يقال إن الإنسان قد يقابل، بينما يسير عبر الشارع، 11 قاتلاً متسلسلاً على مدار حياته، لا أدري ما مدى صحة هذا القول، أو حقيقته، ولكن ربما علينا ألا نأخذه باستهانة، فعلى حسب بعض الإحصائيات العملية الأمريكية، فهناك ما بين 25 و50 قاتلاً متسلسلاً يمارسون جرائمهم في الوقت نفسه على مدار كل عام.
لذا يمكنك أن تفهم حقيقة هذا الأمر بكل سهولة، فبين ثنايا المجتمع البشري المتزاحم، يمثل القتلة المتسلسلون المخلوق الذي يجلس على قمة الهرم الغذائي، المفترس الذي لا يقتل لحاجة، بل يقتل لأجل المتعة والنشوة، والشيء الذي يرانا نحن كبشر عاديين مجرد فرائس له.
مؤخراً على شبكة نتفليكس، تحديداً منذ بضعة أيام فقط، صدر مسلسل الدراما الوثائقي الجديد Monster :The Jeffrey Dahmer Story من بطولة الممثل الشاب الموهوب Evan Peters، وكتابة كل من Ryan Murphy وIan Brennan، ويسرد المسلسل قصة أحد أشهر القتلة المتسلسلين في تاريخ الولايات المتحدة، وهو جيفري دامير "آكل لحوم البشر في ميلوكي"، ولكن هذه المرة من خلال عيون ضحاياه.
إذاً من هو جيفري دامر؟
حياته المبكرة
وُلد جيفري في 21 مايو/أيار عام 1960 في مدينة ميلوكي مقاطعة ويسكنسن، كان الابن الأول لأمه جويس آنيت ووالده ليونيل هيربيرت دامر، ورغم أن العديد من الشهادات التي وصفته في طفولته بأنه "طفل نشيط وسعيد" إلا أن معظمها اتفق على حقيقة أنه كان طفلاً محروماً من العاطفة، فوالده كان غائباً معظم الوقت عن المنزل بسبب دراسته وعمله، وأمه كانت تعاني من وسواس مرضي واكتئاب مزمن جعلها دائماً طامعة في مزيد من الاهتمام بها، حتى إنها حاولت الانتحار في إحدى المرات.
بالتالي وسط هذه البيئة المنزلية التي تتنامى فيها الغربة، لم يحصل الطفل جيفري على الاهتمام المطلوب الذي يدفعه للنمو نفسياً بشكل صحيح، وهكذا منذ سنين حياته الأولى أظهر جيفري اهتماماً ملحوظاً بالحيوانات الميتة، ويقال إن ذلك الاهتمام بدأ من سن الرابعة، حين شاهد والده بينما يقوم بإزالة عظام الحيوانات الميتة من أسفل منزلهم، ومن ذلك الوقت وجيفري مسحور بعظام الحيوانات، ويسعى دائماً لاكتشافها والعثور عليها، سواء في حيوانات ميتة أم حية.
ومنذ ذلك الوقت وجيفري تسيطر عليه رغبات ملحة في تجميع الحيوانات الميتة وتحنيطها، واستمر الأمر معه طوال سنين طفولته حتى وصل إلى المراهقة، وفي تلك المرحلة أظهر اهتماماً مخيفاً بشرب الكحول.
حين وصل جيفري إلى مرحلة البلوغ، اكتشف رغبته الجنسية في الرجال، بالطبع لم يخبر أياً من والديه، وبدأ في إقامة علاقة دون تفاعل جنسي مع أحد أصدقائه المراهقين، ومن هنا بدأت شخصية جيفري تأخذ منحنى خطراً، حيث بدأ بتخيل نفسه بشكل شهواني وهو يسيطر ويقهر ذكراً خاضعاً تماماً في علاقة جنسية، ثم سرعان ما تطور الأمر، ليجد جيفري نفسه راغباً في ممارسة الجنس مع جسد ذكر بعد قتله وتشريحه، وفي عامه السادس عشر، كانت أولى محاولاته لخطف رجل مجهول، لكنها باءت بالفشل.
جرائمه
ارتكب جيفري جريمته الأولى عام 1978 بعد أسابيع من تخرجه، حيث تعرف خلال إحدى رحلاته على شاب في التاسعة عشرة من عمره يُدعى مارك هيكس، وقد كان جيفري راغباً في ممارسة الجنس معه، لذا دعاه إلى منزله حيث سيقومون بقضاء بعض الوقت في الشرب والاستماع للموسيقى، ولكن وعلى حسب اعترافات جيفري، بدأ مارك بالتحدث حول النساء والفتيات، لذا أدرك أن محاولاته لاستمالة مارك جنسياً ستبوء بالفشل، فقرر إفقاده الوعي عن طريق ضربه بثقل حديدي من الخلف، ثم خنقه حتى الموت، ليبدأ جيفري بالاعتداء عليه جنسياً وهو جثة هامدة.
انضم جيفري إلى الجيش، لكنه سرعان ما طُرد منه بسبب إدمانه الكحول، ومنذ ذلك الوقت وهو يعيش حياة مثيرة للشفقة في ميامي عبر وظيفة متواضعة ينفق كل راتبه منها على الكحول، قبل أن يقرر العودة لمنزل والده والعودة كذلك لجرائمه.
في يوم 20 نوفمبر/تشرين الثاني عام 1987، وبينما كان يسكن في منزل جدته، قابل جيفري الشاب ذا الأعوام الـ25 ستيفين تومي في حانة ما، وهناك أقنعه جيفري بالذهاب معاً لغرفة كان قد استأجرها في فندق في مدينة ميلوكي، وعلى حسب اعترافاته، لم يرغب جيفري في قتل ستيفين، بل كان ينوي تخديره والتحرش به بينما هو فاقد لوعيه، ولكن في اليوم التالي استيقظ جيفري بجوار ستيفن، والذي كان صدره عبارة عن حفرة دموية، على حسب ما قاله في التحقيقات، لم يدرِ جيفري حقيقة ما حدث، ولا كيف قام بقتل ستيفن، وقال: "لم أصدق ما حدث حينها!".
ولكن ما قام به جيفري بجثة ستيفن بعد ذلك، كان رعباً مقتبساً من أفلام الرعب، فلكي يتخلص من الجثة، قام بتقطيعها لأجزاء صغيرة ثم قام بالتخلص منها في النفايات، ولكنه حافظ على رأس ستيفين ولم يتخلص منه.
ثم وبعد أسبوعين من جريمته، قام بغلي رأس ستيفين في مواد كيميائية، ساعياً بذلك إلى الحفاظ على الجمجمة كي يستخدمها في ممارساته الجنسية، ولكن باءت محاولاته تلك بالفشل، وسرعان ما تخلص منها كذلك.
بعد جريمته مع ستيفين، بدأ نشاط جيفري بالازدياد بشكل ملحوظ، وأصبح يقوم بالبحث بشكل متواصل في الحانات الخاصة بالمثليين جنسياً، وبمجرد ما يعثر على ضحية مثالية، يقوم باستدراجها لمنزل جدته حيث يخدرها ثم يعتدي عليها جنسياً قبل أن يقتلها عبر الخنق.
في النهاية قتل جيفري حوالي 17 رجلاً وفتى ما بين عامي 1978 و1991، وتضمنت جرائمه كل أنواع الموبقات من تشريح وممارسة الجنس مع الجثث والتهام لحم البشر، حتى صدع اسمه بين الولايات المتحدة كآكل للحوم البشر في ميلوكي.
اعتقاله
في يوم 22 يوليو/تموز 1991، استطاعت ضحيته الأخيرة تراسي إدوارد الهرب من قبضته بنجاح قبل أن يقاتل ضباط الشرطة في الشارع بينما يركض بلا هدف، أخبر تراسي الضابطين بكل ما حدث، وبأن جيفري حاول قتله، قاد تراسي الضابطين لشقة جيفري التي كان يمارس فيها جرائمه، وهناك قابل جيفري تراسي والضابطين اللذين قاما بتفتيش الشقة ليعثرا على أسلحة جريمته وصور لأجزاء بشرية متحللة، بالطبع حاول جيرفي الهرب من قبضة الضابطين ولكنهما استطاعا إخضاعه قبل أن يعثرا على رأس رجل إفريقي متجمد في ثلاجته، ومن هنا بدأت مسيرة محاكمته، والتي يسلط المسلسل عليها الضوء بشكل واضح لنرى ما فعله جيفري دامر حقاً في ضحاياه.
المحاكمة والموت
في عام 1992 وبعد اعترافه الكامل بكل جرائمه تم الحكم عليه بـ15 حكماً بالسجن مدى الحياة بمجموع 957 عاماً، بعد تصريح الطب النفسي بأن جيفري عاقل تماماً، وأنه ارتكب جرائمه بكل إرادته، وفي ذلك الوقت أخبر جيفري المحكمة بالتالي: "لم أرد الحرية أبداً، ولأكون صريحاً أردت الموت لنفسي، أعرف أنني مريض أو شرير أو ربما كلاهما، أخبرني الأطباء حول مرضي، والآن أشعر ببعض السلام، أعلم مقدار الألم الذي سببته للضحايا، وأشعر بالسوء حول الأذى الذي سببته لعائلاتهم المسكينة".
ولكن لم يعش جيفري طويلاً بعد محاكمته، ففي عام 1994 تم قتله بواسطة سجين آخر يُدعى كريستوفر سكارفر، والذي ضربه على رأسه بقضيب معدني، وبعد 20 عاماً، وفي مقال للنيويورك بوست عام 2015، قال كريستوفر للصحفيين الآتي: "بعض الناس يندمون على ما ارتكبوه في السجن، وهو لم يكن أحدهم".
الآن يمكنك أن تشاهد المسلسل الذي يتألف من 10 حلقات فقط، لترى التفاصيل المأساوية والمرعبة التي أحاطت بجرائم جيفري وحياة ضحاياه، ولترى الحقيقة بأن هناك نوعاً مخيفاً من البشر، قادراً على ارتكاب أبشع الفظائع دون شعور بالذنب، أو تأنيب من ضمير، فالضمائر دائماً هي أولى الضحايا.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.