روسيا تبني والمغرب يوجه “رسائل نووية”.. ما وراء إنشاء موسكو محطة نووية للرباط؟

عربي بوست
تم النشر: 2022/10/16 الساعة 10:14 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/10/16 الساعة 10:16 بتوقيت غرينتش

تثار أسئلة كثيرة حول خلفيات اتفاقية التعاون التي أبرمتها الرباط مع موسكو من أجل إنشاء محطة للطاقة النووية، وتحسين البنية التحتية للطاقة النووية في المغرب، وما إذا كانت ترمز إلى تقدم استراتيجي في العلاقات المغربية الروسية، أم أنها تندرج ضمن أوراق إدارة التوتر مع باريس على خلفية واقع الجمود الذي تعرفه العلاقات الفرنسية المغربية، لاسيما بعد توجه الرئيس الفرنسي إلى تعميق الشراكة مع الجزائر على حساب المغرب؟

الاتفاق المبرم بين الطرفين ليس طارئاً، فهو في الجوهر تتمة لمسار ابتدأ منذ سنة 2016، أي منذ زيارة الملك محمد السادس لموسكو، إذ تم توقيع مسودة اتفاقية سابقة بين البلدين للتعاون في مجال استخدام الطاقة النووية حسب ما أفادت به المصادر الحكومية الرسمية المغربية والروسية، تشمل مساعدة للمغرب للتنقيب عن رواسب اليورانيوم وتطويرها ودراسة قاعدة الموارد المعدنية في البلاد، ودعم تشييد محطة نووية وتحسين البنية التحتية للطاقة النووية، وتصميم وبناء المفاعلات النووية، وتدريب الكوادر العاملة في محطات الطاقة النووية.

ما دلالات هذه الخطوة؟

المعطيات المتعلقة بملف الطاقة النووية في المغرب تؤكد أن هذا المجال لم يكن خلواً من أي تراكم، فقد سبق أن أسس المغرب سنة 1986 المركز المغربي للطاقة والعلوم والتقنيات النووية بقصد تمكين البلاد من استخدام الطاقة النووية للأغراض السلمية في المجالات العلمية والطبية والصناعية والزراعية إلى جانب مواكبة التقدم العلمي، وقد أبرم اتفاقاً مع واشنطن في هذا السياق، وتمكن من بناء مفاعل تجريبي في غابة المعمورة، غير أن سياق التعاون المغربي الأمريكي في هذا المجال اصطدم بانتهاء مدة العقد دون تجديده.

البعض نظر إلى هذه الخطوة الجريئة (اتفاقية بناء موسكو للمحطة النووية بالمغرب) بطريقة مختلفة، مستبعداً أن يكون المغرب قد اختار هذه الورقة للجواب عن فرنسا، وتدبيره توتره المنخفض السقف معها، ويفسر الأمر بوجود استراتيجية مغربية لزيادة الاعتماد على مصادر الطاقة المتجددة، ومنها بناء مفاعلات نووية يستفاد منها في توليد الكهرباء وفي أغراض سلمية أخرى، وأن التعاون في الأصل كان مع فرنسا، وأن تردد فرنسا في هذا الاتجاه بسبب حرصها على التوازن في إدارة الموقف مع الرباط والجزائر، هو الذي دفع المغرب إلى البحث عن خيارات أخرى.

لكن إذا كان الأمر بهذا النحو، فلماذا اختيار روسيا بالذات، وفي هذه الظرفية الحساسة، التي تحمل فيها هذه الخطوة دلالات سياسية ودبلوماسية كبيرة؟

المعطيات المتعلقة بتاريخية العلاقة بين المغرب وروسيا تشير إلى سنة 2016، كنقطة تحول مفصلية، إذ عرفت زيارة الملك محمد السادس لموسكو طفرة مهمة في التعاون الاقتصادي والتجاري بين البلدين،  فقد أخذت هذه العلاقة بهذه الزيارة أبعاداً سياسية واستراتيجية، إذ وقّع الطرفان بعدها 11 اتفاقية بالرباط، شملت مجالات الطاقة والصناعة والزراعة، وارتفع بذلك حجم التبادل التجاري بين البلدين من نحو 200 مليون دولار فقط سنة 2001 إلى 2.5 مليار دولار في عام 2016، فأصبحت روسيا تحتل المرتبة التاسعة في قائمة الدول المصدرة للمغرب، والمرتبة الـ22 في قائمة المستوردين منه، حتى أضحى المغرب يشكل الشريك الاقتصادي الإفريقي الأول لروسيا (تضاعف حجم التبادل التجاري بين البلدين 15 مرة)، وكان الترتيب جارياً بعد القمة الروسية الإفريقية لتوقيع اتفاقية التجارة الحرة بين البلدين.

الموقف المغربي من الحرب الروسية

وإذا كانت هذه المعطيات تخص فترة ما قبل الحرب الروسية على أوكرانيا، فإن الفترة التي جاءت بعدها، حملت معها مؤشرات الحرص من الطرفين على تطوير العلاقة وإيصالها إلى مستويات استراتيجية متقدمة.

المغرب لم ينظر إلى الموقف الروسي من قرار مجلس الأمن 2602 حول نزاع الصحراء (سنة 2021) على أساس أنه معادٍ لمصالحه الحيوية، بل اعتبر الامتناع عن التصويت رداً على واشنطن أكثر منه مواجهة للرباط. دليل ذلك، أن الخارجية الروسية أصدرت بلاغاً تكذيبياً لما نشرته وسائل إعلام جزائرية ادعت أن موقف روسيا يعكس توتر العلاقات بين موسكو والرباط، واعتبرت الخارجية الروسية هذه القصاصات كاذبة تتضمن تلاعباً بالحقائق، وتعكس خيالات وتمنيات أكثر ما تعكس واقعاً موضوعياً.

الموقف المغربي من الحرب الروسية على أوكرانيا اتسم بكثير من الحذر، والمزاوجة بين البعد المبدئي (وحدة أراضي أوكرانيا)، والبعد السياسي (عدم الاصطفاف مع واشنطن وبروكسيل في إدانة روسيا، واختيار الحياد مع التأكيد على دور التفاوض السياسي في حل الصراع).

المؤشر الأكبر على ذلك، عدم مشاركة المغرب في التصويت في الجمعية العامة للأمم المتحدة على قرار إدانة العملية العسكرية التي تشنها روسيا على أوكرانيا في مارس الماضي.

الموقف أثار تساؤلات عدة، لاسيما وأن المغرب يعتبر حليفا استراتيجيا لواشنطن. وزارة الخارجية المغربية اعتبرت أن قرارها لا يمكن أن يكون موضوع أي تأويل، لاسيما وأنها سبقت وان أوضحت موقفها المبدئي من هذه الحرب في فبراير 2022، وعبرت عن قلقها من تطور التصعيد العسكري وشددت على احترام سياسة الدول، ودعت إلى تسوية النزاعات بين البلدين بالطرق السلمية 

مؤشرات اطراد العلاقة، وحرص الطرفين عليها، لم تتوقف عند هذا الحد، بل اتخذت موسكو قرارا سريعا بإعفاء سفيرها في الجزائر بعد إصداره تصريحات مستفزة للمغرب بخصوص نزاع الصحراء، وتعيين سفيرها في الرباط سفيرا لها في الجزائر، مع تعيين الرجل الثاني في سفارتها في واشنطن سفيرا لها بالرباط.

البعض يدرج مؤشرا مربكا، يتعلق بتصويت المغرب في الجمعية العام للأمم المتحدة لصالح قرار إدانة ضم روسيا للأقاليم الأربعة، لكن في الواقع، هذا الموقف من الرباط، لا يمثل حالة منفردة، فتركيا التي تعرف مستويات عالية من العلاقات مع موسكو هذه الشهور، هي الأخرى اتخذت نفس الموقف، ودول الخليج أيضاً تبنت الموقف نفسه، ولم تستطع الدول الحليفة لموسكو، ومنها الجزائر، أن تصوت ضد القرار، بل تبنت موقف الامتناع.

هذه المعطيات الكثيفة، والتي تعكس مؤشرات اطراد العلاقة بين الطرفين وحرصهما على تثمينها وتعميقها، لا تقدم تفسيرا للخطوة المغربية الجريئة، إذ أقصى ما يمكن أن تعبر عنه، هو وصول العلاقة بين الطرفين لمستويات عليا، أو تجاوزها لحاجز الانتظار والتردد الذي كان يسودها لاسيما في بعض الملفات مثل ملف الطاقة.

الواقع أن فهم هذا التطور في موقف المغرب، ينبغي أن يقرأ ضمن حزمة من القرارات الاستراتيجية التي أقدم عليها مؤخراً، منها اعتماد فاعلين دوليين آخرين في ملفات حيوية تخص البنية التحتية (الصين والقطار الفائق السرعة بين الدار البيضاء وأكادير)، والتوجه نحو إسبانيا لشراء سفينة حربية (أبرم عقد الاقتراض من البنك الإسباني لشراء هذه لسفينة في 31 غشت 2021)،  وتوقيع إدارة الدفاع الوطني  المغربي وشركة "لوكهيد مارتن" الأمريكية اتفاقا عسكريا لبناء وحدة صناعية على مساحة 15 ألف متر مربع بضواحي قاعدة بنسليمان الجوية، لصيانة وتطوير طائرات القوات المسلحة الملكية (وقع الاتفاق في أبريل  الماضي)، وإبرام المغرب مع شـركـات الـدفـاع الإسرائيلية صفقة لبناء مصنعين لطائرات بدون طيار تستعمل لجمع المعلومات الاستخبارية بتكلفة منخفضة نسبيا.

هذه المعطيات الكثيفة التي حصلت كلها في السنة الجارية، تكشف غياب فرنسا التي كانت تمثل الشريك التقليدي للمغرب، وتبين من جهة أخرى، سياسة تنويع الشركاء التي لجأ إليها المغرب في إدارة التوتر مع باريس.

الخلاصة

التقدير أن الاتفاق الذي أبرمته موسكو مع المغرب لبناء محطة نووية، يحمل دلالات كثيرة، لا تتوجه كلها إلى فرنسا، بل تحمل معها رسائل أخرى إلى الجزائر، فالرباط من خلال هذه الخطوة، تريد أن تبعث رسالة إلى الجزائر بأن عهد الاستفراد بالحليف الروسي قد ولى، وأنها تملك أوراقا، ليس فقط لتحييد موقف موسكو في نزاع الصحراء، ولكن، لجعله يميل إلى المقاربة المغربية، كما يوجه رسالة مقابلة إلى فرنسا، بأن الخيارات المتاحة أمام المغرب كثيرة، ليس فقط للاستغناء عن خدمات فرنسا، بل لمحاصرتها ودفعها لخسران  امتيازات لها في المغرب كانت تعتبر أنها تقليدية غير قابلة للانتزاع، والضغط عليها لمراجعة  نظرتها للعلاقة معه الرباط.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: opinions@arabicpost.net

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

بلال التليدي
كاتب ومحلل سياسي مغربي
كاتب ومحلل سياسي مغربي