إخفاقات النظام الحاكم في مصر على مستوى الإدارة السياسية والتوزيع العادل للثروة والموارد، وغياب التخطيط ودراسات الجدوى وتنفيذ مشاريع بطريقة عشوائية أو لـ"رفع الروح المعنوية"، لم تعد تخفى على أحد.
بحكم إقامتي في ألمانيا واهتمامي بالسياسة، فإنني على اطلاع عن كثب على ما تكتبه وتنقله وسائل الإعلام الألمانية عن مصر، فقد قرأت ما كُتب في الصحف السياسية الألمانية وما تناولته المواقع الإخبارية عن تلك الكوارث الإدارية، ولقد تناولت مؤخراً مواضيع تتعلق بمشاريع غير مجدية تم تنفيذها في مصر، كلّفت الدولة المصرية والشعب مبالغ طائلة؛ مما زاد من الدين العام وورط الدولة المصرية في ديون لا حصر لها لربما تعجز عن سدادها.
نشر التليفزيون الألماني في البرنامج الإخباري "Tagesschau"، وهو من أهم البرامج وأكثرها متابعة في ألمانيا، تقريراً عن "العاصمة الإدارية الجديدة" تحت عنوان: "مدينة أشباح على أبواب القاهرة: المدينة المصرية الجديدة الضخمة".
بدأ التقرير بمشهد أهرامات الجيزة والذي خلاله أشار إليه الإعلامي الألماني، موضحاً أنه على ما يبدو أن هذه الأهرامات قد بناها القدماء المصريون لتخلد ذكراهم إلى الأبد حتى بعد موتهم بآلاف السنين، والتي أصبح موقعها ينكمش بسبب التكدس السكاني حولها والذي وصل بالعاصمة القاهرة أن تصل إلى حد الانفجار السكاني. ليراود المسؤولين حلم إنشاء عاصمة جديدة للحكومة المصرية والتي تم إنشاؤها في قلب الصحراء وعلى أطراف القاهرة.
لكن أحلام صاحب السلطة الحالي في مصر في عاصمته الجديدة بدأت تتبخر وتحفها الشكوك والتي لها أسبابها، وكما يوضح ذلك مراسل القناة الإخبارية هناك دانيل هيشلير.
هنا ظهر مشهد تسجيلي ومراسل القناة في طريقه إلى العاصمة الجديدة، موضحاً أن مشروع مدينة المليون الضخمة التي تبعد 60 كيلومتراً من القاهرة والتي يتم تشييدها في رمال الصحراء وعلى مدار سبعة أعوام. إنها الصور الجديدة لعاصمة مصر الجديدة، بنيت بسخاء شديد، عملاقة وبصورة مبالغ فيها، تحوي أحياء للحكومة وأخرى للمسكن، 2000 مدرسة، 600 مصحة، 8 جامعات، وذلك لـ 6.5 مليون نسمة من أجل تخفيف العبء عن القاهرة، ولكن ومن الواضح أن المساكن والفلل فيها ليس في مقدور إلا الأقلية اقتناؤها؛ لذا لا يوجد أي دلائل على الإقبال عليها، فهناك أحياء كاملة قد اكتمل بناؤها ولكن لم يقطنها غير 5 أشخاص فقط، كذلك المتاجر والمحلات.
هذا المشروع المرموق والذي شيده السيسي للتفاخر قد أهدر 60 مليار يورو، أموالاً يعتبرها النقاد أنها غُرِسَت في الرمال.
الرغبة في الخلود
يشير التقرير أيضاً إلى مرض العظمة والرغبة في الخلود الذي يصيب أهل السلطة منذ تاريخ الفراعنة، وذلك عندما ربط بين صرح الأهرامات وبين العاصمة الجديدة، ولنا في جمال عبد الناصر مثال على ذلك والذي كان يبحث عن زعامة الأمة العربية.
ولكننا لا ندرى، أهو مرض عظمة فعلاً، أم هو مشروع ممنهج مقصود لتبديد أموال الدولة وإغراقها في الديون على مشاريع غير إنتاجية تمثل عبئاً على الدول وتقوّض اقتصادها، لتدفعها لبيع أصولها الثابتة والتفريط في ثرواتها.
كلها أخطاء يُسأل عنها الجميع وليست القيادة السياسية فقط، لأن من الواضح أن هناك شريحة ليست بالقليلة من الشركات الإنشائية سواء كانت تابعة لبعض الجنرالات في الدولة أو بعض رجال الأعمال أو من هم في السلطة (وهؤلاء من نطلق عليهم مراكز القوى) والذين قد يكون للبعض منهم مصالح تربطهم بالخارج، قد شاركت في تلك المشاريع وحققت أرباحاً طائلة من ورائها وكوّنت ثروات ضخمة منها.
إنه الفساد أيها السادة
إنهم يبنون لأنفسهم وليس للشعب، ويشيّدون ما في خيالهم من أحلام خاصة بعيدة عن أحلام المواطن، وينسجون من أموال الشعب بساطهم الحريري المرصع بالجواهر تاركينه للمجهول غارقاً في الفقر لا يجد حتى قطعة الخبز اليابسة التي ربما لا تسد حتى رمق الجوع الذي يعانيه هو وأولاده.
إنه الفساد أيها السادة والذي تمكن من جسد الدولة وأضعفها وقوض دعائمها. أموال طائلة تُهدر وآثار يتم تهريب جزء منها للخارج لتحرم منها الدولة المصرية، وبهكذا أداء اقتصادي مترهل تتفاقم الديون، ويتحمل أعباء تسديدها الشعب المصري. أموال تم الاستيلاء عليها وتبديدها من قبل فئات قليلة في البلاد.
حقيقة، نحن في أزمة عصيبة، والذي سوف يدفع الثمن هو المواطن.
كل ذلك يوضح التوجه السائد الآن في العبث بالمال العام وإغراق الدولة في الديون، بجانب انتهاكات مبادئ حقوق الإنسان الدولية، خصوصاً في باب الحريات والعدالة، بجانب الحكم بالأسلوب التسلّطي.
استفراد وتحكم أصحاب النفوذ والسلطة في مستقبل دولة بأكملها بعد تغييب القانون وضد إرادة ومستقبل الوطن والمواطن مع تفشي الفساد، هي السمة السائدة والمنهج المتبع في البلاد، ومن يحاول الخروج عن ذلك معترضاً أو يطالب بحقوقه في المواطنة الكاملة في بلده، يتم التنكيل به.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.