بعد تأجيلات مستمرة تقرر انعقاد الدورة 31 لقمة جامعة الدول العربية على أرض الجزائر، عقب إعلان الأمين العام للجامعة العربية أحمد أبو الغيط عن تاريخ الانعقاد، وذلك يومي 1 و2 من شهر نوفمبر/تشرين الثاني 2022، وتأتي فعاليات هذه القمة بعد غياب دام سنتين بسبب جائحة كورونا.
خلال هاتين السنتين تغيّر الكثير في الدول العربية، وتكدّست ملفات وقضايا وجب النظر فيها من قِبل جامعة الدول العربية، إن هي تريد أن تحيا من جديد.
فما هي أهم الملفات التي ستناقش في القمة؟ وما هي التحديات التي ستواجه الجزائر في ظل العلاقات العربية– العربية المتوترة؟
انطلقت، السبت، 29 أكتوبر/تشرين الأول 2022، أشغال اجتماع وزراء الخارجية العرب التحضيري، حيث سيتسلم وزير الشؤون الخارجية رمطان لعمامرة، الرئاسة الدورية للقمة العربية من وزير الشؤون الخارجية التونسية عثمان الجرندي. وكان وزير خارجية الكويت سالم عبد الجابر الصباح، أول رئيس دبلوماسية من الوافدين يصل إلى الجزائر، وهكذا تكون السلطات العليا لدولة الكويت قد وفت بوعدها، حيث التزمت بأن تكون أول الوافدين إلى الجزائر، وآخر المغادرين منها.
مركزية القضية الفلسطينية
إن للدولة الجزائرية موقفاً صلباً في دعم القضية الفلسطينية الفعلي، واستمرار التزام الأمة الجزائرية بمركزية القضية الفلسطينية، كما تؤكد الجامعة العربية دائماً. فبعد زيارة الرئيس الفلسطيني محمود عباس للجزائر، قصد المصالحة بين فصائل المقاومة الفلسطينية، توالت زيارات لوفود لبحث ملف المصالحة، وأكدت السلطات الجزائرية أنها تهدف إلى الاستماع إلى مقترحات وتصورات كل طرف بشأن الملف.
وفي 13 أكتوبر/تشرين الأول 2022، تم الإعلان عن التوقيع الرسمي لوثيقة "إعلان الجزائر" للمصالحة، بمشاركة 14 فصيلاً، من خلال حفل في العاصمة الجزائرية بمشاركة الرئيس عبد المجيد تبون، الذي وصف هذه الحظة بـ"التاريخية"، وأضاف في كلمة مقتضبة "أتمنى عن قريب أن نرى قيام دولة فلسطين المستقلة، كاملة الأركان، في حدود عام 67 وعاصمتها القدس".
توجهات مختلفة.. وتضارب مصالح
يواجه عقد القمة العربية في الجزائر ملفات معقدة، على رأسها حال التفكك في العلاقات العربية-العربية، وهو ما سينعكس على الموقف العربي بأكمله، وهذا باختلاف الأقطاب وتوجه بعض الدول العربية لأمريكا واعتبارها حليفاً، والبعض الآخر لإيران وروسيا، مما يجعل هناك عدم اتفاق حول مفهوم الأمن القومي العربي، إذ نلمس أنه لا يوجد أمن قومي عربي موحّد، فحلفاء بعض الدول هم أعداء لدول أخرى، ويشكلون تهديدات أمنية واقتصادية.
في ندوة صحفية بمجلة الحوار الجزائري، صرح الإعلامي اللبناني، سامي كليب، عن أن الشعوب العربية فقدت الثقة في قرارات الجامعة العربية، وهذا راجع لمواقفها أثناء الأزمات، خاصة أزمة العراق واجتياح ليبيا، فبدل العمل على حل مشاكل الدول العربية، نجدها تغرق في الفتن الداخلية، وأضاف "أنه كلما تراجع التدخل العربي في شؤون الدول العربية تقدمت الأمم الأخرى.. هناك من يتساءل عن التواجد الإيراني في بعض الدول العربية، هذا يتحمل جزءاً منه جامعة الدول العربية". فعليها طرح كل الملفات والبت في أمرها، لعدم ترك فرصة تقرير مصيرهم والتدخل في شؤونهم أمام أطراف أخرى.
وفي ذات السياق صرح وزير الخارجية الجزائري، رمطان لعمامرة، بأن "الجزائر تواصل جهودها لضمان التحضير الأمثل للقمة العربية، وهي تتطلع لأن يشكل هذا الاستحقاق المهم فرصة لاتخاذ قرارات جريئة بروح توافقية". يأتي هذا التصريح في إطار الهدف الرئيس الذي حددته الجزائر كأهم مُخرجات للقمة، وهو "توحيد الصف العربي"، بوصفها قمة جامعة وانطلاقة جديدة لعالم عربي ممزق. وهو بالفعل ما مهّدت له الجزائر من خلال المصالحة الفلسطينية –الفلسطينية.
أما بالنسبة للشأن الإقليمي، فبالرغم من تأكيد العاهل المغربي حضوره للقمة، فلا تزال الأزمة المغربية – الجزائرية قائمة، ولم يقدَّم أي حل لمواجهة الخلاف حول موضوع الصحراء الغربية، ومسألة الغاز الطبيعي، حيث صرح وزير الخارجية المغربي قائلاً "يجب ألا تكون القمة امتيازاً، بل مسؤولية، ويجب أن يُعد لها جيداً". فنلاحظ من خلال هذا التصريح والأوضاع التي آلت إليها الدولتان، أن هناك تسابقاً نحو الوصول للسيادة الإقليمية في منطقة شمال إفريقيا.
بدورها رحّبت جمهورية مصر العربية بالمشاركة، وتفاعلت مع دعوة الرئيس الجزائري لحضور القمة، إلا أن العلاقات الجزائرية الإثيوبية الجيدة، شكلت بعض الحساسيات، خاصة زيارة رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد للجزائر، بالرغم من أن الجزائر تسعى إلى الوساطة لحل مشكلة سد النهضة، وهذا ما أكده الرئيس الجزائري في تصريحه "إن الوساطة الجزائرية في ملف سد النهضة، لن تتوقف إلا بحلّ". مضيفاً "ليس لنا في القضية لا ناقة ولا جمل، إلا المسعى في تقريب وجهات النظر".
أبو الغيط يؤكد على أهمية ملف الأمن الغذائي
أكد الأمين العام لجامعة الدول العربية، أحمد أبو الغيط، أن التغيرات التي يشهدها العالم الآن، أظهرت الضعف الكبير في المنظومات الاقتصادية العربية، حيث أوضح في كلمته يوم الجمعة، خلال افتتاح أشغال المجلس الاجتماعي والاقتصادي على المستوى الوزاري التحضيري للقمة العربية، أن هذه الأوضاع الراهنة تحتم على الدول العربية العمل المشترك للنهوض بالاقتصاد العربي. فمع تدهور مؤشرات الغذاء العربي بسبب عوامل عدة، منها التضخم وتأثير الحرب في أوكرانيا وأزمة ما بعد الكوفيد، أصبح من الصعب على المواطن شراء المواد الغذائية الأساسية. فحسب مؤشرات الأمن الغذائي العالمي، يتعرض أكثر من 460 ألف شخص في اليمن وجنوب السودان للمجاعة.
حيث أقر البنك الدولي تمويلاً تنموياً بقيمة 500 مليون دولار لتعزيز جهود الأمن الغذائي في مصر، وقرض بقيمة 130 مليون دولار في تونس، لكن هذه التمويلات هي مجرد حلول مؤقتة، وتضع على عاتق من استفاد منها مسؤوليات وديوناً أخرى، هي في غنى عنها.
رغم التحضيرات والتنظيم الجاد من قبل السلطات الجزائرية لضمان نجاح فعاليات هذه القمة، فإن الملفات التي ستطرح في غاية الأهمية والصعوبة، وإن لم توحد الجهود العربية لحلها، ستكون مجرد قمة أخرى تعقد دون أي مردود إيجابي على الدول المشاركة وشعوبها، التي فقدت الأمل من هذا النوع من التجمعات. حتى وإن كان انعقادها في حدّ ذاته نجاحاً للجزائر ولجامعة الدول العربية، ويعبر عن استمرارية سعي الدول العربية لإيجاد حلول على المستوى السياسي والاقتصادي.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.