لم تكن قصة ترشيح محمد شياع السوداني لرئاسة الوزراء في العراق، وانتخاب عبد اللطيف رشيد رئيساً للجمهورية من قبل الإطار التنسيقي الشيعي وحلفائه، والانفراد برسم شكل وهيكل الحكومة التنفيذية الجديدة، قصة سهلة على الإطلاق، ولن تكون سهلة حتى في حال استمرار مباشرة الحكومة أعمالها لأسباب كثيرة وواقعية، فالوضع السياسي في العراق أشبه باللعب في النار.
الصراع الداخلي في العراق
داخلياً، يعيش العراق على وقع معركة وجود بين مقتدى الصدر وأتباعهِ من جهة، ورئيس الوزراء السابق نوري المالكي، وحزب الدعوة وحلفائهِ من الفصائل المسلحة من جهة أخرى.
معركة الوجود هذه بين الطرفين ليست وليدة اللحظة، فقد شهدت السنوات الماضية معارك، وصدامات بين الطرفين، ومن ضمنها المعركة البارزة التي خاضتها القوات الأمنية في عملية عسكرية في محافظة البصرة ضد أتباع مقتدى الصدر في مارس/آذار 2008، وذلك بقيادة من قبل نوري المالكي رئيس الوزراء آنذاك، والتي تكبد فيها الصدريون خسائر فادحة. هذا من جانب.
يضاف لذلك اتساع تمثيل الصدريين في البرلمان، والذي أجهض الوجود السياسي القوي لحزب الدعوة هناك، فأصبح هناك شبه توازن بين قطبي الشيعة داخل قبة البرلمان.
وهو أمر جعل أنصار حزب الدعوة يتراجعون سياسياً، لدرجة فقدانهم لمقعد رئاسة الوزراء لعادل عبد المهدي تارة، وأخرى لمصطفى الكاظمي بدعم مرجعي واضح لإزاحتهم عن كرسي رئاسة الوزراء، وذلك بمباركة صدرية حينها.
مكاسب التيار الصدري
وهناك قائمة طويلة من الأسباب الحديثة أيضاً لاتساع وتضخم هذهِ القطيعة الحقيقية، ومن ضمنها مكاسب الصدريين التي حققوها بسبب وجودهم البرلماني، والتي تضمن الاستقرار لجمهورهم وتماسكهم الداخلي، وهي الآن في مهب الريح، بل وأمام مقصلة إعادة التوزيع ربما، في حال نجح دعاة التوافق بتشكيل الحكومة الجديدة بأسلوب "المحاصصة" حسب الوزن البرلماني.
أما في حال تشكيل الحكومة بالطريقة المعتادة، فسيكون ذلك مسماراً في نعش الصدريين سياسياً، ما سيدفع بالتيار الصدري لاتخاذ إجراءات شعبية وسياسية تعيد وزنهم الحقيقي، ومكاسبهم بصورة سريعة، ولو تطلبت هذهِ الإجراءات من التيار الصدري اللجوء العنف فلا ضير بالنسبة لهم في ذلك.
وضمن قائمة الأسباب أيضاً التي تدعو للقطيعة والصدام، وعدم الاستقرار السياسي في الأيام القادمة هو "التطرف السياسي" الذي يعده الإطاريون منهجاً واقعياً في سياستهم لتقسيم وإدارة الدولة، والقاضي بأن يمارس كل جزء وكل مكون حريته المطلقة في حصتهِ من السلطة.
ويقابل ذلك كله السخط العام على تجربة الإطار هذهِ، وعدم القبول الشعبي بآليات وطريقة التفاعل مع الجمهور المختلف، والمضاد لهم.
وهذا الأمر أدى، وسيؤدي ربما، إلى توافق دعوة الصدر العلنية إلى إجهاض حكومة شياع السوداني مع دعوات الجمهور العام، بعدما فشلت دعوته المتفقة بخطوطها العامة مع الدعوات الشعبية لتشكيل حكومة أغلبية.
الأمر الذي ربما يعطي الشرعية لأي إجراء يتخذه "الصدريون" لاحقاً بحق من تخلف تجاه هذهِ الدعوة، وربما تصطف معهم شرائح شعبية غير منتمية لهم للإطاحة بالحكومة الجديدة لو تشكلت، مثلما حدث مع رئيس الوزراء السابق عادل عبد المهدي من ناحية عمر الحكومة.
بعد هذا الاستعراض البسيط لحجم القطيعة، والمشكلة القائمة، ستكون أمامنا مجموعة سيناريوهات متفاوتة حسب الظروف، وميزان القوى الشعبية، والسياسية، والرغبة الخارجية المتعلقة بنوع وأداء النظام السياسي العراقي:
السيناريو الأول: التسوية والهدوء
استمرار عمل حكومة محمد شياع السوداني بصورة طبيعية، وهذا يتضمن عملية تسوية مع الشركاء السياسيين على مستوى البرلمان أولاً، أو تسوية باتجاه الجماهير من خلال خطة إنعاش اقتصادية سريعة على شكل منح، ورواتب، وقطع أراضٍ سكنية، أو غيرها من الخطط التي تؤمن هدوء الشارع أو صناعة أزمة إلهاء، كأن تكون أزمة أمنية أو طائفية أو غيرها مما يحدث في العراق في إطار عملية التسوية، مع التيار الصدري.
وعملية التسوية هذه أيضاً تتضمن مجموعة نقاط مهمة يجب توفيرها للتيار الصدري:
أولها وأهمها بالنسبة للصدريين يتعلق بقانون الانتخابات، ومفوضيتها، حيث لا يمكن للصدريين التخلي عن شكل القانون، الذي ضمن لهم "الأرجحية العددية" داخل البرلمان قبل انسحابهم منه.
ومن ضمن التسوية هذهِ مدة البرلمان الحالي والانتخابات المبكرة، فلا يمكن للصدريين المقاومة لغاية انتهاء الدورة البرلمانية.
ومن ضمن اشتراطات الصدريين أيضاً، تعريف الكتلة الأكبر، والتصويت على هذا التعريف بشكل قطعي لكيلا يقعوا في فخ الثلث المعطل، الذي استُخدم بحقهم من قبل كتلة الإطار التنسيقي.
أما عدا ذلك فيجب إرضاء الصدريين بجزء من هذهِ الحكومة، ولربما لا يتضمن الموضوع مناصب سيادية عليا، بل ربما يكون لهم وجود في الدولة العميقة التي هي عبارة عن وكلاء الوزراء، والمدراء العامين، والهيئات المرتبطة بالرئاسات الثلاث.
وبصورة عامة هذا سيناريو يقودنا لحكومة عمرها لا يتعدى السنتين من التصويت عليها ربما، عدا ذلك كله يمكن أن يتقاعس مقتدى الصدر، ويعتزل القصة ليترك الجمل بما حمل بقصد حماية أتباعه من حرب خاسرة، لغاية بلوغ انتخابات أخرى.
ولعله يحفظ للصدريين وجودهم أمام القوة السياسية المنتصرة، والقوة المسلحة الهائلة التي تمتلكه كتلة الإطار التنسيقي والفصائل المسلحة الموالية لها.
السيناريو الثاني: الصدام بين الحكومة والتيار الصدري
ولقد مررنا بجزء من هذا السيناريو، بعد انسحاب نواب الكتلة الصدرية، وبعد تقديم استقالاتهم إلى رئاسة البرلمان، وربما سنكون بقمتهِ وأوجهِ لكون ذلك يتوقف على مجموعة نقاط، أهمها:
النقطة المباشرة الملحة، تتمثل في المضي بتشكيل الحكومة من قبل السوداني، وقبوله بهذهِ القسمة، واتخاذه إجراءات إعادة التوزيع، وكذلك عدم الاتفاق بين الصدريين والأطراف الأخرى على النقاط التي تدعوهم للتهدئة، مثل: الإبقاء على قانون الانتخابات، وكذلك مدة البرلمان الحالي، وغيرها من الإرادات الدولية والإقليمية التي ترغب بهذه الجهة أو تلك.
وفي هذه الحالة سيكون الصدام مباشراً بصورة يصرح بها الصدر شخصياً، أو يتغاضى عن القصة ولن يوجه أو يعطي الضوء الأخضر لجمهوره، مثلما فعل في المواجهة الأخيرة.
وينتظر أن يقابل ذلك الرد من الإطار بصورة عامة بشقيه الحكومي المؤسساتي العسكري، وغير المؤسساتي المتمثل بالفصائل المسلحة المنضوية تحت عباءة الإطار التنسيقي السياسية، وتمتلك نواباً في البرلمان.
خطر الصراع الداخلي على مستقبل العراق
ولنا أن نتخيل مدة هذا الصراع السريع ربما، والذي سيخلف أعداداً هائلة من الجثث، ولكنه سيكون وفق سياقات ومحددات لا تتعدى المناطق الشيعية بالتحديد، وربما سيكون هناك موقف واضح لمرجعية النجف، التي تصطف بجزء من خطاباتها مع خطوات الصدر مؤخراً، كخط دفاعي له.
وفي هذهِ الحالة ستكون هناك انتخابات مبكرة، سيحصد بها الصدريون مقاعد أكثر، ليفضي بعدها الوضع إلى حكومة ما بعد الانتخابات، تقتص بصورة تسلسلية من كل من أحبط مخطط قيامها سابقاً، وهذا سيناريو معكوس لقوة الصدر قبل عام 2010.
أما في حال بقاء الصدر مع الصدريين وحيداً، دون دعم مرجعي أو شعبي أو دولي فأعتقد أنه لا فرصة له في النجاة عسكرياً، وتتكرر قصة الصدام الجماعي مع قوى الإطار المسلحة.
وهذهِ المرة سيخوض العراق بصورة عامة، وبصورة خاصة في المناطق الشيعية، حرباً داخلية، تفضي إلى نظام ودستور جديد بالكامل، وسيصطف الصدر فيها من جديد كقوة مسلحة صغيرة ضمن عشرات القوى المسلحة.
وهذهِ مرحلة تقترن بمدى رغبة الصدريين بالعودة السياسية، ومكاسبها من جانب.
ومن جانب آخر تتمثل بإمكانية الشعب العراقي في خوض صراع من أجل صياغة مستقبل لا يتخلله وجود مصالح دول أخرى تتعدى مصالحه، وتتحكم بمقدراتهِ من خلال سلطتهِ السياسية ومؤسساتهِ الدستورية.
وباعتقادي سيمر العراق بـ"عقد مر" لا يمكن تخيل ما سيحدث فيه بصورة مؤكدة، نظراً لتشابك الأزمة وأطرافها.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.