قد يكون عادياً أن يحمل شاب في ريعان الشباب سلاحه متجهاً إلى ميدان المواجهة، مهاجماً الاحتلال ذا القوة والبطش؛ ليصنع ملحمة تحرر غير مسبوقة، فصفات الشباب من الحماسة والاندفاع والشجاعة وعدم حساب العواقب يجعل من ذلك ممكناً جداً، حتى في البيئات المحاربة لمثل هذا النموذج، والساعية للقضاء عليه أو تشويهه، كما هو الحال حتى وقت قريب في الضفة المحتلة، حيث تنسق قيادة الأجهزة الأمنية الفلسطينية مع الاحتلال الإسرائيلي خطواتهما، لخفض تكلفة الاحتلال إلى أقل قيمة ممكنة، ومع ذلك قد يبدو فعل الشباب الثائر ممكناً، رغم ما يتضمنه من مظاهر بطولة تستحق الخلود في سجل الشرفاء وأصحاب الشهامة.
لكن ما فعله ويفعله فتحي خازم ليس عادياً بحال من الأحوال، إن كان فعل الشباب في ميدان المقاومة بطولة، فما يفعله أبو الرعد شيء يتجاوز ذلك بكثير، إنه أيقونة مقاومة، رجل يستحق أن يُذكر مبجلاً في كل مقام، بدءاً من مقام الواقع الفعلي الذي نعيشه، وصولاً إلى مقام المستقبل، الذي سنسجل فيه تاريخ معركة التحرر الوطني الفلسطيني، ذلك المقام الذي سيكون شاهداً على العديد من الآباء والأمهات الاستثنائيين، ولكن سيظل فتحي خازم نموذجاً مختلفاً.
عرفت المقاومة الفلسطينية آباءً ودعوا أبناءهم مبتسمين ابتسامة التحدي لمحتل كان يتعمد كسر إرادتهم، لتحطيم إرادة من يترقب حالتهم لعله يقتدي بهم، قال أحد ضباط المخابرات لواحد منهم، وقد أراد تحطيمه بعد أن استدعاه على عجل ليقول للأب الذي لا يعرف أين ابنه المطارد، وماذا يفعل في تلك اللحظات، يقول مباغتاً: ابنك مات! قال الأب ذو العزيمة في عنفوان ثوري عظيم: وأنت ستموت.
هذا مشهد من مئات المشاهد التي وقف فيها الآباء والأمهات مناصرين لمشروع المقاومة الذي سار فيه أبناؤهم.
لكن المختلف في فتحي خازم أنه لم يفخر بصنيع ابنيه اللذيْن حملا لواء المقاومة، بل سار في الطريق ذاته متحدياً، وما زال.
وقف رعد خازم الابن في قلب تل أبيب ليملأها رعباً، في عملية شاهد الناس خلالها على الهواء مباشرة نخبة القوات العسكرية تطارد شاباً وحيداً، عقب عملية بطولية قُتل خلالها 3 من المحتلين، عندئذ تعرف الناس على الوالد فتحي خازم قائداً عفوياً لجموع المقاومين شمال الضفة المحتلة.
هذا الرجل الذي تمتع بسمات في غاية الأهمية، فلقد ظهر إيمانه العميق، وروحه الإسلامية التي تحدى من خلالها المحتل، ودعا لرفع لواء المقاومة، وذلك خطاب شديد التأثير عند المواجهة، ثم كان خطابه وطنياً وَحْدَوياً، أعلن خلاله اعتزازه بكل المقاومين من مختلف الفصائل، كان متحدثاً باسم المقاومة، والمقاومة وحدها، وكان نقيضاً للاحتلال، والاحتلال وحده، طارده الاحتلال فالتف حوله أبطال الضفة ومطاردوها، هدم الاحتلال بيته، واستشهد ابنه الثاني عبد الرحمن، فما ظهر إلا داعياً لمزيد من المقاومة والبطولة.
وهو عندما يدعو للمقاومة، ويحرض عليها، ليس مجرد شخص نظري، قد يقبل بعض الناس كلامه، ويروا صدقه، وقد يُكذّبه البعض، ويتهمه بإرسال أبناء الناس إلى معركة لا يقدم فيها غير الكلام، لكنه صاحب تضحية واضحة، لا يمكن لأحد أن يشكك في بطولته، ووطنيته، (وهو الخطاب الإعلامي الذي ساد طويلاً لدى كثيرين من أعداء المقاومة، التشكيك الدائم)، هنا لا طريق لهم، تضحية الرجل واضحة، لا خلاف عليها، بل إن غالبية الجماهير الفلسطينية بدأت علاقتها به متعاطفة مع مشهد والد يودع ولده الشهيد، بينما يسعى الاحتلال لاعتقاله، فيتحول إلى مطارد.
فتحي خازم عميد في الأمن الوطني، أحد أجهزة أمن السلطة في الضفة، وكان فعله المقاوم نقيضاً لما حاولت السلطة ترسيخه على مدار سنوات طويلة، حيث ظل التنسيق الأمني من وجهة نظرها مقدساً، ومارست الاعتقال السياسي لمواجهة أية أنفاس مقاومة، حتى ظنت أنها أحكمت قبضتها على كل شيء، ليأتي أبو الرعد النموذج المختلف، أحد أبناء تلك الأجهزة ليناشد أبناءها أن: تحركوا في مواجهة الاحتلال، قوموا بواجبكم لحماية أبناء شعبكم العظيم.
والمختلف في حالة فتحى خازم أيضاً أنه صار مطارداً، لينهي حقبة كان الاحتلال فيها قادراً على الاعتقال، يدخل متى شاء، وأين شاء، يعتقل من شاء، كانت رسالة أبو رعد منذ اللحظة الأولى أنه لن يستسلم، لن يسمح للعدو باعتقاله، لن يسلمهم نفسه، وهو بهذا يؤسس لحالة يمكن من خلالها أن ننهي سياسة قص العشب الإسرائيلية التي تحرم الضفة المحتلة من مراكمة أي خبرة مقاومة، فكل نبتة جديدة في عالم المواجهة سرعان ما يتم قصها، سياسة توشك أن تنتهي مع فتحي خازم.
هذا الوالد الثائر الذي يُمثل صورة مصغرة للواقع العظيم القادم في الضفة المحتلة، ذلك أننا على أعتاب فعل ثوري غير مسبوق، وما نظرة سريعة لنسبة التصاعد في الفعل المقاوم في الضفة إلا مؤشر على ذلك.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.