يقول المثل التركي: "الطبل صوته عالٍ؛ لأنه أجوف"، ينطبق هذا المثل على ممارسة بعض النواب الأردنيين "عنف اللغة" ضد الآخرين، معتقدين أن ذلك هو أسهل الطرق لإيصال الفكرة، وهم بذلك لا يقرأون جيداً المشهد العام الأردني.
ففي الأيام الماضية برز نقاش ساخن بين بعض نواب البرلمان الأردني، ومندوبي شركة الكهرباء في مواقع التواصل الاجتماعي، في سياق البحث عن "اللقطة"، خاصة مع احتدام النقاشات في الغالب داخل قبة البرلمان الأردني.
بداية القصة كانت مع تهجم النائب عبد الرحمن العوايشة على مندوب شركة الكهرباء ووصفه بـ"ألفاظ غير لائقة"، بعد مطالبة الأخير النائب العوايشة باحترامه أثناء توجيه الأسئلة وعدم إهانته بالشتائم أو بالصوت المرتفع.
ولم يمر وقت طويل حتى تكرر المشهد المعتاد في مجلس النواب باستدعاء الشركات الخاصة أو ذات الاتصال الحكومي؛ للنقاش حول مسائل تهم المواطنين.
وما إن يبدأ النقاش حتى تنبري أصوات هدفها لفت الانتباه أو أخذ الميكروفون من المتحدث.. وبعد تداول غير منصف للقضية، تتطور النقاشات حتى تصل إلى درجة الاشتباك بالأيدي.
وهناك يتكون العنف اللغوي في البداية كأداة للحصول على جماهيرية تخدم المشتبك وتعطيه الزخم المطلوب.
العنف اللفظي وسياسة البحث عن الشهرة!
يلجأ المتكلم في هذه الحالة، في غالب الأحيان، إلى رفع صوته حتى لا يقال إنه لا يفهم، فيوزع صرخاته دون القدرة على ربط الأمور ببعضها البعض، واستخدام الصوت المرتفع قد يجعل المتلقي "يتحسس" من إكمال النقاش، لا سيما عندما يكون معتاداً على إدارة نقاشاته في أجواء متسامحة بعيدة عن صخب الشعبوية الخطابية.
ورغم ذلك، يصر البعض على ممارسة دور "خذوهم بالصوت واغلبوهم"؛ حيث تمثل هذه الفكرة مادة أساسية للصعود السياسي، في ظل تعطش الجماهير للأصوات المرتفعة، أو بمعنى آخر التي تؤمن أن القوي صوته عالٍ!
وغياب ثقافة احترام الآخر وتقبُّل رأيه أو القدرة على سماعة دون مقاطعة، لا تقتصر على الإطار المجتمعي فقط، بل تمتد إلى بعض من يحسبون أنفسهم على النخب؛ إذ لا يستطيع الواحد منهم سماع الطرف الآخر دون توجيه إهانة لفظية واحدة.
ولذلك يعتقد بعض النواب أن عدم احترام الآخر هو الطريق الوحيد للشهرة ضمن صيغة مجتمعية يسمعونها في الغالب أو بالعامية: "والله إنه رجل.. استطاع إحراج الضيف"!
وبالتالي استمرار هذا النمط كآلية وحيدة للتخاطب، سواء في المجالس الخاصة أو الرسمية كما في حادثة "شركة الكهرباء".
نتائج العنف اللغوي
يمكن ملاحظة استشراء ظاهرة العنف اللغوي في الخطاب السياسي الأردني عبر نظرة خاطفة إلى سير جلسات مجلس النواب الأردني، أو عبر الجلسات الخاصة المشتركة بين النواب والحكومة، أو عبر اللجان الشعبية المتشكلة لتوسيع النقاش العام حول القضايا الحساسة؛ حيث لا تخلو جلسة من تبادل للشتائم، والإهانات على أبسط الأمور.
هذا العنف، وما يترتب عليه من مآلات، يتشكل على مستوى بناء المعنى وهوية الذات بالنسبة للمشتبك، سواء بالسيطرة والتملك الذي يمثل العنف المادي، أو الإخضاع الطوعي ممثلاً في العنف الرمزي.
وعليه يتكون اعتقاد راسخ لدى الكثيرين بأن ثقافتك حول موضوع ما تتحدد بمقدرتك على رفع الصوت أو توجيه الاتهامات، وأن النقد يتلازم بالضرورة مع العنف اللغوي وما يجره من تطورات قد تُفضي إلى جرائم، هذا فضلاً عن التصور المتصلب لدى الشاتم بأنه أفضل حالاً من المشتوم.
العنف اللغوي والتشويش المتعمد!
لا تتوقف مشكلة العنف اللغوي على التعطيل اللحظي لنطاق الجلسات العامة، بل تتجاوزها إلى تعطيل برامج إصلاحية كاملة، والدليل على ذلك هو الاستخدام الواضح للعنف اللغوي من قبل بعض النواب.
ولعلنا هنا نستذكر ما حدث مع المفكر والباحث الأردني"مصطفى حمارنة"، خلال جلسة برلمانية في العاشر من فبراير سنة 2014، حول دلالات التحول الاجتماعي وانعكاساته على الوضع الأردني،
حين بدأ النائب عبد الكريم الدغمي" إطلاق الاتهامات اتجاه المفكر حمارنة الأمر الذي أدى إلى تعطيل البرامج الإصلاحية التي أقرها "المجلس الاقتصادي والاجتماعي".
كما يمكن ملاحظة هذا العنف بالخطابات العامة أثناء المباريات الرياضية، وما يجره ذلك من أوصاف عنصرية تخرج الآخر من صفته الإنسانية، والوطنية، مثل ما حدث في مباراة "الوحدات" و"الفيصلي".
و الأحداث التي جرت بين عشائر "شفا بدران"، حيث تسبب عنف اللغة من قبل بعض شيوخ العشائر بازدياد الشرخ الاجتماعي.
وعلى الرغم من العقوبات المفروضة نظريا إلا أن الواقع يثبت أن استخدام العنف اللغوي لم يتوقف، الأمر الذي يجعل من البعض يتساهل في استخدام هذا النوع من العنف بحجة النقاش.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.