كتبت منذ فترة منشوراً على فيسبوك عن النظام الصحي في ألمانيا بعد ليلة قضيتها في طوارئ أحد المشافي، بعدما تعرض ابني لقرصة حشرة فانتفخت يده مباشرة، وظل يصرخ من الألم.
وعند ذهابنا إلى الطوارئ لم يأتِ أحد لفحصه إلا بعد ساعة ونصف. كان منشوراً تلقائياً، لكنني وجدت تعليقات من الأصدقاء عن المواقف المشابهة التي تعرضوا لها خلال إقامتهم في ألمانيا، وذكر آخرون مواقف في دول أوروبية أخرى.
في معظم دول أوروبا يحصل الجميع على رعاية طبية، فالجميع يُقتطَع جزء من راتبه من أجل التأمين الصحي، وبالتالي تستطيع إجراء معظم الفحوصات والعروض الطبية دون الحاجة للدفع الفوري، وأيضاً يتحمل التأمين معظم التكلفة مهما تطلب الأمر، سواء إقامة في مشفى أو عمليات جراحية. وهذا بالطبع ميزة كبيرة مقارنة ببلادنا، ففي مصر- على سبيل المثال- لا يملك الجميع رفاهية الحصول على تأمين صحي، لكن الأزمة في النظام الصحي في أوروبا هي البيروقراطية الشديدة واستغراق الإجراءات الطبية وقتاً طويلاً للغاية، قد تتدهور حالة المريض إلى وضع خطير أثناءها.
ففي العام الماضي كنت قد تعرضت لأزمة صحية كبيرة، وآلام مبرحة، مع كل نوبة ألم كنت أظن أنني لن أرى نهار اليوم التالي. اتصلت في إحدى الليالي بالإسعاف، جاء المسعف، رفض أن يتحدث الإنجليزية قائلاً نحن هنا في ألمانيا، طلب مني الذهاب معهم إلى المستشفى، لم أكن أملك رفاهية الذهاب لأني كنت وحدي مع أولادي الصغار. في اليوم التالي ذهبت للطبيبة التي أخبرتني- دون أن تجري أي إجراء أو فحص- أنني أتعرض لضغوط نفسية وأنها هي سبب ذلك الألم. ونصحتني النصيحة الأكثر شهرة بين الأطباء في ألمانيا: بأن أشرب ماءً كثيراً وأمارس اليوغا.
حاولت بعد أخذ موعد عند طبيبة أخرى، كان أول موعد متاح بعد شهرين، في الفحص أخبرتني الطبيبة أن الحالة تتطلب أحد الفحوصات الطبية العاجلة، وكان أول موعد متاح بعد ثلاثة أشهر. ليكتشف الطبيب أنني أعاني من مشكلة صحية كبيرة قد تحتاج لعملية جراحية، والتي لم أجد أحداً يساعدني في علاجها؛ بسبب ندرة المواعيد، ولجأت إلى طبيب مصري غير مقيم بألمانيا، يشتكي الجميع من المواعيد المتأخرة جداً وغير المنطقية، إلى جانب أن أطباء كثراً لا يقبلون المرضى الجدد لامتلاء جدول المواعيد لديهم.
البحث عن طبيب يقبلك بغض النظر عن كفاءته ثم الحصول على موعد، من التحديات التي تواجه أي مريض هنا، فعلى سبيل المثال استغرق تسجيل أولادي عند طبيب أطفال تسعة أشهر في انتظار موعد الفحص الأول.
والبديل عن انتظار ذلك الموعد هو الذهاب إلى الطوارئ، التي ستنتظر فيها وقتاً طويلاً جداً، عدة ساعات تصل أحياناً إلى خمس أو ست ساعات، ثم يفحصك الطبيب الذي يخبرك في أغلب الأحوال أن تذهب لطبيب الأسرة الذي أنت مسجل لديه. أو أن تطلب الرقم المختص بالخدمات الطبية والذي سيرسل إليك طبيباً إلى المنزل والذي يكون في الغالب طبيباً عاماً ولا يعطي رأياً متخصصاً.
على الرغم من تشابه النظام الصحي بين فرنسا وألمانيا إلا أن شكاوى المرضى في ألمانيا أكثر من فرنسا، وتجربتي الشخصية كانت سلبية إلى حد كبير في ألمانيا.
يرجع البعض السبب في ندرة المواعيد وبعدها إلى قلة عدد الأطباء المختصين في ألمانيا، بينما يرجع بعض الأطباء السبب إلى عدة أسباب أهمها قيام الطبيب بمعظم المهام الكتابية، والأعمال البيروقراطية التي تتطلب وقتاً طويلاً من كتابة التقارير وتعديلها. إلى جانب الاهتمام بالأبحاث والدراسات والنشر في المجلات العلمية على حساب التدريب العملي للأطباء.
وبينما يقول المختصون إن هناك نقصاً في عدد الأطباء والوظائف، تزداد تعقيدات الحصول على المعادلة الألمانية وتصريح العمل للأطباء الأجانب.
يظل النظام الصحى في أوروبا أكثر كفاءة من النظام الصحي في بلادنا، لتوافر الإمكانيات الطبية ووجود نظام تأمين صحي ورعاية طبية قوية، بينما يتفوق النظام الصحي في مصر بكفاءة الأطباء وإبداعهم وكونهم غير نمطيين في اتخاذ خطوات التشخيص والعلاج وخصوصاً الجراحات المتخصصة. في أوروبا يحترم الطبيب ومهما كان هناك ضغط على النظام الصحي وعمل الأطباء ساعات عمل إضافية إلا أنه لا يقارن بالنظام في مصر الذي يموت فيه الأطباء من ضغط العمل المتواصل دون تقدير مادي مناسب.
ما أفعله لتجاوز تعقيدات ذلك النظام، هو محاولة علاج أطفالي طالما كان الأمر بسيطاً في البيت؛ كوني طبيبة أسنان وزوجة طبيب، ثم إذا ازداد الأمر سوءاً ولم أستطِع الحصول على موعد عاجل مع طبيب الأطفال أقوم بالاتصال بالخدمات الطبية لإرسال طبيب إلى البيت. وألجأ إلى المعالجة أونلاين مع أطباء مصريين في مصر في التخصصات التي تسمح بذلك مثل الدعم النفسي.
بين نظام مدعوم بالإمكانيات دون كفاءات ونظام يمتلئ بكفاءات بشرية لا يتم تقديرها، يبحث المرء عن ضالته في العلاج.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.