استيقظ المصريون في صباح 23 يوليو 1952 على بيان في الإذاعة يعلن أن رفاق جمال عبد الناصر قد سيطروا على السلطة، دون أي مقاومة من النظام، وكان الانقلاب سهلاً ومدهشاً في سهولته وفي النجاح الذي حققه، والمدهش أكثر أن الانقلاب لم يكن من خلال الجيش، بل انقلاب مجموعة محدودة من صغار الضباط، ومعظمهم من الرتب الصغيرة والوسطى، دون إراقة دماء، أو تدخل من قبل الإنجليز أو الملك.
ومن المهم أن نفهم كيف استطاعت هذه القوة الصغيرة التي تتكون من 80 ضابطاً، والذين كانوا يشكلون 3% فقط من قوة الجيش، أن تقضي على نظام الملك، وما السبب وراء عدم تدخل الجيش البريطاني للقضاء على الحركة.
شعب يئن ويغلي من الداخل وإمبراطورية مُتهالكة
بعد الحرب العالمية الثانية كانت مصر تغلي من الداخل، فكان الشعب قد طفح به الكيل من الاحتلال الذي يجثم على أنفاسه منذ 7 عقود، وارتفعت الأصوات التي تنادي بالجلاء التام. وكان الأنين المكتوم يوشك على الانفجار بسبب التفاوت الاجتماعي الذي بدأ المصريون يشعرون به أكثر من أي وقت. وأخذ الغضب يزداد شيئاً فشيئاً من الأخبار والقصص التي كانت تنتشر عن فساد الملك وحاشيته والبذخ الذي يعيشون فيه.
وكان الحراك المصري أقوى من أي وقت مضى، وتمثلت أهدافه في الخلاص من الاستعمار والملك، مع المناداة بالديمقراطية والعدالة الاجتماعية الغائبة، ازدادت المظاهرات والإضرابات التي تقودها جماعة الإخوان المسلمين ومصر الفتاة والحركات الشيوعية التي بدأت في الانتشار، وعلى الرغم من الاختلافات بينها، ولكن كان يجمعها الشعور الوطني بضرورة التغيير.
ولم يكن الجيش غائباً عن هذه الحمى الوطنية، فقد كان يغلي من الداخل هو الآخر، خصوصاً بعد هزيمته المذلة أمام العصابات الصهيونية في حرب فلسطين 1948، وكان لدى معظم ضباط الجيش اعتقاد قوي بأن الأسلحة القديمة والفاسدة التي اشتراها الملك وحاشيته، وسوء إدارة وفساد النخبة السياسية هما سببا الهزيمة.
وتسربت السياسة إلى المعسكرات وتوزعت الانتماءات السياسية للضباط من الوفد إلى الإخوان المسلمين إلى مصر الفتاة إلى الشيوعيين، وانتشرت التنظيمات السرية داخل الجيش، فكان تنظيم الإخوان، وكذلك الشيوعيون، وانضم معظم ضباط ثورة يوليو لهذه التنظيمات قبل الانضمام لتنظيم الضباط الأحرار 1949 الذي كان الأحدث والأقل عدداً لكنه الأكثر تصميماً وعزماً.
وعلى الجانب الآخر كانت بريطانيا تلهث من الإرهاق بعد الحرب العالمية، وقد بدأت تفقد قوتها وسيطرتها القديمة، بعد الخسائر الضخمة التي تكبدتها خلال الحرب، وكانت على وعي بانتهاء دورهم في مصر، وعلى استعداد للتسليم والجلاء عن مصر، بشرط فصل مصر عن السودان، والذي كان عماد المشاريع الإنجليزية في القارة الإفريقية.
في الوقت التي كانت الولايات المتحدة تسعى فيه إلى فرض هيمنتها، وتريد وراثة الاستعمار القديم بأدوات حديثة ليس من بينها التدخل العسكري المباشر، وبالتالي كانت سياستهم التي اتبعوها لتنفيذ ذلك، هو إزاحة الاستعمار الفرنسي والإنجليزي، والقضاء عليهم نهائياً عن طريق التخلص من رؤساء وحكومات تلك الدول التي كانت خاضعة للاستعمار.
كما كانت تخوض حرباً ضد الشيوعية وتسعى لوقف تمدد الاتحاد السوفييتي والشيوعية في الشرق الأوسط، وكانت لديها مخاوف حقيقية من أن طبيعة الحكم داخل مصر تجعلها أرضاً خصبة لنمو الشيوعية، وهو ما كان يحدث بالفعل، حيث أخذت التنظيمات الشيوعية في مصر في الانتشار خلال تلك الفترة.
في كتاب "العلاقات المصرية الأمريكية 1946 – 1956" لجيفري أرونسون، يوضح كيف أن الولايات المتحدة سعت من ناحيتها لعقد تحالف عسكري مع الملك لمواجهة الشيوعية وطالبته كثيراً بالاعتراف بالدولة الإسرائيلية لضمان مؤازرتهم له، وطلب الرئيس الأمريكي روزفلت منه تغيير نمط حياته التي تتسم بالترف، ولكنه رفض كل الاتفاقات والمقترحات الأمريكية، فكان هذا المسمار الأخير في نعش الملك فاروق كما سيتضح بعد ذلك.
ووجدت الإدارة الأمريكية أنه لا حل يظهر في الأفق غير إقصاء الملك والقضاء على الإنجليز معاً، وكانت على علم بطبيعة الأوضاع داخل مصر من خلال سفارتها ووكالة المخابرات الأمريكية، وكانت تدرك أن هناك غضباً عارماً ينبئ بثورة قادمة لا محالة، وأن الأمر مسألة وقت، ولم ترغب الولايات المتحدة في أن يتم هذا التغيير عن طريق الإخوان أو الشيوعيين، وأن يكون هذا الحراك من خلالها هي لا غيرها.
ويمكن أن نقول إنه حدث تلاقي وتوافق بين الرغبتين; رغبة الضباط الأحرار في القضاء على نظام الملك والاستيلاء على السلطة، والرغبة الأمريكية في فرض هيمنتها وإحلال نفسها محل الاستعمار الإنجليزي دون تدخل عسكري مباشر، فكان هذا بداية الاتصال بين الأمريكان والضباط الأحرار بقيادة عبد الناصر.
ثورة يوليو الأمريكية
في كتاب "ثورة يوليو الأمريكية" الصادر عام 1988 لمؤلفه الدكتور محمد جلال كشك، يتطرق لجذور العلاقة بين عبد الناصر والمخابرات الأمريكية، مستعيناً بالعديد من الوثائق والشهادات والمصادر التي تثبت تورط مجموعة الضباط الأحرار بقيادة عبد الناصر في علاقة مع المخابرات الأمريكية، بدأت قبل الثورة واستمرت لعام 1965، وأنهم كانوا على علم بالخطوات التي تقوم بها الحركة، وهو ما يفسر عدم تدخل الجيش الإنجليزي للقضاء على الحركة وسرعة خلع الملك.
وكان عبد الناصر يلتقي قبل الثورة بـ"وليام ليلكلاند" وهو أحد الدبلوماسيين الأمريكيين المخضرمين، والذي يرجَّح أنه كان مبعوثاً من المخابرات الأمريكية لنقل الانطباعات عن البكباشي الانطوائي، وبالمصادفة كان يسكن جوار جمال عبد الناصر، ونجح في تكوين صداقة معه، وكانا يمضيان الوقت سوياً في السينما لمشاهدة أفلام الممثلة الأمريكية إستر وليامز التي كانا معجبين بها، وهما يتناولان النقانق، كما يصف المؤرخ البريطاني جيمس بار في كتابه: "سادة الصحراء: الصراع الأمريكي – البريطاني على الشرق الأوسط"
وتكون لدى الإدارة الأمريكية انطباع عام عن ملامح شخصية الضابط الشاب عبد الناصر، ووجدوا فيه شخصا مختلفا تماما عن شخصية الملك فاروق، حيث إنه كان عصرياً وذا طموح ومنطلقاً وبسيطاً وأقل تكلفاً من العائلات الملكية المصرية، ورأوا فيه الشخص الذي يستطيع تحويل مصر إلى دولة ديمقراطية ليبرالية، وليست شيوعية كما كانت سياسات الملك تدفعها، وبالطبع هذا لم يحدث.
ويقول جيمس بار إن الإدارة الأمريكية ضخت عبر المخابرات الكثير من الأموال لدعم جمال عبد الناصر في حكم مصر، ويستند في ذلك إلى الكثير من الوثائق التي أفرجت عنها الولايات المتحدة.
وترسخ الدعم الأمريكي للحركة منذ البداية، وكان تدخل السفير الأمريكي عاملاً حاسماً في منع تدخل بريطانيا وفي إبلاغ الملك بأن الإدارة الأمريكية غير مستعدة لدعمه أو التدخل لمواجهة الضباط وبالتالي فإن لا طريق أمامه غير التنحي عن العرش وتركه للضباط.
وهو ما يؤكده محمد نجيب في مذكراته، حيث إن بعض الضباط كان لديهم تخوف من تدهور الأوضاع لو تدخل الإنجليز ولكن ناصر طمأنهم، وعملت الولايات المتحدة من جانبها ومن خلال اتصالات سفيرها جيفرسون كافري ببريطانيا للتأكيد أن ما حدث هو شأنا داخليا بحتا وأنها ليست لُعبتهم، وعليها أن لا تتدخل بجيشها، ومن ناحية أخرى نقل كافري للملك رسالة مفادها: "إننا لا نريد توريط أنفسنا في هذه الأحداث" ونصحه بالتخلي عن الحكم ومغادرة مصر قبل أن يلقى مصير الملك لويس السادس عشر.
وحاولت الإدارة الأمريكية تقريب وجهات النظر الغربية بضرورة دعم الحركة لمواجهة خطر الشيوعية، وأعلنت الولايات المتحدة بذلك اعترافها الرسمي بالنظام الجديد.
وفي كتاب "لعبة الأمم" لمؤلفه مايلز كوبلاند الذي كان من مؤسسي وكالة الاستخباراتِ الأمريكية (CIA)، والذي قضى القسم الأكبر من أيامه في الشرق الأوسط يرسم ويخطط الانقلابات، وكان يشغل وظيفة صورية في وزارة الخارجية وهي مستشار التخطيط السياسي للشرق الأوسط ومصر، كما أنه كان المسؤول عن التواصل مع عبد الناصر، ويورد في كتابه الكثير من التفاصيل عن التخطيط والدعم الخارجي للانقلاب الأبيض الذي حدث على الملك فاروق بقيادة الضباط الأحرار.
ويذكر كيف كانت المراسلات والاجتماعات السرية بين عبد الناصر والأمريكيين وقت ذاك، وكيف أنهم حرصوا على إخفاء هذه العلاقة المشبوهة طوال الوقت، حتى لا يشير أحد بأصابع الاتهام بالعمالة إلى الضباط الصغار، و تُتهم أمريكا بالتدخل في شأن داخلي.
الأمريكان يفرضون سياستهم
توثقت علاقة الضباط الأحرار بالولايات المتحدة في الشهور الأولى بعد ثورة يوليو، وازداد نفوذ السفير الأمريكي في القاهرة جيفرسون كافري، وعندما قرر الضباط تعيين عبد الرازق السنهوري رئيساً للوزراء، رفض كافري الأمر لأنه سبق ووقع على نداء ستوكهولم للسلام. كما رفض أيضاً تعيين البراوي وزيراً لأنه ذات ميول شيوعية، وانصاع الضباط ونفذوا رغباته، ولن تكون هذه الواقعة الأخيرة. كما أكد خالد محيي الدين في مذكراته التي صدرت عام 1992 بعنوان: "الآن أتكلم".
وفي حادثتين دالتين على الهيمنة الأمريكية التي بدأت تتغلغل وتفرض سياستها على نظام الحكم في مصر، حيث وقع في 13 أغسطس إضراب في شركة للغزل والنسيج في كفر الدوار بسبب اعتراض العمال على ظروف العمل، وأثارت الحادثة إزعاج الضباط وخوفهم من أن يكون مقدمة لحركة عمالية عنيفة.
ورد الضباط بتوجيه إعلان لجميع الطوائف –وخاصة العمال- أنها ستعتبر أي خروج على النظام أو إثارة للفوضى خيانة للوطن، وقامت بإجراء محاكمة عسكرية صورية كما حدث في دنشواي، فحكم ببساطة وسرعة على اثنين من العمال هما خميس والبقري بالإعدام وبأحكام أخرى لغيرهم، ونُفذ الحكم في 7 سبتمبر.
وهو ما يختلف عن تعاملهم مع حادثة عدلي لملوم، التي حدثت في نفس الفترة تقريباً، حيث كان يمتلك 1800 فدان في الصعيد، ولم يعجبه قانون الإصلاح الزراعي فتحرك برجاله وأطلق النار على مركز شرطة مغاغة، وأوقع إصابات، واجه الضباط الموقف بإرسال قوة ألقت القبض عليه وحكم عليه بالأشغال المؤبدة، لا بالإعدام، برغم أنه هاجم قوات الأمن في مؤسسة رسمية بجماعة مسلحة.
ويرى المؤرخ شريف يونس في كتابه "نداء الشعب" أن الفرق في التعامل بين الحادثتين يبرز الانحياز الاجتماعي لدى الضباط، ودرجة التهديد التي تمثله كل حادثة منهم، فإعدام الإقطاعي والرأسمالي عدلي لملوم من شأنه أن يثير اجتياح وسخط الطبقة الحاكمة في ذلك الوقت، وسيثير غضب الولايات المتحدة التي كانت الداعم الأساسي للنظام آنذاك.
أما إعدام خميس والبقري فهو إرهاب عام للسكان من شأنه القضاء على أي احتجاجات عمالية يمكن أن تحدث في المستقبل وتسبب القلق وتشجع الشيوعيون على الظهور، وهو ما يخشاه الضباط الصغار الذين لم يكن تمكنوا من مقاليد الحكم بعد، وبالطبع فإن الأمر نفسه يثير مخاوف حلفائهم الأمريكان.
قانون الإصلاح الزراعي ومحاربة الشيوعية بقليل منها
لا شك في أن قانون الإصلاح الزراعي واحد من أهم الأسباب التي صنعت جماهيرية ثورة يوليو بين الغالبية من طبقات الشعب الفقيرة، وكونت الذراع الجماهيري الذي سيستند إليه نظام الضباط بقيادة عبد الناصر، ولكن ماذا لو عرفنا أنه كان مشروعاً أمريكياً وكانت الإدارة الأمريكية تسعى لتطبيقه منذ عهد الملك فاروق!
ويذكر جيفري روبنسون في كتابه "العلاقات المصرية الأمريكية 1946 – 1956" واقعة لقاء الرئيس الأمريكي روزفلت بالملك فاروق، الذي نصحه بتبني قانون تحديد الملكية الزراعية، وتقليل الفوارق بين الطبقات بتوزيع جزء من الملكيات الزراعية الكبيرة، على صغار الفلاحين، وقيام إصلاح زراعي شامل ومساعدات اجتماعية وصحية للفقراء ورفع مستوى الأجور، وكانت الولايات المتحدة كما قلنا سابقاً تخشى من انتشار الشيوعية في مصر وأن نظام الحكم القائم يدفع بها إلى ذلك وبوتيرة متسارعة، فأرادت محاربة الشيوعية بقليل من الشيوعية.
ولم يتلق روزفلت رداً شافياً من فاروق، وهو ما جعل الإدارة الأمريكية تفقد فيه الآمال، وتدرك ضرورة الإطاحة به والبحث عن بديل، وأكدت مذكرات أحمد مرتضى المراغي آخر وزير داخلية في العهد الملكي هذه الواقعة أيضاً.
وسعت الولايات المتحدة من جانبها لإعادة طرح القانون منذ الأيام الأولى لنجاح الحركة، وأكد كافري في اجتماعاته الأولى مع محمد نجيب وعبد الناصر ورفاقهم أن إصلاح الملكية الزراعية قد تجاوز وقته وأصبح شيئًا أساسيا، ونبئهم بضرورة الإسراع في إصدار القانون حتى يظهر النظام كجماعة تهدف إلى الإصلاح والتقدم.
وكان لدى الإدارة الأمريكية نفس الرؤية القديمة، بأن تنفيذ القانون من شأنه أن يناهض الدعاية الشيوعية بين الطبقتين الوسطى والدنيا. ولكن ما تجدد بعد نجاح الحركة، هو أنها رأت أن إصدار القانون سيقضي على نفوذ الأحزاب القديمة وبالأخص حزب الوفد صاحب الشعبية العريضة، ويقوي سلطة النظام الجديد بقيادة الضباط الصغار.
هل كان عبدالناصر عميلاً أمريكياً؟
بالرغم مما يذهب إليه جلال كشك في كتابه من نقد لاذع للطريقة التي حكم بها عبد الناصر، وتورطه في علاقة مشبوهة وغير متكافئة مع الأمريكان، وتسببه في خروج إسرائيل من الصراع ضده بأعظم نصر تحقق في أي صدام من نوعه، وأن بعض تصرفات نظامه كانت تبدو كأنها تخرج من مؤسسات إسرائيلية. فإنه يعود ويؤكد على وطنية عبد الناصر والضباط، ويقول: "تنظيم الضباط الأحرار كان في مجموعه تنظيماً مصرياً خالصاً، نشأ من دوافع مصرية، وبنوايا وطنية صادقة، وأن غالبيته العظمى لم تعرف وقتها بالصفقة التي عقدت مع المخابرات الأمريكية".
ويستعين كشك بشهادة "مايلز كوبلاند" المسئول من قبل المخابرات الأمريكية عن عبد الناصر ومصر في تلك الفترة لإثبات أن عبد الناصر لم يكن عميلا أمريكياً، حيث قال: "إن مبعوثي المخابرات لم يكن يديرون عبد الناصر بأكثر مما يسيطر عليه الروس، إلا أن تلاقي أفكارهم مع أفكاره، جعل فلسفته تلقى عطفهم وتأييدهم"
إذن اللعبة كانت شديدة التعقيد، وأراد عبد الناصر فيها أن يوظف الولايات المتحدة لخدمة أهدافه التي كانت بلا شك وطنية في جوهرها، لكنه ربما أخطأ وخسر، وأنه بقصد أو دون، فقد استبدل الاستعمار الإنجليزي بآخر أمريكي، ووضع حول مصر طوق الهيمنة والتبعية الأمريكية، والتي لم تستطع مصر خلعه إلى اليوم.
والشاهد هنا أن مصر كغيرها من الدول العربية، مُبتلاة طوال تاريخها بحكام يعينون أنفسهم أوصياء على الشعب؛ لأنهم يرونه قاصراً، وبحجة حمايته من نفسه ومن أعدائه.
وقد يقيم الحاكم الفرد علاقة صداقة في السر وغير مُعلنة مع دولة ذات دور إقليمي، ثم يخرج للجماهير ويُعلن غير ذلك، ويُلهب حماسها بالخطب الرنانة والشعارات الزائفة، وقد يغير ولاء الدولة من أقصى الغرب إلى أقصى الشرق، ومن أحضان قطب الرأسمالية إلى أحضان قطب الشيوعية، دون أن يمنح الشعب الحق في المعرفة وتفسير أو توضيح سياساته أو السبب الذي دفعه إلى ذلك.
ويرجع السبب كما قلنا في أنه من البداية يراه شعبا قاصرا، ولا حق له غير حق تأييده والاصطفاف خلفه في جموع، ثم يتضح بعد ذلك خطأ وكارثية هذا الحكم المطلق للفرد، ولكن للأسف لا نعرف ذلك بوضوح إلا بعد وقوع الكارثة أو النكبة إن شئت أن تسميها.
ثم يصبح جل هدفهم هو أن يعرفوا الحقيقة أو جزءاً منها، وبسبب غياب الرواية الرسمية، لا يجد أمامه غير العديد من المصادر المتناثرة، ويكون واجباً عليه أن يجمعها، مثلما تُجمع قطع الأحجية في محاولة يائسة لفهم ما حدث.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.