تشخص الأبصار وتحبس أنفاس الملايين حول العالم، بانتظار 20 نوفمبر/تشرين الثاني 2022، موعد انطلاق كأس العالم قطر 2022. بعد شهر تماماً تعطي "الدوحة" شارة البداية للحدث الرياضي الأبرز في العالم.
فالبطولة يتابعها مئات الملايين، إن لم نقل المليارات، من عشاق الساحرة المستديرة وجماهير المونديال الموسميين، إضافة إلى بعض الفضوليين الذين لا يفقهون شيئاً في الكرة، ولكن تغويهم هذه الحماسة والترقب والانتصارات المعنوية التي تحققها دول وشعوب على دول وشعوب أخرى.
كرة القدم ليست مجرد لعبة، إنها أبعد من ذلك بكثير، إنها "أهم شيء ليس مهماً" كما يقول أريغو ساكي، المدرب الإيطالي الشهير. مقولة نُسبت أيضاً لأحد الفلاسفة الإنجليز، ويوافق عليها الكثيرون ممن يحبون كرة القدم، أو حتى لا تعنيهم تلك "الجلدة المنتفخة"، والتي يجري خلفها اثنان وعشرون لاعباً.
لكن مهلاً، ما الذي سيُميز النسخة الـ22 من كأس العالم، كيف هي الحقائق والأرقام، وما المنتخبات الأفضل فنياً والأقرب على الورق لبلوغ الأدوار النهائية والظفر باللقب الأغلى؟
الاستضافة الأولى لبلد عربي وشرق أوسطي ومسلم
في ديسمبر/كانون الأول 2010، تم اختيار دولة قطر لاستضافة مونديال 2022. لم تحظَ أي نسخة سابقة بكمّ من الجدل والنقاش وإثارة الرأي العام العالمي حول هذا الاختيار. الثابت هنا أنها المرة الأولى التي يختار فيها الاتحاد الدولي لكرة القدم "فيفا" بلداً عربياً وشرق أوسطي ومسلماً للاستضافة، فتارة اتهموا الملف القطري زوراً بالفساد والرشوة، وتارةً أخرى رددوا تهم لا أساس لها من أن الدولة المضيفة أساءت معاملة عمال بناء المنشآت الكروية والبنى التحتية، حتى وصل الأمر خلال السنوات الماضية إلى التهديد والجزم بأن ملف الاستضافة سيُسحب من قطر، وهذا ما لم يحصل. والحقيقة هنا أن أوساط "الفيفا" وبعض الدول المنظّرة في "حقوق الإنسان"، كمن يسكن بيتاً زجاجياً ويرشق الناس بالحجارة.
فالاتحاد الدولي كما الاتحادات القارية والمحلية تفوح منه روائح فساد ورشاوى لا مكان لمناقشتها هنا، والأهم أن عشاق اللعبة الكثر في المنطقة العربية في غرب آسيا وشمال إفريقيا والجوار سيكونون أمام فرصة ذهبية لمشاهدة منتخباتهم المحلية والعالمية ونجومهم المفضليين على ملاعب رائعة ومنشآت أبهرت العالم أجمع في البطولات الدولية والقارية والعربية الرسمية والودية التي لعبت استعداداً واختباراً لجاهزية قطر خلال السنوات الخمس الماضية.
حقائق وأرقام
ستكون النسخة الـ22 من البطولة النسخة الأخيرة بصيغة الـ32 منتخباً، حيث سيرفع عدد الدول المشاركة الـ48 ابتداء من مونديال 2026.
ستلعب هذه النسخة للمرة الأولى في شهر نوفمبر/تشرين الثاني، أي بفصل الخريف في أغلب بقاع الأرض، حيث جرت العادة أن تُلعب البطولة في شهر يونيو/حزيران، عند بداية فصل الصيف وانتهاء المواسم المحلية.
تشارك قطر للمرة الأولى في البطولة، وذلك بتأهلها تلقائياً كونها البلد المستضيف. غير ذلك فجميع المنتخبات المشاركة في هذه النسخة سبقت لها المشاركة ولو لمرة واحدة على الأقل.
تعود كندا للمشاركة في البطولة بعد 36 عاماً من الظهور الأخير، حاجزة أحد مقاعد اتحاد أمريكا الشمالية والوسطى.
تغيب إيطاليا بطلة يورو 2020 عن المسابقة بعد غياب أيضاً عن نسخة 2018. ويعتبر هذا الغياب انتكاسة كبرى للنيرزوري، أحد القوى العظمى وجبابرة كرة القدم، حيث يحمل المنتخب الأزرق أربع كؤوس، متعادلاً مع ألمانيا ومتأخراً بكأس واحدة فقط عن البرازيل، صاحبة الرقم القياسي بخمسة ألقاب.
تغيب أيضاً مصر، التي انتظرت الكثير من الجماهير المصرية والعربية المقيمة في دول الخليج تأهلها، لمشاهدة هذا الجيل بقيادة محمد صلاح للمرة الثانية توالياً بعد روسيا 2018.
المنتخبات العربية
حسناً، لنكن واقعيين، فمجرد وصول أي منتخب لكأس العالم فهو بين أفضل 32 منتخباً في العالم من أصل 211 دولة عضو في الفيفا.
يرفض البعض هذا الواقع، ويرى أننا كعرب لا نحقق أي تقدم ملموس، ونشارك بهدف المشاركة فقط لا غير. وهذا صحيح، لكن واقع الحال أن كرة القدم منذ ثمانينات القرن الماضي أصبحت صناعة بكل ما تحمل الكلمة من معنى، وواقع حال أغلب دولنا العربية من حيث عدم الاستقرار السياسي-الاقتصادي لا يمنحها فرصة الوصول أبعد من ذلك بكثير.
حتى إن صناعة كرة القدم تتشابك فيها عوامل عدة، أهمها المال، ولكنه ليس أوحدها على الإطلاق. فهناك التنشئة الصحيحة في الفئات العمرية، وتطبيق معايير احترافية كاملة في الدوريات المحلية من حيث جدولة المباريات بمواعيد ثابتة، إضافة إلى أنظمة تواقيع اللاعبين، ومثلث الإعلام والإعلان والتسويق. كلها أمور ما زالت تنقصنا إن كان في دوريات شمال إفريقيا أو غرب آسيا.
إلى جانب قطر المضيفة إذاً ستشارك السعودية عن قارة آسيا، والمغرب وتونس عن عرب إفريقيا.
لقد أوقعت القرعة قطر بجانب الإكوادور والسنغال وهولندا في المجموعة الأولى. لن تكون مهمة العنابي سهلة بتاتاً بمواجهة "أسود التيرنغا"، منتخب السنغال، الذي يضم كتيبة شرسة، أبرز أعمدتها ساديو ماني في الهجوم، وكوليبالي في الدفاع، وماندي في حراسة المرمى. والأخير أخرج مصر من التصفيات وأطاح بصلاح في نهائي الأمم الإفريقية.
هولندا من جهتها وإن تراجعت تبقى قوية بقيادة المدير الفني المحنك لويس فان غال.
وتبقى آمال العنابي معلقة بالمباراة الافتتاحية مع الإكوادور، حيث سيفتح الفوز أمامها الطريق لإمكانية تحقيق مفاجأة من خلال خطف نقطة ممكنة من السنغال إن كان رفاق الهيدوس بيومهم وبكامل تركيزهم.
الأخضر السعودي يلعب بالمجموعة الثالثة مع المكسيك وبولندا والأرجنتين. تبدو الأمور بنفس الصعوبة، ولكن الفرق أن مباراة السعوديين الأولى ستكون أمام رفاق ميسي، وهنا تبدو المفاجأة مستبعدة. أما المباراة الثانية فهي مع بولندا، فالمواجهة مع ليفاندوفسكي وحده عنوان كبير، ولكن النقطة ممكنة إن عرف رجال المدرب رينارد استيعاب الليفا، وتبقى المواجهة المتوازنة إلى حد ما مع المكسيك، والتي من الممكن أن تفسح المجال للأخضر بتأهل ثان للدور الثاني بعد أمريكا 1994.
تلعب تونس في المجموعة الرابعة مع بطلة العالم فرنسا، وأستراليا والدنمارك. إن تركنا فرنسا جانباً تبدو الفرصة سانحة لنسور قرطاج أكثر من باقي المنتخبات العربية للوصول إلى الدور الثاني للمرة الأولى في تاريخهم. بالنظر إلى تشكيلات أستراليا والدنمارك، فهي قريبة إلى الأسماء الموجودة في الكتيبة التونسية، من حيث عدد المحترفين في الدوريات الأوروبية أو الدرجات والفرق التي يلعبون لها.
أوقعت القرعة المغرب في المجموعة السادسة رفقة بلجيكا وكندا وكرواتيا، أسود الأطلس، الذين تأهلوا للدور الثاني في مونديال 1986، وقدموا عرضاً محترماً في روسيا 2018، لا تبدو مهمتهم سهلة أبداً. فرفاق ياسين بونو وأشرف حكيمي ويوسف النصيري يجب أن يضمنوا النقاط الثلاث أمام كندا، واللعب على نقطة أمام كرواتيا، وصيفة النسخة السابقة، وثابتة المستوى، أو بلجيكا المعززة بالنجوم، كي يدخلوا بحسابات التأهل.
أبرز المرشحين
ترشيح من سيفوز بكأس العالم هو ضرب من الجنون، فهذه بطولة نظامها مزيج من المجموعات والأدوار الإقصائية، ويحدث فيها الكثير من الإصابات لبعض اللاعبين والبطاقات للاعبين آخرين، لكن هذا كله لا يخرج دائرة "المرشحين الجديين" من كبار الكرة والقوى النووية فيها.
لذا فإن البرازيل بقيادة نيمار وفينيسوس وكازيميرو وأليسون، تبدو مرشحة وبقوة لبلوغ المربع الذهبي.
كذلك فرنسا الثابتة والمدججة بالنجوم، على رأسهم العائد، صاحب جائزة أفضل لاعب في العالم لعام 2022 كريم بنزيمة.
أما البطاقتان الأخيرتان في نصف النهائي فستتراوحان بين 4 منتخبات على الأرجح وهي: البرتغال، بلجيكا، ألمانيا، وإنجلترا.
على أمل أن تحقق هذه الاستضافة- وهذا المتوقع- كل النجاح والإبهار؛ كي تثبت قطر والمنطقة العربية قدرتها على التنظيم وشغفها بالكرة أو "اللعبة الجميلة".
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.