"لم أتمنَّ أن أهزم أحداً طوال حياتي أكثر من أخي"
الجملة التي قرأتها في الأعلى، قالها جابرييل ميليتو في حق شقيقه دييجو ميليتو، والجملة تعود إلى قصة بعيدة، دييجو كان الأكبر بسنة واحدة، لكن جابرييل اشتهر قبله، كانت الأسرة بوجود الوالد خورخي والوالدة ميرثا، تُشجع فريق راسينج، والمشكلة أن جابرييل كان كابتن فريق إندبيندينتي، الغريم في المدينة نفسها.
كانت جماهير كل فريق تحاول استفزاز الشقيقين وتردد شعار "لدينا ميليتو الأصلي، ميليتو واحد فقط".
وفي ديربي الأفيلانادا، في عام 2003، مهاجم راسينج كان في طور هجمة مرتدة حينما عرقله كابتن إندبيندينتي، جابرييل ميليتو، وأول لاعب ركض ناحية الحكم يطالبه بإشهار البطاقة الحمراء، كان شقيقه، دييجو ميليتو.
الحكم، للصدفة البحتة، كان هوراكيو إيليزوند، حكم نهائي كأس العالم سنة 2006 الذي طرد زيدان، وللصدفة الأهم، هوراكيو كان معلم التربية البدنية للشقيقين في المدرسة.
وبسبب احتجاج دييجو، جابرييل حاول ضربه، وتدخل هوراكيو بينهما لمنعهما من التشاجر، وفي الوقت الذي اعتزل فيه دييجو ميليتو سنة 2016، كان جابرييل يتم إعلانه رسمياً مدرباً لإندبيندينتي، وفي تصريح قديم، دييجو قال إنهما كانا يعلنان الحرب على بعضهما كلما سنحت الفرصة لكي يتلاقيا بأقمصة مختلفة، ولم يحبا بعضهما أبداً طوال مسيرتهما.
والعداوة في الحياة قد تصل بك إلى أن تقابل شقيقك، وتتنافس معه لنيل اللقب نفسه، ومحمد ومروان الشوربجي قصتهما أغرب من أن توجز في فقرة.
ببساطة لأن محمد الشوربجي قرر تمثيل إنجلترا في منافسات الإسكواش العالمية، ليتقابل مع شقيقه مروان الشوربجي في بطولة نيتويست المفتوحة للتنس في أمريكا، وتنتهي المواجهة بانتصار الإنجليزي محمد الشوربجي على حساب شقيقه المصري مروان الشوربجي.
وقد يكون في الأمر غرابة، ربما لو كان مروان لاعباً لوادي دجلة ومحمد لاعباً للأهلي لكان الأمر منطقياً، كونهما يتنافسان بأقمصة مختلفة لكن بشارة الوطن نفسه.
لكن أن يقف شقيقك أمامك، حاملاً جنسية لم ينشأ في أرضها، ولم يتربّ في شوارعها؛ لهو أمر غريب، وهو ليس غريباً جداً بالنسبة لمتابعي الرياضات بشكل عام.
ففي كرة القدم مثلاً الأمثلة لا تعد ولا تحصى، وعلى رأسها بالتأكيد كيفين برينس بواتينج وشقيقه جيروم بواتينج، اللذان خرجا من رحم غانا، واختار جيروم أن يُمثل ألمانيا وأن يقف في وجه شقيقه كيفن في منافسات مثل كأس العالم، هذا بقميص ألمانيا، وذاك بقميص غانا.
وبعيداً عن الأسباب الأسرية، ففي العالم دوافع وأهداف أكبر، وهو ما جعل تولانت وجرانيت تشاكا يواجهان بعضهما في منافسات مثل يورو 2016، والسبب يعود إلى والدهما رجب تشاكا الذي تسبب في ولادة أحدهما في أرض غير التي وُلد فيها أخوه بسبب مواقفه السياسية.
المعاناة المستمرة
السخرية من كل ما هو عربي هو أمر تقليدي وطبيعي لدى العرب، في أي رياضة، خصوصاً خلال الأولمبياد الماضي، والتي شهدت وجوداً كثيفاً لممثلين عرب فيها، والأمر لم يكن مقبولاً بالمرة ووصل إلى درجة السخافة.
هؤلاء ينافسون أمام خصوم أجهز منهم في كل شيء تقريباً، أبطال تُوفر لهم بلدانهم كافة سُبل الرعاية والدعم لخلقهم أبطالاً وجعلهم يحصدون الذهب والفضة في أية منافسة يدخلونها.
البطل المصري في رياضة رفع الأثقال محمد إيهاب، منذ 7 أو 8 سنوات على سبيل المثال، كان يستأجر شقة في شارع فيصل بالجيزة، وكان يرفع الثقل الذي تشاهده على الشاشة في أية منافسة، بمفرده، ويضعه بمنتهى الهدوء عكس ما تراه على الشاشة نفسها بعد أن يفرغ اللاعب من الحمل يُلقي بالوزن على الأرض.
والسبب الغريب، والذي دفع محمد إيهاب لفعل ذلك؛ هو أن المبنى الذي كان يسكن فيه، كان آيلاً للسقوط.
وأمثلة أكثر لأبطال عرب ومصريين كانت السخرية منهم، أو محاولة زجهم في إطار كوميدي لا يليق بكم الكفاح الذي يبذلونه ليصلوا إلى الأولمبياد، وبعضهم يقف على منصة التتويج، وكان للبطلات المصريات نصيب لا يستهان به من الميداليات تكريماً لهن.
بطل لم ينل التقدير إلا بعد سنوات من العناء
أنت لا تعرف باسم أمين؟ باسم أمين ربما ذاع صيته منذ سنتين بسبب قصة كتبتها عنه على موقع التواصل الاجتماعي فيس بوك، ثم نال البطل المصري ما يستحقه من الثناء والمدح.
باسم أمين، هو أول مصري وعربي وإفريقي، يحصل على لقب السوبر جراند ماستر، أعلى ألقاب الشطرنج، وكذلك أول مصري وعربي وإفريقي يدخل في تصنيف أفضل 100 لاعب في الشطرنج على مستوى العالم.
باسم حصل على مجموع 104% في الثانوية العامة، ثم التحق بكلية الطب، في السنة الثالثة تعنتوا معه؛ لأنه كان يخوض غمار بطولة العالم للشباب أثناء فترة الامتحانات، وهذا ما اضطره لإعادة السنة دون الحصول على امتيازات التفوق الرياضي في ذلك الوقت.
ثم تخرج باسم، تخرج من كلية الطب بعدما حاول بشتى الطرق أن يُوفق بينها وبين هوايته التي يمتاز فيها على معظم لاعبي العالم، وبمجرد أن استلم شهادته قرر أن يستقيل من وزارة الصحة ويتفرغ بالكامل للعبته المفضلة: الشطرنج.
وباسم أمين ليس رجلاً عادياً على الإطلاق، هو الرجل الحاصل على الجراند ماستر، والسوبر جراند ماستر، وتعادل مع المصنف الأول عالمياً، وفاز على المصنف الثاني والثالث والرابع، وانتصر على بطل العالم السابق مرتين.
وباسم لم يكن يرغب إلا أن ينجح في مصر، مهما كانت الإغراءات خارجها، لدرجة أنه عُرض عليه التجنيس لأمريكا لكنه رفض.
ولعب باسم دون مقابل ممثلاً منتخب مصر أولاً ونفسه ثانياً في محافل كبرى، حتى دون مكافآت، وكذلك دون راتب لتفوقه في تلك اللعبة، وفي الوقت نفسه كان يواجه أبطال العالم، والجملة قد توحي بالنشوة والتفوق لكنها أبعد من ذلك.
أبطال العالم كان لديهم: مدرب، مساعد شخصي، اختصاصي بدني، فريق عمل كامل، وباسم لم يكن لديه مدرب واحد على الأقل، كان بمفرده في كل شيء وفي كافة الظروف وأمام كل هؤلاء ومعهم الظروف.
وقصة المدرب البدني، والتي قد تكون غريبة للكثير، شرحها الرجل لي، وأخبرني أن اللعبة الواحدة في الشطرنج قد تستمر من 6 لـ8 ساعات حسب النظام المتبع في كل بطولة، وأحياناً تُلعب جولتان في اليوم نفسه إذا كان النظام المتبع هو 6 ساعات.
والبطولة عادة ما تكون مكونة من 9 مباريات كاملة، وبعد كل مباراة يقف بجوار كل بطل عالم مدرب بدني يحلل أداءه في المباراة ويقف على الأخطاء لتصحيحها تحسباً للمباراة القادمة.
وهو ما يغني اللاعب نفسه عن تحضير كل هذه الأمور بنفسه، بالتالي فإن دور المدرب البدني يعفي اللاعب ويساعده بشكل كبير، فتخيل أن باسم أمين كان يفعل ذلك بمفرده، علاوة على كل ما ذكرنا!
ومن شدة حبه وتقديسه للرغبة في التفوق في لعبة الشطرنج، كان باسم يُسافر لحضور البطولات على نفقته الشخصية، والإعلام لم يكن مهتماً به ولا بما يفعله من أجل مصر، وإلى أن كتبت عنه، ولأول مرة، عرف الشعب المصري كله أن هناك بطلاً مصرياً بارعاً ومتفوقاً في لعبة الشطرنج، وهو المصنف رقم 35 في اللعبة، وأول مصري وإفريقي وعربي في التاريخ يحقق أعلى ألقاب الشطرنج، ويدخل تصنيف أفضل 100 لاعب.
عبقري في الرياضيات
هو أصغر مصري حاصل على الدكتوراه في الرياضيات من جامعة باريس، في الـ22 من عمره فقط.
عمر عثمان، في الصف الأول الإعدادي نجح في أن يختبر نفسه في الجامعة الألمانية والأمريكية وجامعة القاهرة، بجانب دراسته في المرحلة الإعدادية.
وكان عمر يمتحن ويتجاوز السنين الجامعية، لكن دون درجات رسمية ولا حتى بشهادة تُوثق تفوقه، ولأن القوانين في مصر لم تسمح له بتجاوز المراحل التعليمية مهما كان عبقرياً، اقترحوا عليه أن يعرض نفسه على دولة أجنبية، دولة في الخارج، فسافر، سافر إلى فرنسا.
سافر في الـ16 من عمره، واجهته صعوبة في اللغة بالتحدث والفهم، لكنهم رحموه من الاهتمام بالدرجات والشهادات، وقفوا فقط عند عبقريته في مجال الرياضيات، ورئيس قسم الرياضيات هناك قال إن عمر إذا كان مناسباً وعبقرياً فأي شيء سيتذلل لخدمته؛ وبالفعل نجح عمر وتفوق في فرنسا.
حصل على الماجيستير عندما وصل إلى سن الـ18، والدكتوراه في الـ22، رغم أنه لم يكن يجيد الفرنسية، لكنه كما قال إنهم كانوا طوال الوقت مؤمنين بالنوابغ في فرنسا.
حينما تشاهده يتكلم، تعرف كيف يبني العلم إنساناً في قمة التواضع والخجل والرقي في آن واحد، دليل على أن العلم يرفع من شأن الإنسان، لكن في مصر لا يتم الاحتفاء بالنوابغ بالقدر نفسه الذي يستحقونه، أو لا يتم الاحتفاء بهم أصلاً.
نابغة في الطب
أول مصري يفوز بجائزة نيوتن؛ عن بحثه للكشف عن الجين المسؤول عن سرطان الكبد.
إنه الدكتور ماركو زكي، المدرس بكلية الصيدلة جامعة المنيا، ونال دكتور ماركو جائزة تقدر بمبلغ 200 ألف جنيه إسترليني، وقرر الرجل أن يتبرع بنصفها لجامعة المنيا -جامعته- وتخصيص معمل بمواصفات عالمية، والنصف الثاني يستكمل به أبحاثه العلمية للقضاء على سرطان الكبد نهائياً.
والدكتور ماركو لم ينل من التقدير ما يكفي بقدر إنجازاته وعلمه، إلا أن جميع طلابه وأساتذته بجامعة المنيا وكلية الصيدلة يشيدون بخلقه وعلمه وحياته، التي لا تخلو من التعلم والتعليم والرغبة في تطوير النفس.
عودة إلى محمد الشوربجي
اختار محمد الشوربجي أن يُمثل إنجلترا في المنافسات العالمية في رياضة الإسكواش، ورغم أنه بطل مصري عظيم في اللعبة نفسها، إلا أن الشعب المصري بصحافته وإعلامه لم ينتبه لمحمد إلا بخصوص قرار تجنيسه؛ لا ما حققه لمصر على مدار مسيرته كلها.
ومحمد لم يكن مجرد لاعب فذ، ولم يكن قرار تمثيله لإنجلترا على حساب مصر قراراً مادياً؛ فالإسكواش في الأصل هي لعبة الأغنياء كما نسميها هنا في مصر، أي إن قرار محمد لا علاقة له بكم سيتقاضى ومع من سيلعب نظير ما يدفعه.
مشكلة محمد أنه لم يجد من مصر ما يراه يناسبه ويستحقه، هو الذي قال إنه، بعد كل بطولاته التي حققها ونبغ فيها، حينما كان يصل إلى مطار القاهرة لم يكن يرى أي مظهر من مظاهر الاحتفال والترحيب به، بل لم يكن يعرف زوار المطار أن هذا هو محمد الشوربجي لاعب الإسكواش المصري الذي يُعد واحداً من أفضل لاعبي العالم في اللعبة.
وللأسباب نفسها التي قرأتها في الأعلى عن باسم أمين، كان محمد الشوربجي هو الآخر يعاني منها، ورغم أنهما من الممكن لم يكونا كالأبطال الذين هم من طبقة متوسطة أو فقيرة، لكنهما عانيا أمام أبطال عالم كانت كُل السبل متوفرة أمامهم ولهم.
ولديهم مدربون بكل تصنيف ومجال، ولديهم ظروف تساعدهم ليكونوا أبطالاً فعلاً، وما قاله محمد الشوربجي نصاً أنه كان ينتظر من المصريين والإعلام والصحافة أن يدعموه فقط، ويُشعروه بأنه بطل يسعى لرفع اسم مصر في رياضة قد لا تكون هي الأولى في بلده لكن روادها مصريون.
والمشكلة أن مصر تتناقل كل شيء إلا الأبطال فعلاً، فتجد على الشاشة المطرب الذي حققت أغنيته ملايين المشاهدات، وتجد الإعلام يستضيف مُهرجين على الشاشة ويُصدرهم للعامة على أنهم رواد الحدث، لدرجة تجعلهم يصدقون أنفسهم ويتوهمون أنهم يستحقون ما ينالونه من شهرة وصيت.
ورغم أن محمد مثل مصر منذ عام 2006، وحقق أكثر من 44 بطولة، واحتل التصنيف الأول على العالم لمدة تزيد عن 50 شهراً، إلا أنه لم يشعر أبداً أنه مصري، مثل مطربي المهرجانات وغيرهم من نجوم الشاشة الحاليين.
والشوربجي لم يكن الوحيد من بين كل هؤلاء، بل سمعت وستسمع في الأيام القادمة عن أبطال مصريين قرروا تمثيل دول أخرى ترفع من شأن اسمهم وتُعاملهم كأبطال، وتُوفر لهم مدربين ورعاية واهتماماً إعلامياً وجماهيرياً.
لك أن تتخيل أن لاعباً كالذي نحكي عنه لم ينل أي عقد رعاية طوال مسيرته داخل مصر! وكأن الشركات الكبرى تغض الطرف عنه، حالها حال الإعلام، والأمر أكبر من قدرة التخيل لأنه من جهة أخرى قد يكون سبباً لمصري آخر في اختيار دولة أخرى يمثلها.
والمصري الآخر هو مصطفى عسل، لاعب الرياضة نفسها، والذي قيل إن إحدى الشركات الراعية للبطولات في مصر ضغطت على المنظمين والحكام ليخسر مصطفى منافسات إحدى البطولات التي كان يشارك فيها.
وما السبب إذاً؟ السبب بكل بساطة أن مصطفى عسل قرر أن يوقع عقد رعاية مع شركة منافسة، ما رأوه تعدياً على حقوقهم، وبالتالي أباحوا محاربته، ما دفعه إلى التفكير في ترك الجمل بما حمل والتفكير في وطن آخر بمعايير أخرى.
والأبطال المصريون لا يتسع مقال واحد لذكرهم، يمكننا أن نكتب مجلدات عنهم، وعن قصة كفاح كل واحد منهم، وعن تحملهم نفقات وصعوبات ومشقات لا يستطيع أي بطل عالمي ممن تقرأ عنهم تحملها؛ وهو ما يؤكد أن مصر لديها مواهب عظيمة قد ترفع لها الذهب والفضة والياقوت والمرجان إن اخترعوا لهم تتويجاً، لكن المشكلة الكبرى ألا أحد يُغذيهم ويدعمهم!
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.