بعد افتتاح أقل ما يقال عنه إنه أسطوري فاق توقعات الكثيرين، انحنى المنتخب القطري (منتخب البلد المضيف) أمام جماعية لاعبي منتخب الإكوادور في المباراة الافتتاحية لمونديال فيفا قطر 2022، بالهزيمة بهدفين مقابل لا شيء، لتتعقد مهمة العنابي في المرور للدور القادم، خاصة أن المباراتين القادمتين أمام قوتين لا يُستهان بهما، أحدهما بطل إفريقيا، والثاني منتخب أوروبي له اسمه وثقله على الصعيد العالمي، فما هي أبرز الأسباب التي جعلت المنتخب القطري يظهر بهذا المظهر الباهت في أول مشاركة له في بطولات كأس العالم؟
الضغط الجماهيري العكسي
بعكس المنتخبات الخبيرة والعريقة التي تعرف جيداً كيف تستمد قوتها من جماهيرها وكيف تستفيد بشكل كافٍ من ميزة اللعب على أرضها، تبين أن لاعبي المنتخب العنابي "القطري" تأثروا كثيراً بالمد الجماهيري الكبير الذي ملأ جنبات ملعب البيت حتى آخر كرسي.
ووضح أن الحضور الجماهيري الضخم كان له أثر نفسي سلبي كبير على اللاعبين الذين لم يتمكنوا من التحرر وإطلاق إمكانياتهم الفردية سوى للحظات فقط ثم العودة مرة أخرى للحالة الدفاعية أو تجنب ارتكاب الأخطاء بقدر الإمكان؛ لعدم الوقوع في فخ انتقادات الصحف وصفحات السوشيال ميديا مبكراً.
الاستهانة بالمنافس وعدم دراسته جيداً
منذ أن وضعت القرعة المنتخب القطري أمام المنتخب الإكوادوري ساد جو من الارتياح قرأته من تتبع مواقع الصحف القطرية والحسابات الرسمية وحتى حسابات المشجعين القطريين وجزء كبير من المشجعين العرب بصورة عامة، حيث أظهر الكل سعادته بلعب المنتخب القطري لمباراته الافتتاحية أمام منتخب لا يبعد عنه كثيراً في التصنيف.
ولكن كما يقال فقد وقع المنتخب القطري في الفخ من الإطار الإداري، مروراً بالإطار الفني، وانتهاء باللاعبين الذين تفاجأوا بالفعل بمستوى منتخب أمريكي جنوبي على أعلى طراز، يعرف كيف يمارس الضغط بشكل جماعي، مع مزيج من أسلوب اللعب اللاتيني مع الأسلوب الإنجليزي، حيث تمكن من ضرب دفاعات المنتخب القطري بالكرات العالية المباشرة بسهولة، مع التحولات السريعة من الحالة الدفاعية للحالة الهجومية بطريقة لم يتمكن معها لاعبو العنابي من مجاراتهم فكانت الهزيمة القاسية التي كان يمكن لها أن تتضاعف لولا تقنية الفار.
المستوى المهزوز للدفاع والحارس
اهتزاز الحارس سعد الشيب في التعامل مع الكرات القادمة إلى مرماه كان له انعكاس مباشر على خط دفاعه الذي فشل في كثير من اللحظات في التعامل مع العرضيات والكرات البينية التي يتم إرسالها من العمق، والتي إحداها كانت سبباً في ارتكاب الحارس لضربة الجزاء بخروجه المتأخر، وهو ليس مشكلة في حد ذاته، ولكن الأسوأ تعامله غير الجيد مع الكرة بارتمائه مبكراً قبل وصول المهاجم إليه.
علاوة على ذلك وضح جيداً أن المساندة كانت مفقودة تماماً بين لاعبي الوسط والدفاع من جهة، ولاعبي الوسط والهجوم من جهة أخرى؛ حيث بدت الخطوط الثلاثة مفككة للغاية ولا يوجد أي علامات انسجام بينها، وهو ما استغله مدرب المنتخب الإكوادوري جيداً في تنويع لعبه، تارة اللعب عبر العمق، وتارة أخرى التمريرات الطولية لاستغلال سرعة مهاجميه وتقدم مدافعي العنابي.
انقلاب السحر على الساحر
طوال أكثر من عام كامل جاب المنتخب القطري مشارق الأرض ومغاربها مشاركاً في بطولات رسمية وأخرى ودية، ومعسكرات مقفولة وأخرى مفتوحة ومحاضرات ولقاءات ودية على أعلى مستوى، كل هذه الخطط شبه الانعزالية أراد بها القائمون على المنتخب القطري إعداد اللاعبين لمثل هذه اللحظة المنتظرة طويلاً.
ولكن نسي مديرو المنتخب القطري أن اللعب أمام المشجعين، حتى وإن كان تصحبه تنظيرات وانتقادات التي أرادوا تجنبها، هي من أفضل الخطط التي عرفتها كرة القدم، فليس من المعقول أن تعزل لاعبي منتخب كامل على اللعب مع أنديتهم، واللعب أمام جماهيرهم ثم تقذف بهم فجأة أمام هذا الكم الهائل من الجماهير المتعطشة لرؤية منتخبها التي حُرمت كثيراً من رؤيته.
حيث وضح أن لاعبي المنتخب غير مستعدين للتعامل مع هذه الأجواء كثيراً؛ كونهم خلال سنة ونصف كانوا فقط يلعبون خلف الأسوار المغلقة بدون أي ضغوط على الأداء والنتيجة، بعكس المباراة التي خسروها للتو؛ حيث كانت أجواؤها مختلفة من التي اعتادوا عليها في معسكراتهم.
ماذا بعد؟
حتى الآن لا تبدو الأمور كلها سوداوية، بل لا زالت الكرة تحت أقدام لاعبي العنابي لفعل شيء للتاريخ في الجولتين القادمتين، وإن كانتا صعبتين إلا أنه لا يوجد مستحيل في عالم كرة القدم، فخسارة معركة لا تعني أن الحرب قد تمت خسارتها، بل لا يزال توجد مساحة للتعويض حتى وإن كانت ضيقة، فهي موجودة، وفي هذه النقطة تكمن جماليات كرة القدم، العزيمة والإصرار هما ما يحددان الأبطال ويحققان الأهداف، فهل يفعلها العنابي؟
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.