على الرغم من التحسن الطفيف في أداء الاقتصاد الفلسطيني خلال عام 2021، مقارنة بعام 2020، الذي سجّل انهياراً بنسبة 12% في الناتج المحلي، و15% للدخل القومي الإجمالي، فإن أداء القطاعات الرئيسية والفرعية لم يصل إلى مستواه المعهود قبل جائحة كورونا، كما أدى العدوان الإسرائيلي في عام 2021 على قطاع غزة إلى إضعاف فرص الانتعاش الاقتصادي في غزة.
معوقات تنمية الاقتصاد في قطاع غزة
وفي عام 2022، تعرّض الاقتصاد الفلسطيني للعديد من المخاطر التي تعوق تطوره، ومنها استمرار الاحتلال في اقتطاع جزء من أموال المقاصة، واستمرار ارتفاع أسعار السلع والخدمات على المستوى العالمي، والتدهور التاريخي في بنية الاقتصاد الفلسطيني.
حصار غزة
يعاني اقتصاد قطاع غزة من سياسة الإغلاق والحصار الإسرائيلي منذ زمن بعيد، والتي أصبحت أكثر تشدداً منذ عام 2000، وتزايدت مع بناء الجدار الفاصل عام 2002، وساءت الأحوال الاقتصادية في غزة، حيث استمرت سيطرة إسرائيل على المجال الجوي والبحري والبري الخاص بالقطاع، وفي عام 2007 زادت حدة القيود لتتحول إلى حصار شامل، وتم عزل قطاع غزة بأكمله عن العالم الخارجي.
9 سنوات من الحصار الاقتصادي و3 عمليات عسكرية كبيرة تسببت في إلحاق دمار هائل في الاقتصاد الغزي، من خلال تدمير البنية التحتية والموارد والقاعدة الإنتاجية، والتأثير على المرافق الزراعية والصناعية والتجارية ورفع معدلات البطالة والفقر، وتوقيف عمليات الإنتاج على نطاق واسع، مما أثر سلبياً على المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية المختلفة.
ارتفاع الأسعار والتضخم
شهد الاقتصاد الفلسطيني عام 2021 تضخماً بنسبة 1.24% مقارنة بعام 2020، مما أدى إلى انخفاض القوة الشرائية للشيكل بنسبة 1.24%.
ومن أسباب التضخم الاعتماد على استيراد جميع السلع من الخارج، وعدم وجود إنتاج محلي يغطي الاحتياجات الأساسية للسكان.
ونتج عن ارتفاع أسعار السلع موجة غضب وخوف في صفوف السكان نتيجة لقلة الموارد المالية وعدم وجود بدائل أو تحسن في الأوضاع المعيشية والاقتصادية المتردية بفعل الحصار الإسرائيلي المفروض منذ 15 عاماً.
البطالة.. إحصائيات تثبت أن الوضع كارثي
وقع قطاع غزة تحت حصار إسرائيلي مشدد منذ عام 2006، مما أدى إلى زيادة في أعداد العاطلين عن العمل، وانخفاض في معدل فرص العمل والأجور اليومية التي يتلقاها العاملون في مختلف المؤسسات الحكومية أو الخاصة.
وارتفع معدل البطالة في قطاع غزة عام 2002 بسبب سياسة الاحتلال والعقاب الجماعي التي اتبعتها اسرائيل، وبلغ أعلى معدل لها في عام 2008، ووصل إلى 40.6% بسبب الحصار الشامل الذي مارسته إسرائيل ومنع انتقال الأفراد والعمال.
وفي عام 2014 بلغ معدل البطالة 43.9% بسبب تضييق الخناق على غزة، وتباطؤ اقتصاد الأنفاق، وتوقف نشاط قطاع النقل والبناء، وارتفع معدل البطالة في فلسطين نهاية عام 2021 ووصل إلى 26.4%، و46.9% في قطاع غزة، وبلغ متوسط الأجر اليومي للعمال في فلسطين 136.5 شيكل؛ ليصل في قطاع غزة إلى 60.4 شيكل.
كما بلغ أعلى معدل بطالة بين الشباب للفئة العمرية 15-24 سنة للجنسين، حيث بلغت 68.9%، بواقع 65.0% بين الذكور مقابل 86.8% بين الإناث في نفس الفئة العمرية.
ومن أسباب تفاقم أزمة البطالة الحصار المفروض على غزة؛ حيث عمل على استغلال ثرواتها ومواردها الطبيعية، ومنعها من السيطرة على معابرها ومياهها ومجالها الجوي، ودمر باستمرار بنيتها التحتية.
تأثير الحرب الأوكرانية على رغيف الخبز في غزة
بعد الحرب الروسية الأوكرانية ارتفعت أسعار المواد الغذائية في قطاع غزة، وشمل الارتفاع سلعاً أساسية، لا يمكن الاستغناء عنها من قبل السكان، مثل الزيوت النباتية والدقيق والقمح والوقود والغاز الطبيعي، وارتفعت معدلات الفقر والبطالة بالتزامن مع أزمات مالية تمر بها السلطة الفلسطينية والجهات الحكومية التي تديرها حركة حماس في غزة، وانخفض حجم رغيف الخبز وزاد سعره بأكثر من الضعف في غزة بعد الهجوم الروسي على أوكرانيا.
فمنذ اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، يواجه قطاع غزة أزمة غذائية متفاقمة، والأسر الفقيرة التي كانت بالكاد تجد قوت يومها حتى قبل أن يصل إليها تأثير الحرب هي الأكثر تضرراً.
اقتصاد غزة كان متأثراً بالفعل بالحصار الذي تفرضه إسرائيل عليه منذ 15 عاماً، والذي أثر بشكل كبير على القوة الشرائية لسكانه، والارتفاع الجديد في الأسعار لن يزيد الوضع إلا سوءاً.
وقد ذكرت منظمة أوكسفام إلى أن احتياطيات دقيق القمح في الأراضي الفلسطينية قد تنفد في غضون 3 أسابيع، مضيفة أن تكلفة القمح ارتفعت بنسبة 25%، وبعد الحرب الروسية ارتفع سعر دقيق القمح بنسبة 23.6% وزيت الذرة بنسبة 26.3% والعدس بنسبة 17.6% وملح المائدة بنسبة 30%، بحسب برنامج الغذاء العالمي.
وأعلنت وزارة الاقتصاد التي تديرها حماس في قطاع غزة عن زيادة أسعار الدقيق والخبز بسبب الزيادة "غير المسبوقة" في تكلفة القمح ومنع وزارة المالية التي تديرها السلطة الفلسطينية في رام الله عن إدراج غزة في إعفاء ضريبة القيمة المضافة للقمح.
سعر الدولار الأمريكي
كما شهدت أسعار السلع في فلسطين ارتفاعاً ملحوظاً، في ظل صعود على الدولار، حيث يستورد الفلسطينيون سلعهم بعملة الدولار، في حين أن التداول يكون بعملة الشيكل الإسرائيلي، وهو ما يخلق ارتباكاً للحركة التجارية في البلاد.
أثر ارتفاع سعر صرف الشيكل الإسرائيلي وانخفاض الدولار الأميركي سلباً على الفلسطينيين المجبرين على التعامل بالشيكل بسبب غياب العملة الوطنية، وتحديداً القطاعات التجارية، مثل المصدرين والمقاولين والقطاعات الهندسية وأسواق العقارات وشرائح الموظفين التي تتقاضى رواتبها بالعملة الأمريكية.
وقد أدى هبوط أسعار صرف الدولار بالمقاولين وأصحاب شركات الإنشاء إلى تعليق تنفيذ المشاريع التي يتم تنفيذها بالعملات الأجنبية، نتيجة للخسائر المالية الكبيرة بفعل تدهور الصرف مقابل عملة الشيكل الإسرائيلي.
وحسب بيانات الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، فإن إجمالي عدد العاملين في القطاعات الحكومية والخاصة والشركات والأونروا يقدر بنحو 278 ألف عامل في غزة، في حين يقدر عدد العاطلين عن العمل بنحو 270 ألف عامل.
وأعلن مدير عام الدراسات لدى وزارة الاقتصاد في غزة، أسامة نوفل، أن ارتفاع أسعار بعض السلع الأساسية في قطاع غزة جاء نتيجة الارتفاع في الأسواق العالمية، ولم يقتصر على قطاع غزة فقط، إنما العالم يشهد ارتفاعاً في بعض السلع الأساسية نتيجة استمرار تداعيات جائحة كورونا على الاقتصاد العالمي، والصعوبة في إمدادات الغذاء وانخفاض معدل النمو، وارتفاع كلفة الشحن وتعطل سلاسل التوريد العالمي، وارتفاع أسعار الطاقة وأهمها البترول والغاز والفحم، والتغيرات المناخية التي تؤثر على إنتاج الدول المنتجة للغذاء وأهمها روسيا والولايات المتحدة الأميركية.
إزالة القيود المفروضة على غزة.. توصيات
يجب إزالة القيود المفروضة على قطاع غزة من قبل الاحتلال، وإتاحة الفرص للوصول إلى الأراضي الزراعية والأسواق والموارد المائية، وضرورة تحسين وتطوير البنى التحتية وزيادة الاستثمارات في الهياكل الأساسية، بالإضافة إلى دور السلطة في ضرورة زيادة حصة هذا القطاع في الموازنة وزيادة الدعم المقدم من الدول المانحة من أجل انتعاش الاقتصاد وتخفيض معدلات البطالة.
وفي حالة إزالة الحصار المفروض على غزة يتطلب ذلك من حكومة حماس التركيز والاهتمام بالشأن الداخلي والعمل على هذه النقاط:
- إعادة النظر في توجيه المساعدات الدولية إلى تطوير الاقتصاد الفلسطيني، بدلاً من توجيهها لأغراض الإغاثة فقط بموجب اتفاقية جينيف.
- تحسين البنى التحتية المادية وشبكات الأمان الاجتماعي لتمكين الفقراء.
- وضع برنامج اقتصادي فلسطيني، يتضمن سياسة الأولويات في الموازنة الحكومية، وإعادة توزيع الدخل بشكل عادل.
- العمل على تحسين التجارة وزيادة النمو، من خلال إنشاء مؤسسات جديدة لتعزيز التجارة الخارجية الفلسطينية.
- الاعتماد على الاقتصاد الفلسطيني الوطني والانسحاب التدريجي من الارتباط مع إسرائيل، خاصة في التجارة والعمالة.
- إعطاء دور فاعل وحقيقي للقطاع الخاص، من خلال القوانين وتسهيل الإجراءات الإدارية له في معاملاته مع المؤسسات العامة.
- دعم مؤسسات الخدمات والرعاية الاجتماعية المساندة للفئات المهمشة والفقيرة، خاصة في ظل استمرار تنامي أعداد الفقراء والمحتاجين بسبب تدهور الأوضاع الاقتصادية.
- إعادة هيكلة النظام الضريبي الفلسطيني بحيث تأخذ بعين الاعتبار عاملين هما: أولاً: تشجيع الاستثمارات الخاصة، والثاني: العدالة الاجتماعية والاقتصادية.
- توفير برامج التأمين الصحي للمواطنين ذوي الإمكانات المحدودة برسوم رمزية، بما في ذلك توفير الدواء لهم بأسعار مدعومة
- محاربة التضخم ودعم السلع والخدمات الأساسية شائعة الاستهلاك بين المواطنين.
- تحسين المناخ الاستثماري وبيئة الأعمال من خلال التركيز على منشآت الأعمال الصغيرة والمتوسطة.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.