هاتفني أحد المعارف يتكلم باستحياء قائلاً: لا أعرف كيف أبدأ حديثي معك، لكني لجأت إليك بعدما ضاقت بي السبل ووصلت إلى جدار سد..!
كنت صامتة ومتفاجئة، لا أريد مقاطعته، لكني أتساءل بيني وبين نفسي إذن.. ماذا بعد؟ فأنا لا أحب المقدمات الطويلة في الأحاديث التي تأتي بغتة من الرفقاء أو المعارف.
حسناً لقد استكمل حديثه قائلاً "أريد منك مساعدتي في التدخل لحل مشكلة شخصية بيني وبين زوجتي، فلقد غادرت منزلنا منذ ثلاثة أشهر، لكن هذه المرة تبدو أنها الأخيرة، واضح أنها لا تنوي العودة أبداً".
وبدأ يسترسل حديثه بصوت متقطع، يكاد يختنق من الحزن، قائلاً: "رغم طول السنوات بيننا، وعشرة العمر، لكني لا أعرف قيمتها سوى الآن، عندما بدأت أشعر بخسارتها بشكل حقيقي". ويقول "لقد كابرت كثيراً، وحاولت الزواج من أخرى، لكني لم أفلح أبداً في تجاوز الأمر، لقد شعرت الآن كم أحبها، ولا أستطيع الاستغناء عنها، أو العيش دونها".
إنها كلمات سمعناها كثيراً في سيناريوهات عدة، لكني أكاد أجزم بأنني أسمعها كأنها المرة الأولى، فلقد نُطقت هذه الكلمات ممتزجة بشعور القهر والتخبّط.
فلقد وصلني شعوره كطفل بالكاد يتمتم كلماته، يشعر بالتيه والضياع، كمن فقد أمه في طريق وعرة.
قاطعته وقلت له من باب ألا يفقد الأمل نهائياً: لا عليك.. أظن أنها ليست المرة الأولى، فلقد أخبرتني ذات مرة في حديث عابر أنها غادرت المنزل كثيراً، ولكنها سرعان ما تعود إلى منزلها وأبنائها بعد فترة وجيزة. أشدد على كلماتي التى غلبتها الخيبة، ربما تعود هذه المرة في نهاية المطاف، لكن عليك ألا تيأس من المحاولة معها.
وبعد حديث تخلله توسلات وحزن وندم وخوف من الطلاق، كغريق تعلّق بقشة، وعدته أن أحاول قدر المستطاع.
وسرعان ما تواصلت معها، لكنها رفضت الإنصات لي، ثم تملّكها الغضب، وقالت إنها لا تريد الحديث في هذا الموضوع على الإطلاق، وإنها قد اتخذت قرارها، والآن تسعى للطلاق، بالمقابل التنازل عن كافة حقوقها.
شعرت بالعجز من استكمال الحديث معها أو محاولة إقناعها، فلقد عشت هذه التجربة سابقاً عندما قررت الانفصال، فشعور المرأة عند اتخاذها قرار الرحيل لا يوصف.
سألتها سؤالي الروتيني، لربما أحرك بها ساكناً، والذي أدرك في قرارة نفسي أنه لن يغيّر شيئاً عند امرأة وصلت إلى هذا الحد.. ماذا عن الأبناء؟ أجابتني "يعتبروني ميتة".
كنت أعرف جيداً أن محاولة إقناع امرأة بالرجوع عن قرار الطلاق بعد أن وصل بها الحال أن تشتري نفسها وراحتها وكرامتها هو أمر أشبه بالمستحيل.
ودائماً ما يلوم المجتمع المرأة المطلقة.. بسؤال سخيف "هل بعد هذا العمر تفكرين بالطلاق؟".
لا يا سادة! ليس بعد العمر الطويل والعشرة تفكر بالطلاق إنه بعد الصبر مراراً وتكراراً على أشياء كثيرة، بعد صبرها على الإهمال، وبعد صبرها على الفقر.. بعد صبرها على البخل.. بعد تحمّلها ألم الفقدان والغياب لساعات طويلة.. بعد صبرها على تفاصيل ما لا تستطيع تحمّله الجبال صبراً.. ولكن عندما لم يتبقّ منها سوى امرأة انطفأت.. سوى روح باهتة وقلب منكسر.. تحاول أن تلملم نفسها وتحافظ على ما تبقى من كرامتها.. لكي تشعر لمرة واحدة أنها إنسانة.
رسالتي إلى الرجل.. لا تدع إهمالك وانخراطك بالحياة وضمانك لوجود زوجتك يصل بك إلى خسارتها.
المرأة يا عزيزي الرجل إذا عزمت على الرحيل تصبح كرماد في مهب الريح.. المرأة إن غادرت لا تعود أبداً.. ليس لأنّها لم تعد تملك شيئاً لتُعطيك إياه.. بل هي ترحل إذا أعطتك الكثير ولم يُؤثر بك… فلا يوجد أقسى من رحيل المرأة حتى وإن عادت وأشفقت عليك، فإنها تعود امرأة أخرى، ليس لها علاقة بتلك المرأة التي كانت تعشقك يوماً"!
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.