المصري لقطر، حيث استطاعت القيادة القطرية أن تستثمر المونديال بالإعلان عن إذابة الجليد بين الأشقاء العرب، ومن المنتظر أن تكون معظم الخلافات من الماضي، وهنا نقول إن رؤية قطر المستقبلية إيجاد حالة حقيقية من التعاون الحقيقي بين دول العربية، وخصوصاً دول الخليج.

"لا خلاف أبدياً في السياسة".. أردوغان يصافح السيسي

في مشهد لم يُرَ منذ عام 2013 صافح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان نظيره المصري عبد الفتاح السيسي على هامش افتتاح نهائيات كأس العالم لكرة القدم في قطر، وأظهرت الصورة التي نُشرت على الموقع الرسمي للرئاسة التركية الرئيسين اللذين ساد الفتور علاقتهما منذ تولي السيسي الرئاسة في مصر عام 2014 يتصافحان وهما مبتسمان، وفي اليوم التالي لهذا المشهد توالت التصريحات الإيجابية حول عودة العلاقات المصرية التركية؛ حيث صرح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عن مقابلته مع السيسي: "الشعب التركي له تاريخ مع الشعب المصري، فلماذا لا نبدأ مرة أخرى؟".

كل ما أتمناه أن نبدأ مرحلة جديدة على مستوى الوزراء ثم ننقل المباحثات لمستوى أعلى بمشيئة الله، كما أعلنت الرئاسة المصرية بان السيسي "تصافح مع الرئيس التركي في الدوحة"؛ حيث "تم التأكيد المتبادل على عمق الروابط التاريخية التي تربط البلدين والشعبين المصري والتركي، كما تم التوافق على أن تكون تلك بداية لتطوير العلاقات الثنائية بين الجانبين".

بهذه التصريحات المتبادلة حول تحسن العلاقات بين تركيا ومصر، لا يمكن القول إن المصافحة كانت مصادفة، لكن قطر سعت خلال الآونة الأخيرة إلى ترطيب العلاقات بين القاهرة وأنقرة، لا سيما بعد تحسن العلاقات المصرية – القطرية عقب المصالحة الخليجية والعربية مع الدوحة خلال "قمة العلا"، التي استضافتها السعودية، سيعقب هذه التصريحات خطوات دبلوماسية وسياسية على مستوى كبار المسؤولين للتباحث بشكل أكثر عمقاً حول ملفات عالقة في العلاقات بين البلدين، وما يؤكد ذلك إعلان الرئيس التركي أردوغان قبل أيام أن "تركيا مستعدة لمراجعة علاقاتها مع مصر وسوريا، ولكن بعد انتخابات يونيو/حزيران المقبل، وهذه هي المرة الأولى التي يتصافح فيها الرئيسان التركي والمصري رغم مشاركاتهما في مناسبات عدة إقليمية ودولية، إلا أنهما تجنبا الالتقاء مباشرة أو المصافحة.

مستقبل العلاقات المصرية – التركية في ضوء مصافحة المونديال

المصافحة بين الرئيسين التركي والمصري ذات دلالة دبلوماسية، حيث إن تركيا تدرك أن مفتاح الدخول في المنطقة هو مصر، ومصر لا تمانع أيضاً في تقبل ما قد يطرح من جانب تركيا، فمنذ مطلع العام الماضي تتجه دول الإقليم إلى تخفيف التوترات، وعلى رأسها تركيا، وقد أقدمت تركيا على سلسلة من الخطوات للتقارب مع مصر، من بينها زيادة قيمة الصادرات، لتبلغ عام 2021 نحو 4.5 مليار دولار، بزيادة 44.2%، مقارنةً بـ2020، في حين بلغت قيمة وارداتها من مصر 2.2 مليار دولار بزيادة 28.4%، لكن تلك المؤشرات الإيجابية لا تنفي وجود قضايا شائكة في العلاقة بين البلدين يحتاج حسمها إلى مشاورات معمقة وصريحة ووفق التزامات محددة، لذلك فإن الطريق لا يزال طويلاً للحديث عن استعادة العلاقات المصرية – التركية لكامل طبيعتها، فالأمر يمكن أن يعتبر خطوة إيجابية لاستعادة الحوار؛ لأن هناك خلافات كثيرة وعميقة في رؤية البلدين لقضايا بالغة الأهمية، منها الوضع في ليبيا وأمن  ثروات المتوسط، بالإضافة إلي العلاقات المصرية مع نظام بشار الأسد في سوريا.

وتكمن أهمية اللقاء في أنه يأتي عقب أسابيع قليلة من إعلان القاهرة تعثر المباحثات مع أنقرة حول إعادة تطبيع العلاقات بسبب تجدد الخلافات بين البلدين حول الملف الليبي وشرق المتوسط، وبالتالي إمكانية عودة قريبة للمحادثات الاستكشافية التي توقفت والتي كان يتوقع أن تتطور لمباحثات دبلوماسية رفيعة ولقاء على مستوى وزراء الخارجية يمهد لعقد لقاء بين أردوغان والسيسي في القريب سواء على الأراضي التركية أو المصرية.

لكن التوتر عاد مجدداً بين البلدين مع توقيع أنقرة وطرابلس على اتفاق للتعاون في التنقيب عن الغاز والنفط في حدود مناطق اتفاق ترسيم الحدود البحرية الموقع بين البلدين، والذي يتعارض ويتداخل مع مناطق اتفاق ترسيم الحدود البحرية بين مصر واليونان، وهو ما دفع البلدين لإعلان رفض الاتفاق والتلويح بإجراءات لمنع أي تحركات تركية في المناطق المتنازع عليها، وإلى جانب معيقات مختلفة تتعلق بالتنافس الإقليمي والخلاف الجوهري المتعلق بجماعة الإخوان المسلمين ودعم المعارضة المصرية وقنوات المعارضة في تركيا وغيرها، كان ملف ليبيا وشرق المتوسط أحد أبرز الملفات الخلافية بين البلدين، إذ تدعم تركيا حكومة عبد الحميد الدبيبة في طرابلس، بينما لا تزال القاهرة تدعم برلمان طبرق والحكومات المنبثقة عنه، علاوة على اصطفاف القاهرة إلى جانب اليونان في حسابات شرق المتوسط التي تعتبر حالياً بمثابة القضية الاستراتيجية الأولى لتركيا.

وجاء تصريح وزير الخارجية المصري سامح شكري الشهر الماضي بأنه "لن يتم استئناف مسار المباحثات مع تركيا؛ لأنه لم تطرأ تغيرات"، لتثير العديد من التساؤلات حول مستقبل تلك العلاقات، لكن من الواضح أن الإرادة السياسية بها حالة من عدم اليقين عن مستقبل تلك العلاقات.

الرعاية القطرية للعلاقات التركية- المصرية

تلعب الدوحة دور الوسيط لإعادة تطبيع العلاقات بين القاهرة وأنقرة، ولا تخفي رغبتها الواضحة في تحسين العلاقات مع مصر في سياق مسار دبلوماسي أوسع يهدف إلى العودة لسياسة "صفر مشاكل"، التي نجحت من خلالها في إنهاء الخلافات مع السعودية والإمارات ودول أخرى تُعتبر حليفة للقاهرة، وعقب قرابة العامين من تراجع التصعيد في الملف الليبي وتراجع الخلافات الإقليمية وخاصة بين مصر وتركيا، ومنذ أكثر من عام بدأت تركيا بالتوازي مع قطر مساراً لإعادة تطبيع العلاقات مع دول المنطقة، ونجحت تدريجياً في إعادة تطبيع العلاقات مع الإمارات والسعودية وإسرائيل ودول أخرى حول العالم، إلا أن المسار المتواصل مع مصر واجه صعوبات ولم يجرِ حتى اليوم تحقيق اختراق حقيقي يتمثل في إعادة تبادل السفراء أو عقد لقاءات سياسية على مستوى متقدم، حيث بقيت الاتصالات على مستوى الاستخبارات والدبلوماسية المنخفضة، قبل أن تعلن القاهرة عن تعثر هذا المسار بسبب تصاعد الخلافات حول ليبيا.

الخاتمة

من الخطأ توقع أن المصافحة التاريخية التي تمت بين أردوغان والسيسي بعد تسع سنوات من المقاطعة الدبلوماسية هي أمر وليد الصدفة؛ حيث بات من المؤكد للطرفين أن طيّ صفحة الماضي أصبح أمراً ضرورياً من أجل ضمان مستقبل أفضل لشعبيهما في المرحلة الصعبة التي يمر بها العالم الآن في ظل سلسلة من الأزمات السياسية والاقتصادية من الصعب توقع أنها قد تنتهي في أي وقت قريب.

هذا اللقاء يعتبر بمثابة كسر الجليد بين مصر وتركيا، وسيتبعه عدد من اللقاءات الرئاسية والدبلوماسية والعسكرية أيضاً بين البلدين تستهدف تسوية مواقفهما بشأن القضايا الإقليمية، فبخصوص الملف الليبي، مصر ما زال لديها قلق من استمرار تواجد القوات التركية في طرابلس، بينما تركيا تعتبر أن هذا أمر طبيعي نظراً للاتفاقية التي سبق أن أبرمتها مع الحكومة بشأن الدعم العسكري، ومصر ما زالت تدعم معسكر الشرق الليبي ضد رغبة تركيا، موارد الغاز الطبيعي في البحر المتوسط، فمصر لن تستطيع التراجع عن اتفاقيتها مع اليونان، لكن هذا لن يمنعها من عمل اتفاقيات مشابهة مع تركيا، أما بخصوص الإخوان المسلمين فلم يعد بالأمر الذي من الممكن أن يكون سبباً في قطع العلاقات لا بالنسبة لمصر ولا بالنسبة لتركيا.

تتمتع تركيا ومصر بموقع استراتيجي مميز يطلّ على نوافذ مائية وبرية مهمة، فبينما تربط تركيا آسيا بأوروبا وتتحكم بمضيق إسطنبول الذي يربط البحرين الأسود والأبيض، تربط مصر إفريقيا بآسيا وتسيطر على قناة السويس التي تربط البحرين الأبيض والأحمر، مما يعني أن البلدين يسيطران على خطوط التجارة الدولية بشكل أو بآخر، بما يجعل منهما لاعبين مهيمنين على ساحة التجارة الدولية.

إن توقيع اتفاق لترسيم الحدود البحرية بين تركيا ومصر من شأنه أن يصب في مصلحة البلدين، ويساهم في الحفاظ على ثروات منطقة شرق المتوسط التي يتشاركانها؛ حيث تمتلك احتياطيات هيدروكربونية غنية جداً يجب استخراجها والاستفادة منها اقتصادياً لكلا البلدين.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:opinions@arabicpost.net

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

إسلام زعبل
صحفي وباحث سياسي مصري
صحفي وباحث سياسي مصري، تهتم أعمالي البحثية بمجال الجيوبوليتيك، والدراسات الأمنية، ونظريات العلاقات الدولية، وسياسات القوي الكبرى والإقليمية وبالأخص قضايا الشرق الأوسط
تحميل المزيد