لا جديد جناه المغرب من التطبيع المفتعل مع إسرائيل، مقابل سلة الهدايا السرية المغربية لإسرائيل، وأمام طمع الكيان الإسرائيلي في التوغل وفتح سفارته أمام التحفظ المغربي بحسب ما كشفه جاريد كوشنر، صهر الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، ولا جديد حصده المغرب بعد الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء، اللهم إلا الإجراء الميداني الحاسم في معبر الكركرات الذي كان بفضل تكتيك الجيش وحده.
المقايضة الأمريكية الإسرائيلية المغربية، هي مقايضة خاسرة، دخل إليها المغرب وجنت علينا بإحياء العداء الكلاسيكي مع الجيران، وتقوقع المملكة في مشاكل، كانت في غنى عنها، وقد يظن البعض أنه بفضل هذا التودد الإسرائيلي فإننا سنصد الأخضر واليابس، بدأ بصفقات السلاح، لكن من يعتقد ذلك، فهو لا يعرف عقيدة الكيان الإسرائيلي القائمة على الغدر.
تمثل القمة العربية، التي ستنعقد في الجزائر، قمة حاسمة وفارقة، حول ملف التطبيع العربي الإسرائيلي، بعيداً عن الإيديولوجية القومية العربية والعاطفة الجياشة نحو الشعب الفلسطيني الشقيق، سينظر العرب إلى ما جنوه من هذا التطبيع، والذي على ما يبدو أن ثماره بدأت تعطي أكلها إزاء انعقاد هذه القمة، فالنزاع بين المغرب والجزائر بات في أوجه، وأضيفت إليه تونس قيس سعيد، ثم مشكلة عودة مقعد سوريا.
القمة العربية المنعقدة في الجزائر في دورتها الـ31 بعد غياب دام ثلاث سنوات بسبب جائحة كوفيد، تمثل مفارقات مفزعة، فالقمة التي جمعت العرب، قد تفرق العرب اليوم، وقد نجحَ الأمريكان في نسج هذا الطرح بين جلباب العرب، حتى انقسم المطبعين ضد الممانعين صورياً، ومضينا في سيناريو زعزعة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا جديد، بعد نهاية، سيناريو "الإرهاب".
سيوقع مجدداً العرب على الورق لقرارات تكاد لا تلتفت إلى القضية الفلسطينية، التي كانت سبباً في اجتماع العرب، وفي إنشاء الجامعة العربية، وفي إصدار معاهدة الدفاع العربي المشترك، وفي توزيع الأدوار بين دول المواجهة ودول الدعم عقب هزيمة 1967، وفي قيادة الأمة إلى نصر تاريخي على العدو الإسرائيلي في حرب أكتوبر 1973، ثم كانت الغمة والظلمة المدلهمة، وخذلان السياسة لنصر السلاح، والاندفاع على طريق الخطيئة، وإلى أن وصلنا إلى محطة العام 1979، ومن ثم محطة العشرية الأخيرة من سنوات الـ2000، وقد تثار مجدداً قضية التوسع الإيراني وكبحه، وهي التعاليم الأمريكية للعرب القديمة- الجديدة.
وبلا شك فقد أدى التوسع الإيراني، إلى زعزعة العرب وتوغل الإسرائيلي والأمريكي في قضاياهم الداخلية والاستراتيجية والعسكرية، والحاصل أن العرب هم الذين حطموا أنفسهم، وأضافوا لقوة الجار الإيراني مدداً لا ينقطع، فقد فقدوا أولاً بوصلة التماسك من حول القضية الفلسطينية، وانقطعوا عن سياق مواجهة الخطر الأصلي للكيان الإسرائيلي، ثم كانت ما تسمى "دول الاعتدال العربي" عوناً لأمريكا في عملية غزو واحتلال العراق.
لقد جرب الأوروبيون محاولات زعزعة الانسجام داخل مجالسهم، عبر أطراف خارجية، تُشير بعض من ما جاء بلائحة التهم إلى الجانب الأمريكي، لكن على ما يبدو أن المخطط أُجهض، وفي حالتنا لا يمكن الآن مقارنة مؤسسات العرب بالمؤسسات الأوروبية، ولائحة الأسباب مفتوحة.واقعنَا الجديد أن الدخول الإسرائيلي وسطنا، ينحو نحو المزيد من التفكك، والعمى الحيثي عن رؤية العدو الأصلي، وإحلال إيران محل إسرائيل، والانشغال بالمزيد من القضايا الداخلية، ومن ثم نسج توترات إقليمية جديدة والعبرة في المغرب تونس الجزائر، وهو ما لا يُفيد، سوى إسرائيل وأمريكا.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.