دأبت دولة قطر خلال العقدين الأخيرين على تحسين وجودها، وبلوغ مستوى عالٍ ومرموق في الجوانب التنظيمية والإدارية خلال احتضانها لمختلف الفعاليات والأنشطة الرياضية على الصعيدين الإقليمي والدولي، حيث عرفت مختلف أقاليمها الجغرافية قيام مئات المنافسات والفعاليات الرياضة المتنوعة، وقد سعت قطر في كل مرة لإعطاء نظرة إيجابية والعمل بشكل دؤوب لتحقيقها طموحات وتطلعات كل الأطراف، سواء أكانوا رياضيين مشاركين أم جماهير حاضرين، وحتى المتابعين لمجريات المنافسات خلف الشاشات.
البطولات والمحافل الرياضية في قطر لا تكاد تنتهي؛ حيث أصبحت الدّوحة والمدن المجاورة لها الوجهة المفضّلة لمختلف الاتّحادات الدولية والوطنية لخوض غمار المنافسات وإجراء المعسكرات التحضيرية والتدريبية، حيث عرفت المراكز والمنشآت الرياضية القطرية خلال السنوات الأخيرة زخماً كبيراً وإقبالاً متزايداً، وسط إشادة الجميع بالوجود الجيّد والحضور القوي الذي تسجّله الأطقُم القطرية والمرافق المتاحة.
ولعلّ أبرز حدث رياضي عالمي أتمّت قطر استعدادها لاحتضانه على أراضيها منذ شهور عديدة هو إقامة بطولة كأس العالم 2022 لكرة القدم، الذي تجسّد على أرض الواقع، لتكون الدولة الوحيدة بين العرب التي تحظى بشرف تنظيم هذه البطولة، وللمرة الثانية في قارة آسيا بعد مونديال 2002 الذي تشاركت في تنظيمه كل من اليابان وكوريا الجنوبية، حيث أبدت الدّوحة استعدادها الكامل لإقامة أكبر تظاهرة رياضية في المعمورة، وإنجاح هذا المحفل العالمي بشكل يليق بسمعة قطر وتاريخها المليء بالإنجازات والنجاحات في تنظيم البطولات والمنافسات القارية والعالمية.
وقبل العدّ التنازلي لإطلاق صافرة البداية لهذا الحدث العالمي، أبانت قطر عن جاهزيتها الفعلية، وبرزت ملامح تشير إلى انطلاق البطولة بحفل افتتاح مبهر، ويكون الأجمل والأحسن في تاريخ تنظيم بطولات ومنافسات الساحرة المستديرة، فالبعثات والشخصيات توافدت تباعاً، وجسور جوية تربط الدوحة بمختلف مطارات وعواصم العالم، وصولاً إلى آخر الرتوش قبل إعطاء إشارة البداية وإبهار الحاضرين، ومعهم المتابعون عبر منصات وشاشات العرض في مختلف أقطار المعمورة.
قطر اليوم أصبحت معلماً ومرجعاً عالمياً للدول السائرة في نهج التطوّر والرقي في مختلف المجالات، ولعلّ أبرزها وآخرها مجال الرياضة، والارتقاء بالطموح القطري والتحليق به عالياً في سماء الإنجازات، رغم العراقيل والصعوبات ومحاولة التأثير والتشويش على إنجاح مثل هذه المناسبات والمحطات، إلاّ أن السياسة القطرية والدبلوماسية المحنّكة التي تميّزت في التعاطي مع بعض الملفات والأجندات الخارجية، حيث عملت بعض الشخصيات خلفها دول بأكملها جاهدة لإفساد العرس الكروي والمحفل العالمي، بدوافع راديكالية وأيديولوجية، لكن هيهات؛ فالعالم كلّه كان يترقّب وينتظر بلهفة ما ستقدّمه قطر والشعب قطري وممثلة العرب خلال هذه البطولة التي تنظمها قطر العالمية.
طموح قطر تخطى حواجز التردد لطلب استضافة أحداث أخرى، بل سطرت القيادة القطرية برنامجاً ووضعت رؤى وآفاقاً مستقبلية ترفع من مكانة قطر في مجال الرياضة، وتجعلها في طليعة الدول الفاعلة في مجال الرياضة والاستثمار الرياضي مستقبلاً، وهو ما يعكس طلب قطر رسمياً استضافة الألعاب الأولمبية 2032، وتأكيدها على قدرتها التامة في إنجاح الحدث ببصمة قطرية ستبقى راسخة في الأذهان.
بالرجوع إلى الأسباب والعوامل البارزة والمسيطرة على المشهد، والبطولة التي نالت قطر شرف إقامتها، فلابد أن نتطرّق إلى أبرز المحاور التي نصّبت قطر على رأس قائمة أفضل البلدان إقليمياً وعالمياً في مجال احتضان وتنظيم مناسبات ومحافل تجعل الأنظار تتوجّه مباشرة صوبها، ولا يختلف اثنان على أحقيتها وعلى احترافيتها في كل مرة تقام على أراضيها بطولة أو محفل أو تظاهرة قارية أو إقليمية أو عالمية، ومن عوامل ومحاور النجاح نذكر منها:
كأس العالم.. منشآت ومراكز رياضة وبنية تحتية ذات معايير عالمية
أحدثت قطر ثورة معمارية وحضارية كبرى خلال العقود الأخيرة مست جميع القطاعات الحيوية، خاصة قطاع الخدمات الذي واكب التطور التكنولوجي الحاصل، والذي كان بمثابة الدافع القوي والقيمة المضافة التي ترجح كفة الدّوحة، وتجعل منها الملاذ والخيار الأفضل لمن يرغب في السفر وتحصيل النتائج المرجوّة، خاصة تلك المتعلقة ببرامج التدريب والتكوين، أو التحضير لمختلف الأحداث والمنافسات.
ومع بداية العقد الأول من الألفية الثانية عرفت قطر نهضة نوعية في مجال إنشاء وبناء الهياكل والمؤسسات الرياضية من الصنف العالمي، والطراز الرفيع الذي يعكس طموح وتطلعات الرياضة القطرية، ويعكس أيضاً النظرة الجدّية والمدروسة التي اعتمدتها السلطات القطرية للنهوض بقطاع الرياضة والوصول به لمصاف العالمية.
أما على صعيد المنشآت الرياضية؛ تمكنت قطر من تهيئة وبناء نسيج رياضي ومراكز ذات جودة وكفاءة عاليتين، ومؤخراً أسدل الستار على مرافق وملاعب وتجهيزات بطراز رفيع ونمط هندسي وتقني غير مسبوق، خاصة تلك التي ستدار فيها فعاليات بطولة كأس العالم، وتطمح قطر بذلك لبلوغ مراحل متقدمة من الوجود ضمن أهم الدول التي تحوز على ذلك الكم من المنشآت والهياكل الرياضية النوعية، والأمثلة عديدة حول الخدمات والمنشآت المتوفرة في قطر، ونذكر على سبيل المثال وليس الحصر أكاديمية "أسباير" الدولية، والتي تعتبر إحدى النماذج الرائدة في بيئة تعليمية ورياضية متميزة، حيث تعدّى دورها من تحضير رياضيي النخبة القطريين ومرافقتهم للتألق عالمياً، إلى مواكبة الرياضيين الدوليين ودعمهم لبلوغ منصات التتويج، لتكون بذلك "أسبـــاير" مثالاً ناجحاً يحتذى به يضاف إلى عديد الأمثلة الناجحة الأخرى.
وبعد نيل قطر لشرف تنظيم كأس العالم 2022، كان النجاح الأول والمنقطع النظير هو تقديم المنشآت القاعدية والمرافق العامة والملاعب المحتضنة لمباريات كأس العالم في الآجال المحددة، بل ودشّنت غالبيتها قبل موعد التسليم بشهور عديدة، وفاق حجم الإنجاز والتحضير كل التوقعات، وذلك بإسدال الستار على ملاعب ومنشآت عالمية جدّ متطورة، حازت قطر على شرف طرحها للساحة العالمية لأول مرة بتلك الدرجة من الإتقان والتطور.
تجربة وخبرة كبيرتان في تنظيم مختلف المسابقات والبطولات
حسب مكتب الاتصال الحكومي للدولة فإنّ قطر استضافت ما يفوق 500 فعالية رياضية دولية منذ عام 2005، شملت جميع أنواع الألعاب الرياضية ومختلف الفئات العمرية، وهو ما يبيّن وصول قطر لمرحلة متقدّمة من النضج الرياضي في مجال إقامة واستضافة الأحداث الرياضية الكبرى، وخلال السنتين الماضيتين نظمت الدوحة ما يقارب 100 حدث رياضي، تخللتها بطولات عالمية ودولية، لتكون بذلك في طليعة الدول الأكثر حضوراً خلال هذه الفترة رياضياً، رغم الصعوبات والتحديات جراء تداعيات جائحة كورونا وانعكاساتها على المستوى المحلي والدولي.
استضافة قطر لهذا الكم الكبير من البطولات والمنافسات وعلى مستوى عالٍ ومهم جعلها تكتسب مهنية واحترافية أكبر في مجال التنظيم والتسيير لمثل هكذا محافل، والأهم من ذلك هو النجاح والتحكّم الكبير في سير فعاليات ومجريات هذه الأحداث، كما أنها التزمت بكل تعهداتها، وتقيّدت بالشروط والمتطلّبات المتفق عليها من أجل الظفر بشرف التنظيم والاستضافة، حيث لم تتوانَ قطر في كل محفل عن إقامته في موعده وبكل أريحية وفي ظروف وأجواء مناسبة ومثالية.
قطر استضافت منذ قرابة عام "كأس العرب فيفا 2021" في الملاعب التي ستشهد مباريات كأس العالم 2022، وبإشراف الاتحاد الدولي لكرة القدم على المسابقة لأول مرة، واعتماد البطولة رسمياً في نسخ قادمة، حيث أشاد الجميع بالتنظيم منقطع النظير، ونالت قطر العلامة الكاملة بعد انتهاء فعاليات المسابقة، حيث قدّمت الدوحة صورة راقية وفخمة على ما تحوزه من موارد بشرية ومادية جسّدتها بطريقة مثالية وباحترافية عالية، لتظهر بذلك شيئاً مما تدّخره للعرس العالمي والذي تأكّد بأنه سيكون الاستثناء عن باقي كل الدورات التي نُظّمت سابقاً.
تنظيم قطر للأحداث الرياضية العالمية والقارية ليس وليد الحاضر بل هو امتداد لإنجازات سبقت ونالت أيضاً القدر الوافي من الإشادة والثناء، لكن أبرز ما يلاحظ في هذا السياق هو السعي كل مرة على التطوير وتقديم الأفضل وكسر الصورة النمطية والذهنية في أوساط الجماهير والمتابعين لشؤون الرياضة الإقليمية والدولية، وبهذا تتّجه دولة قطر بخطى ثابتة لتكون الوجهة المفضّلة والأبرز للرياضة والرياضيين عبر مختلف أقطار العالم مستقبلاً.
أما عن النتائج والنجاحات التي حققتها الدوحة في المجال الرياضي على الصعيد المحلي بإنجازات رياضييها والدولي بإقامة المنافسات والبطولات، فهي ليست وليدة الصدفة، بل هي نتاج العمل الدؤوب والمستمر والسهر على تطوير الكفاءات وتسخير ومواكبة آخر ما توصلت إليه الساحة العلمية والتكنولوجية، هذا وغيره ساهم في بروز قطر وتحوّلها لقطب رياضي عالمي.
سياسة تسويقية واستراتيجيات إعلامية واتصالية فعالة
انتهجت قطر منذ تبنيها فكرة التوجّه الرياضي الإقليمي والدولي أساليب واستراتيجيات اتصالية وصفت بالناجحة إلى حد بعيد، وبالعودة لما حققته الدّوحة من انتصارات واستحواذ شبه كلي على شرف تنظيم المحافل الرياضية التي تقدمت لها، نجدها قد سخرت كل ثقلها الإعلامي وتجاربها الطويلة في تكنولوجيا الاتصال الحديثة، في محاولة ناجحة لجذب وكسب التأييد الجماهيري ومختلف الهيئات الرياضية العالمية.
النضج والثقل الإعلامي القطري كان له الفضل الكبير في كسر الصورة النمطية التي ينظر إليها الجمهور ككل مرة في مجال تنظيم البطولات والمنافسات الرياضية، خاصة بالنسبة لدول تنظم بطولة هذا الحجم لأول مرّة، بل أدى إلى رسم صورة جديدة في هذا المجال، وقدّم صورة نموذجية ومثالية لدولة قطر، ونجح في نقل حيثيات وتفاصيل دقيقة ركّز عليها القائمون على المنظومة الاتصالية في البلاد، والتي رجّحت كفة قطر وحسمت السباق والمعركة الإعلامية الطاحنة بين مختلف الدول الساعية لخطف شرف التنظيم، والتي دارت رحاها في مختلف وسائل الإعلام العالمية على مستويات عديدة، وبرهنت قطر مرة أخرى على فعالية وأداء جهازها الإعلامي، والسياسات الاتصالية الفعالة التي أوصلتها للتربّع على القمّة في انتظار استكمال الترجمة الفعلية على أرض الواقع خلال الساعات القادمة.
قطر التي نجحت في الفوز بتنظيم نسخة كأس العالم على أراضيها بفضل السياسة التسويقية لمشروعها الرياضي، واعتمادها على أرمادة من نجوم الحقب الماضية والحاضرة ونجوم المستقبل في عالم المستديرة، بالإضافة إلى تناسق منقطع النظير بين مختلف المؤسسات والجهات الرسمية القطرية في أعلى مستوى من أجل إنجاح الحدث العالمي، وهو ما عكس الطموح القطري الجدّي في القدرة على إنجاح هكذا حدث وعلى هكذا مستويات.
خلال سنوات من العمل والمثابرة وصل صوت قطر إلى كل أركان الكرة الأرضية، وعرف الجميع واطّلع على ما تحوز عليه البلاد من مؤهلات وإمكانيات مادية وبشرية ستجعل منها الاستثناء والخيار الأمثل لمثل هذه الأحداث والمناسبات، فقد أحكمت القوّة الناعمة القطرية القبضة وسيطرت على المشهد وكواليس العملية الإعلامية التي دارت رحاها حول المشروع، لتحقق الأهم بعد دحضها لادعاءات وتشكيك من بعض الجهات، التي وصل بها الحقد والبهتان إلى الطعن في أحقيّة قطر في نيل شرف تنظيم أهم حدث رياضي عالمي، حيث واجهت المنظومة الإعلامية القطرية، وعلى رأسها القيادة العليا في البلاد، هذه العملية المغرضة والأجندات بكل احترافية ومهنية، واضعة بذلك حدّاً لكل تلك الادعاءات والمعلومات المفبركة في حقّها، لتخرج منتصرة مجدّداً، وتتقّدم بخطى ثابتة نحو هدفها المنشود.
رهان التميّز وانفتاح تام على العالم وثقافات الشعوب الأخرى
قطر لم تتوان ولم تتهاون في سبيل بلوغ أعلى درجات الدقة والتركيز في التنسيق والترتيب خلال تحضيراتها لمختلف المنافسات القارية والدولية، وصولاً إلى تنظيم كأس العالم في نسختها الحالية، وقد وضعت قطر في الحسبان توافد المشجعين والسياح ومختلف الوفود من مختلف البلدان والأقاليم، وأنه لابد أن تكون له دراسة مفصّلة واستراتيجية هادفة لتدارك الاختلاف والتباين الواضح بين هؤلاء في مختلف المقومات والسمات العامة الاجتماعية والثقافية لديهم، فعكفت قطر وعملت على تحقيق التوافق العام، وسطرت مختلف الإمكانيات وجسّدت الخطط والآليات المساعدة على تجاوز هذه النقاط.
اليوم في قطر الكل يرحّب بالضيوف وبالمشجّعين والرياضيين وجميع المشاركين في هذا المحفل العالمي، فالجميع عازم على إضفاء لمسته وتقديم صورة لائقة ومميزة عن الوطن والمواطن القطري المضياف والمتعايش، والذي لا يدّخر أيّ جهد في سبيل أن يحسّ الآخرون بالراحة وألا يشعروا أبداً بأنهم سافروا إلى بلد آخر، فالشعب القطري بدأ تحضيراته لاستقبال الجميع بصدر رحب، وبوجه مبتسم، وهو عاكف وعازم على تبادل الفرح والابتهاج مع كلّ من تطأ قدماه تراب قطر، وكذلك بالنسبة للترويج لكلّ ما هو محلّي وأصيل وينتمي للمجتمع القطري ولعاداته وتقاليده، فالتعريف بالموروث والأصالة القطرية يبقى من أولويات الشعب والدولة معاً، وكلاهما يوليه أهمية ويسعى لبلوغه.
ولطالما كانت قطر منفتحة على العالم الخارجي، مرتديةً لباس الأمن والسلام، فقطر تريد من خلال هذا العرس الكروي العالمي أن تضرب أسمى الأمثلة في التعايش والتلاحم مع شعوب العالم، بعيداً عن الصراعات والأيديولوجيات التي يقصي بعضها البعض الآخر، ولعلّ دعوة قطر العالم إلى رحاب السلم والود قد ترجمتها رسائل كثيرة، أثناء حملة الترويج وطوال مدّة التحضير التي سبقت انطلاق المنافسة، وهو ما يعكس هذا المسعى الذي يعتلي أهداف البطولة ويترجم السياسة العامة التي تنتهجها دولة قطر، التي طالما كانت تدعو إلى السلم والتكافل الإنساني.
بعد إعطاء إشارة الانطلاق تكون قطر قد حققت فعليّاً إنجازاً تاريخياً، وحققت مقولة "الحلم أصبح حقيقة"، وحلّقت عالياً في سماء الإنجازات، وكسرت الرهانات وعبّدت الطريق وتجاوزت العقبات، لتكون نموذجاً عربياً يحتذى به في تحقيق التنمية وبلوغ الأهداف وإعطاء الدروس والعبر، بل تتجاوز ذلك لتكون مرجِعاً لكلّ دولة ترى بأن بلوغ درجة الرقي والتطوّر حلم لن تستطيع الوصول إليه، فقطر اليوم هي مفخرة العرب وملهمة الأمم وقدوتهم في رفع التحديات وعلوّ الهمّة وبلوغ النجاح واعتلاء القمم، وبإقرار الخصوم قبل الأصدقاء فقد توّجت قطر فعليّاً بلقب "عاصمة الرياضة العالمية"، وترصّعت بالألماس وبريق الفخر والاعتزاز.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.