انطلقت فعاليات قمة المناخ على المستوى الرئاسي، بشرم الشيخ شرقي مصر، وسط حضور عدد من القادة والوفود من مختلف أنحاء العالم، ودعوات إلى "تحرك عاجل لمواجهة أكبر تهديد" يواجه البشرية وكوكب الأرض.
قمة المناخ في شرم الشيخ ليست الأولى من نوعها، وبالتأكيد لن تكون هي الأخيرة .لكنها ذات أهمية قصوى هذه المرة بسبب التغيرات المناخية المتواصلة على أرجاء العالم، التي بدأت تلحق أضراراً اجتماعية واقتصادية وبيئية على الكائنات الحية مستقبلاً؛ بات المجتمع الدولي يضع سياسات وخططاً علمية تهدف إلى التقليل من المشاكل المترتبة على ظاهرة الاحتباس الحراري.
وتشير التقارير العلمية الصادرة عن الهيئة الحكومية الدولية للمناخ إلى أن الغازات الدفيئة شكّلت نسبة عالية في الغلاف الجوي منذ قيام الثورة الصناعية، وعلى رأس قائمة الغازات الدفيئة يتصدّر غاز ثاني أكسيد الكربون، بالإضافة إلى غاز الميثان وأكسيد النيتروز.
بينما تشير بعض الأبحاث العلمية إلى رصد مستويات عالية من غازات ملوثة أخرى تم اكتشافها في القرن العشرين، ولم يكن لها وجود قبل قرنين من الزمان، مثل مركبات الكلوروفلوروكربون والهيدروفلوروكربون، إذ لم يكن لها وجود في الغلاف الجوي.
وبهذا أرغمت ظاهرة الاحتباس الحراري دول العالم على وضع سياسة ناجحة للتقليل من انبعاثات الغازات الدفيئة الناتجة عن السلوك البشري والدول الصناعية التي تعتمد كلياً على الطاقة الأحفورية، وتهدف تلك السياسات إلى إلزام الدول المصنعة بخفض الانبعاثات والتقيد بالمسار الصحيح والمحافظة على درجة الحرارة التي لا تتجاوز ١.٥ بحلول عام ٢٠٣٠؛ وصولاً
للهدف الرئيسي وهو انبعاثات كربونية صفرية بنهاية عام ٢٠٥٠ والمحافظة على درجة حرارة آمنة للأجيال القادمة.
ويؤكد التقرير الأخير لعام ٢٠٢١، الصادر عن الهيئة الحكومية الدولية للمناخ أن العالم بعيد عن الالتزام بدرجة حرارة ١.٥، وأن الغازات الدفيئة تتزايد في الانبعاثات وأن دول العشرين بعيدة عن المسار الصحيح، وتؤكد على عدم التقيد ببنود اتفاقية باريس للمناخ لعام ٢٠١٥، وأننا نقترب من درجة ٢ مئوية، وربما نصل إلى درجة حرارة عالمية تقدّر بـ٧ درجات نهاية القرن، والكون يدفع الضريبة.
والدول المصنّعة لم تلتزم بأي من هذه الاتفاقيات والمشاريع التي تحاول البدء فيها لا تتطابق مع التصريحات السياسية التي تؤكد ضرورة المحافظة على تقليل انبعاثات الغازات الدفيئة وعدم الاعتماد على الاقتصاد المتعلق بالطاقة الأحفورية والانتقال إلى الطاقة النظيفة، والمساهمة في مشاريع داعمة للطاقة المتجددة عالمياً.
ويترتب على ظاهرة الاحتباس الحراري الكثير من المشاكل الصحية المتعلقة بحياة المجتمعات، وبحسب التوقعات الموجودة في تقارير منظمة الصحة العالمية فإنه من المقدّر ارتفاع نسبة الوفيات بين عامي ٢٠٣٠-٢٠٥٠ إلى أكثر من ٢٠٥٠ ألف إنسان سنوياً.
ونتيجة لانعدام الغذاء، والتلوث الهوائي والإسهال والأمراض المتعلقة بالملاريا التي تنقلها بعض الحشرات والأمراض ذات المصدر الحيواني، وانعدام الزراعة والمياه النظيفة للشرب، ويذهب التقرير إلى أن ضحايا التغير المناخي هم الأشخاص الذين لم يتسببوا في انبعاثات الغازات الدفيئة، إشارة إلى الدول النامية التي لا يمكنها الصمود أمام الفيضانات والكوارث الطبيعية الناتجة عن التغيرات المناخية وظاهرة الاحترار العالمي وانعكاسها على البيئة والكون.
وبالجملة ظاهرة الاحتباس الحراري هي ارتفاع شديد في درجة مياه البحار، وإذا قمنا بالربط المنطقي بينها وبين الغازات الدفيئة فإن النتيجة مرتبطة بانبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون والميثان، نتيجة للأنشطة الصناعية للشركات النفطية العالمية، ومساهمتها في ارتفاع نسب عالية من الغازات الدفيئة التي شكلت في الغلاف الجوي كتلة غازية أشبه ببيت الزجاج الذي تتسرب منه الحرارة بنسبة عالية تجاه الأرض، ولا يمكنها النفاذ إلى الفضاء مرة أخرى، مما يؤثر على مياه البحار والمحيطات والنباتات، فترتفع درجة الحرارة، إذ يساهم ذلك بزيادة ارتفاع البحر عن مستوى سطح الأرض، وتحدث تغيرات جيوفيزيائية تلحق أضراراً بالكائنات الحية الموجودة في البحار، مما يؤدي إلى انقراضها وإذابة الجليد في جزيرتي جرينلاند وأنتاركتيكا له علاقة وثيقة بالاحترار العالمي.
التقارير السابقة تكشف بكل وضوح عدم جدية الدول الصناعية، وتفاعلاتها السلبية تجاه هذه الظاهرة، وهم المسؤولون الحقيقيون لدخول العالم في ظاهرة الاحترار العالمي التي تحمل لنا مستقبلاً الكثير من الكوارث البيئية، ويتفاوضون على أرواح مليارات البشر المعرضين للموت في السنوات القادمة إذا استمروا في زيادة انبعاثات الغازات الدفيئة، والتصريحات التي سيدلون بها في هذه القمة إذا لم تطبّق بشكل عملي، فلن يكون لها أي قيمة حقيقية. وجميع الدول تقدم المصلحة الاقتصادية وتحقيق الأرباح بدلاً من حماية الكون والنظام البيئي والحد من ارتفاع درجة الحرارة.
وفي الأخير النزعة الاستهلاكية والإدارة البيروقراطية لهذا العالم المعقد الذي يعيش بنظام رأسمالي لا رحمة فيه، ويتوسع صناعياً عبر شركاته وحكوماته العابرة للقارات، وليس فيه أي مجال للمبادئ الأخلاقية ويكرس الطبقية وسحق الفقراء، وبهذا لن يحاول مساندة الدول الفقيرة، ولن يعطي حلولاً حقيقية للكارثة التي أحلها بهذا العالم الذي جنى منه مليارات الدولارات بأرواح سكانه.
وأخيراً هذه المؤتمرات لا تحمل في حقيقتها أي نتائج حقيقية للمشاكل المتعلقة بالاحترار العالمي، فهي مجرد مؤتمرات صورية يتم فيها استعراض الخطابات السياسية الفارغة والوعود الزائفة بهدف جذب الناخبين، ولا حلول منتظرة من هذه المؤتمرات البرجوازية الطوباوية والبعيدة عن الواقع وتحديات الكون.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.