على الرغم من انشغالها في انطلاقة كأس العالم والرد على حملات الهجوم المستمر وغير المفاجئ من قبل دول أوروبية وعربية حيال استطاعتها تنظيم كأس العالم "بصفر أخطاء" والتفاف إقليمي واسع قل نظيره، لم تتوقف مشغلات الوساطة القطرية في كل الاتجاهات السياسية والاستثمارية الواسعة، وعليه فإنه وقبيل انطلاق صافرة كأس العالم والتي سيحضرها قادة عرب وإقليميون وشخصيات عالمية، فإن الدوحة أغلقت الباب لمدة شهر ونصف من الزمان على أي تفجير إقليمي محتمل.
نجاح قطر في تمديد الهدنة قبيل كأس العالم
تشير المعطيات الواردة من كل الاتجاهات إلى أن مسؤولين دبلوماسيين وأمنيين قطريين نجحوا بالعبور نحو تمديد هدنة اليمن عبر مساعٍ كبرى بذلت أولاً مع الإيرانيين والحوثيين وحزب الله من جهة، ومن جهة أخرى مع السعودية والتي كادت للحظات تستعد لإعادة استهداف منشآتها الحيوية، وهذا الاندفاع القطري مرده أمران رئيسيان، الأول الاستفادة من لحظة انتهاء الانتخابات الأمريكية وما تمخض عنها أمريكياً وإقليمياً من نتائج تعزز الحزب الديمقراطي وأجندته المتقاربة مع قطر، بعد أن أصيب الجمهوريون بخسارة في انتخابات مجلس الشيوخ.
وبالتالي فإن الإدارة الحالية ستستكمل نشاطها في منطقة الشرق الأوسط، بنفس الطريقة وكأنها أخذت نفساً جديداً، ولا بد لذلك أن يكون عاملاً مؤثراً على المنطقة، فيما يبقى السؤال الأساسي حول كيفية التعاطي من قبلها مع السعودية من جهة، ومع "بنيامين نتنياهو" في إسرائيل ومع الملف الإيراني من جهة أخرى.
فيما السبب الرئيسي دفع القطريين للذهاب نحو تمديد الهدنة، فهو تأثير أي انفجار إقليمي وتحديداً في جغرافيا النزاع السعودي-الإيراني في اليمن على كأس العالم والإقبال العالمي عليه، وخاصة أن دول الخليج وعلى رأسها السعودية مستفيدة من كأس العالم، من خلال استخدام المطارات والمواصلات والشركات السعودية الحاضرة بقوة في المونديال القطري.
ما سيؤثر على المطارات وشركات الطيران هزة أمنية قد تنفجر خلال تلك المرحلة، وهذا الواقع يحتم على الدوحة استخدام كل قدراتها الدبلوماسية مع إيران والحوثي لتثبيت الاستقرار اليمني ولو حتى نهاية العام، ريثما تتضح الصورة الإقليمية والنقاشات المنتظرة بين الدول الكبرى وإيران.
بالتوازي مع الجانب الإيراني واستتباعاً لنكسته في نتائج الانتخابات النصفية الأمريكية، فإن طهران لم تكن مسرورة بالنتائج التي أفضت إليها الانتخابات النصفية، وهي وفقاً لسياسة الاستفادة من ثغرات الأزمات الداخلية للدول فالوضع الأفضل لديها كان بتصاعد الفوضى السياسية داخل الولايات المتحدة الأمريكية، وهو ما كان قابلاً للحصول لو حقق ترامب نقاطاً لصالحه.
وأي فوضى أمريكية داخلية ولو لوقت مرحلي كانت ستجعل الإدارة الأمريكية الديمقراطية مع "جو بايدن" في موقع ضعيف، ما يسمح بتخفيف الضغط عن طهران وحلفائها وانتزاع مكاسب أكبر، لذا وجدت إيران نفسها أمام القبول بالسيناريو المتوقع، لذا فهي تتجه للقبول بصيغ الحوار مع الدول الكبرى، لأنها باتت أكثر ميولاً لفك حبل الحصار الاقتصادي عنها، ورفع العقوبات، بعدما ظهر بوضوح أن الشارع الإيراني تعب نتيجة الحراك الشعبي القائم.
وعليه وبحسب ما بات يعرف في الأوساط الدبلوماسية، فإن الجانب الإيراني أرسل للجانب الأمريكي رسائل واضحة تشير إلى جهوزيته لعقد اجتماعات استكمال للمفاوضات النووية، وجرى إبلاغ هذه الرسالة للجانب القطري والذي سارع لنقلها لوكالة الأمن القومي الأمريكي، وعليه فإن الظروف باتت جاهزة لعقد المحادثات في الدوحة منتصف الشهر المقبل.
في ظل الاتهام الإيراني الواضح للجانب الأمريكي واستخباراته بدعم الاحتجاجات والتظاهرات القائمة في مختلف المناطق الإيرانية، وهذا الأمر تقرؤه إيران أنه مسعى غربي وأمريكي واضح لفرض عودتها إلى الاتفاق النّوويّ بلا شروطٍ مُسبقة.
وهذا الشعور الدائم بالاستهداف اتجه بإيران لقصف مواقع في محافظة أربيل الكردية بشكل متكرر، وخاصة أن الإدارة الجديدة العراقية التي فرضتها التسوية الأمريكية-الإيرانية برعاية قطرية ودعم تركي، لن تكون قادرة على صد أي اختراق إيراني للعراق، كما كان الحال في عهد مصطفى الكاظمي، وهي باتت شريكة في عهد حليفها محمد شياع السوداني، والذي اكتفى باعتراضٍ شكليّ على القصف الإيراني المُتكرّر لأراضي إقليم كردستان العراق، ومن هذا المنطلق سارعت قطر لتضييق كل منافذ الانفجار العراقي والذي قد يطال بشظاياه كل الجغرافيا الشرق أوسطية.
وإذا ما نجحت الدوحة باستمرار تبريد الأزمة السعودية-الأمريكية والتي كان آخرها الموقف الأمريكي من قضية خاشقجي والحديث عن حصانة "ولي العهد" في هذه القضية، فهذا يعكس هناك فرصة جدية للوصول إلى بعض التفاهمات التي يمكنها أن تنسحب على ساحات مختلفة ومن بينها لبنان.
لذلك تقول كل الصالونات السياسية اللبنانية إننا أمام فرصة لا تتكرر للوصول لتسوية رئاسية وحكومية من هنا وحتى الأشهر الأولى للسنة المقبلة يكون حدها الأقصى الزمني هو شهر مارس/آذار المقبل.
ومن هذا الباب فقط يمكن تفهم مناورة حزب الله الرئاسية والتي تفتح الباب أمام تسوية رئاسية قد تفضي لانتخاب قائد الجيش جوزيف عون لرئاسة الجمهورية، انطلاقاً من صعوبة وصول حليفه سليمان فرنجية لكرسي بعبدا، في ظل رفض مسيحي وتردد سني وعدم موافقة عربية وتحديداً للثلاثي العربي السعودية ومصر وقطر لهذا الخيار.
وتفضيلهم قائد الجيش كمرشح تسوية يضمن الاستقرار، ومخطئ من يعتقد أن أي حضور قطري في لبنان سيكون منفصلاً عن تنسيق قطري-سعودي في ظل الحملات التي يشنها بعض المقربين من السفارة السعودية باتجاه قطر وجرى دحضها بمواقف قطرية-سعودية مشتركة وتفعيل أكبر لقنوات التنسيق والعمل المشترك بين الجانبين.
وعليه يمكن قراءة مواقف رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل من هذا الباب عبر تسريب المقطع الصوتي المستفز لبري وفرنجية، وانطلاقاً من هذا الموقف ينسق باسيل مع القطريين هذا المسار بعد تيقنه بصعوبة أن تتبناه أي قوة محلية أو إقليمية للترشح الرئاسي وفي ظل ما سمعه من حزب الله عن عدم الذهاب لدعمه رئاسياً.
في المقابل، هناك تخوف مستمر من أي لحظة انفجار داخلي وتحديداً في الساحة المسيحية والتي يعود فيها خطاب الأمن الذاتي، وهذا الأمر معطوف مع فراغ مقبل في مواقع مسيحية في وظائف الدرجة الأولى، ما يعني أن هذا الأداء قد يمهد لأزمات اجتماعية وأمنية شبيهة بالطيونة وغيرها، وقد تستثمر بها دول رئيسية حريصة على استخدام لبنان للمناورة لتحصيل مكاسب في مساحات أخرى هي مأزومة فيها.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.