كانت سياسة عمر بن عبد العزيز في ميدان الإنفاق تقوم على أساس مبدأ الرشد الاقتصادي، أو ما يعبَّر عنه بمبدأ القوامة في الإنفاق، ومقتضاه البعد عن الإسراف والتبذير، والبُعد عن الشح والتقتير، ومن الخطوات التي اتخذها في مجال ترشيد الإنفاق في مصالح الدولة:
قطع الامتيازات الخاصة بالخليفة وبأمراء الأُمويين
أعاد عمر القطائع والحقوق الخاصة إلى أصحابها، والحقوق العامة إلى بيت المال، وبدأ بنفسه وبآل بيته، فكان عمر لا يأخذ من بيت المال شيئاً، فقالوا له: لو أخذت ما كان يأخذ عمر بن الخطاب، قال: "كان عمر لا مال له، وأنا مالي يغنيني".
وعندما أُحضرت مراكب الخلافة لعمر بعد موت سليمان طلب بغلته، وأمر بوضع المراكب والفرش والزينة في بيت المال، وكانت عادة الخلفاء قبله أن يأخذ ورثة الخليفة الميت ما استعمل من ثيابه وعطوره، ويُردّ الباقي إلى الخليفة الجديد، فلما استخلف عمر قال: "ما هذا لي ولا لسليمان، ولا لكم، ولكن يا مزاحم ضُمّ هذا كله إلى بيت مال المسلمين".
وكان عمر لا يستعمل الأموال العامة لحاجته الخاصة مطلقاً، فذات مرة بعث أمير الأردن بسلّتي رطب إلى عمر، وقد جيء بهما على دواب البريد، فلما وصلتا عمر أمر ببيعهما، وجعل ثمنهما في علف دواب البريد، وفي مرة طلب من عامله أن يشتري له عسلاً، فحمل له على دواب البريد، فأمر ببيع العسل وجعل ثمنه في بيت المال، وقال له: "أفسدت علينا عسلك".
ترشيد الإنفاق الإداري
سعى عمر لتعويد أعوانه وولاته الاقتصادَ في أموال المسلمين، فعندما طلب والي المدينة أن يُصرف له شمعٌ أجابه عمر: "لَعمري لقد عهدتك يا بن أم حزم وأنت تخرج من بيتك في الليلة الشاتية المظلمة بغير مصباح، ولعمري لأنت يومئذ خير منك اليوم، ولقد كان في فتائل أهلك ما يغنيك، والسلام". وكتب إليه أيضاً وقد طلب قراطيس للكتابة: "… إذا جاءك كتابي هذا فأدقّ القلم واجمع الخط، واجمع الحوائج الكثيرة في الصحيفة الواحدة، فإنه لا حاجة للمسلمين في فضل قول أضرّ بيت مالهم".
يلاحظ حرص عمر على المال العام، إذ يرشد ولاته للاستغلال الأمثل لموارد الدولة، فعمر يريد من العامل أن يستغلَّ الأوراق في الرسائل إلى أقصى درجة.
ترشيد الإنفاق الحربي
خاضت الدولة الأموية حروباً خارجية وداخلية، فكلّفت ميزانية الدولة الشيء الكثير، منها حملة القسطنطينية في زمن سليمان بن عبد الملك، فقد كلفت الكثير من الأموال والشهداء دون جدوى، فما كان من عمر بعد استخلافه إلا أن أرسل كتاباً يأمر فيه مسلمة بن عبد الملك، قائد الحملة، بالعودة بعد أن أصاب الجيش ضيق شديد.
وقد أدّت سيرة عمر وسياسته إلى استقرار الأوضاع الداخلية، فتوقفت الحروب والفتن، ولما بلغت سيرته الخوارج اجتمعوا وقالوا: ما ينبغي لنا أن نقاتل هذا الرجل، ولقد أسهم إيقاف الحروب والفتن في إيجاد مناخ عام من الراحة والطمأنينة والاستقرار، كان له دور في النمو الاقتصادي للدولة، وتحسن أوضاع الطبقات الفقيرة والمحتاجة، بفضل الله، ثم سياسة عمر الرشيدة.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.