خلال الأيام الماضية حدث تفاعل كبير على وسائل التواصل الاجتماعي مع صورة جماعية لرؤساء الدول المشاركة في قمة منظمة شنغهاي للتعاون في سمرقند بأوزبكستان، حيث ظهر الرئيس التركي أردوغان وهو يتصدر جلسة ودية بمشاركة الرئيس بوتين ورؤساء عدة دول من آسيا الوسطى، ولكن بالمقابل لوحظ غياب الاهتمام بما نتج عن هذه القمة من قرارات ذات تداعيات مهمة على المشهد الجيوسياسي العالمي، ومن أبرز تلك القرارات قبول العضوية الكاملة لإيران بالمنظمة بعد رفض ذلك مرتين سابقا في عامي 2008 و2010، وهو ما يأتي في ظل اشتداد الحرب في أوكرانيا، وتصاعد التوتر الصيني الأمريكي عقب زيارة رئيسة مجلس النواب الأمريكي نانسي بيلوسي إلى تايوان.
ماهية منظمة شنغهاي للتعاون
تعود جذور تأسيس منظمة شنغهاي للتعاون إلى حقبة تفكك الاتحاد السوفيتي خلال تسعينات القرن الماضي، والتي أسفرت عن استقلال خمس دول في آسيا الوسطى، لأربع دول منها حدود مشتركة مع الصين التي خشيت مما أطلقت عليه "الشرور الثلاثة" المتمثلة في الإرهاب والانفصالية والتطرف، حيث تخوفت بكين من حدوث مد إسلامي في دول آسيا الوسطى المستقلة حديثاً والتي تبحث عن هوية جديدة، وهو ما قد يمتد تأثيره إلى تركستان الشرقية ذات السكان من العرقية الإيجورية التركية المسلمة، والتي تُدرج جغرافيا ضمن أسيا الوسطى لكنها تخضع للسيطرة الصينية، فاتفقت الصين برعاية روسيا مع كازاخستان وقيرغيزستان وطاجيكستان على ترسيم الحدود المشتركة. وأسفر التنسيق بين الدول الخمس عن ميلاد منظمة (شنغهاي خمسة) في عام 1996، وبحلول يونيو 2001 انضمت أوزبكستان ليتغير اسم المنظمة إلى (منظمة شنغهاي للتعاون) حيث يقع مقر الأمانة العامة في بكين، ثم انضمت للمنظمة بصفة مراقب منغوليا في عام 2004 ثم الهند وباكستان وإيران بنفس الصفة في عام 2005، فيما رفضت المنظمة قبول انضمام الولايات المتحدة بصفة مراقب في عام 2005.
ومع دخول الناتو إلى أفغانستان، والتخوف من صعود حركة طالبان مجدداً، ركزت منظمة شنغهاي على ملف الأمن الإقليمي، وأسست المقر الرئيسي لمكافحة الإرهاب الإقليمي التابع للمنظمة في طشقند بأوزبكستان حيث ركز على ملف مكافحة الإرهاب عبر تبادل المعلومات بين الأجهزة الأمنية للدول الأعضاء عن الجهات التي تمثل تهديداً لأمن المنطقة، وإعداد قوائم مشتركة بالمطلوبين، وتبادل الاستشارات الأمنية فضلاً عن التدريبات العسكرية التي تركز على مكافحة التمرد والإرهاب.
وبجوار تركيز منظمة شنغهاي على الأمن الإقليمي، بدأت القضايا الاقتصادية تندرج تدريجياً ضمن اهتمامات المنظمة، وبالأخص ملفات النقل البري ونقل موارد الطاقة عبر إنشاء ممرات نقل جديدة وتحديث ممرات النقل القديمة عبر شبكة من الطرق البرية والسكك الحديدية لتعزيز الربط بين أسيا وأوروبا، وهو ما تدعمه مبادرة الطريق والحزام الصينية الساعية لإحياء طريق الحرير القديم، والتي تخدم هدف بكين بالتوسع غربا بدلا من التمدد شرقاً الذي تواجه فيه الصين شبه حصار من الولايات المتحدة رفقة اليابان وكوريا الجنوبية والفليبين وأستراليا، وهي استراتيجية صينية تهدف أيضاً لمعالجة التفاوتات بين غرب الصين الأكثر فقراً والمتاخم لآسيا الوسطى وشرق الصين الأكثر ثراءً.
وفي عام 2017 تم قبول العضوية الكاملة للهند وباكستان بدلاً من صفة المراقب، فيما قُبلت العضوية الكاملة لإيران في القمة الأخيرة عام 2022، بينما قدمت تركيا منذ قرابة عشر سنوات طلبا للانضمام للعضوية الكاملة لم يُقبل بعد.
التنافس الجيوسياسي مع واشنطن
ينظر أغلب المحللين الأمريكيين إلى منظمة شنغهاي للتعاون نظرة ريبة فأطلقوا عليها وصف "الناتو الآسيوي" و"نادي المستبدين"، إذ يرون أنها تشكل تهديداً محتملاً لمصالح واشنطن عبر العمل كثقل جيوسياسي موازن للنفوذ الأمريكي، وتشكيل كتلة – باستثناء الهند- تضم عدة دول مناهضة للقيم الغربية الليبرالية، ويبلغ عدد سكانها نحو 43% من سكان الأرض، وتنتج ربع الناتج المحلي الإجمالي العالمي مما يجعلها أكبر منظمة إقليمية.
وفي ظل تلك المخاوف الأمريكية، حرصت الصين وروسيا على عدم قبول العضوية الكاملة لإيران لتبديد التخوف الأمريكي من المنظمة، والحرص على تصويرها باعتبارها منظمة تركز على الأمن الإقليمي فقط وتقر بقواعد النظام الدولي وتعمل وتنسق مع مؤسساته دون أن تمثل بديلاً له.
أما إيران فقد حرصت من جانبها على نيل العضوية الكاملة باعتبار أن ذلك سيعضد شراكتها مع موسكو وبكين بهدف توسيع مشروع "المثلث الاستراتيجي" بين روسيا والصين والهند الذي سبق أن طرحه وزير الخارجية الروسي السابق يفجيني بريماكوف في عام 1998 بهدف تأسيس اتحاد جيوسياسي من القوى البارزة الموجودة في الكتلة الأرضية الأوروبية الآسيوية، فالشراكة بين القوى الأربعة بحسب وزير الخارجية الإيراني السابق كمال خرازي ستمثل اتحاداً لأربع حضارات ذات أعراق وأمم وأديان مختلفة، وهو ما يمكن أن يغير الخريطة السياسية العالمية عبر تحويل مركزية السلطة بعيداً عن الغرب، وقد أكد الرئيس الإيراني السابق أحمدي نجاد بوضوح ذلك خلال كلمته في قمة منظمة شنغهاي عام 2012 عبر القول (يجب أن تعزز منظمة شنغهاي للتعاون التكامل الإقليمي وتقود الجهود إلى ظهور نظام عالمي جديد).
وإن نيل طهران للعضوية الكاملة مؤخرا يوفر لها منصة للعلاقات التجارية والاقتصادية تمكنها من الالتفاف على العقوبات الغربية المفروضة عليها، ويعضد توجهها المشترك مع روسيا والصين لاستخدام العملات الوطنية في المعاملات التجارية البينية بدلا من الدولار للحد من سيطرة واشنطن على النظام المالي العالمي، ويعزز من دور طهران الإقليمي، كما يمثل رسالة من موسكو وبكين لواشنطن بأن السياسات الأمريكية ضد البلدين ستدفعهما لخيارات امتنعا عنها سابقاً حرصاً على تجنب التصعيد.
تحديات منتظرة
رغم الرسائل التي يحملها قبول عضوية إيران الكاملة بالمنظمة إلا أن كل توسع يحمل معه تحدياته ومخاطره، فالعلاقة العدائية بين الهند وباكستان المنضمين، والخلافات الحدودية المستمرة بين الصين والهند، والاشتباكات الدورية بين قيرغيزستان وطاجيكستان تهدد تماسك منظمة شنغهاي للتعاون التي تتخذ قراراتها بإجماع الدول الأعضاء. كما أن تضارب المصالح بين روسيا والصين يهدد الانسجام بين البلدين حال الوصول لتهدئة مع واشنطن، فالصين تركز على البعد الاقتصادي بينما روسيا تركز على البعد الأمني والعسكري لأنشطتها في أوراسيا.
ومن جانبها تسعى الدول الأعضاء لمواجهة تلك التحديات عبر القمم السنوية التي يحضرها رؤساء الدول الأعضاء، مما يجعل تلك القمم أشبه بمنتدى لتبادل الرأي وعلاج الخلافات والوصول لحلول مشتركة تجاه القضايا محل الاهتمام. وفي حال قبول العضوية الكاملة لتركيا مستقبلاً، وضم بعض دول الخليج ومصر التي تقدمت بطلبات للمشاركة بصفة مراقب في المنظمة، فإن منظمة شنغهاي ستتوسع بذلك خارج الكتلة الأوراسية مما يجعلها تمثل بديلاً عملياً للنظام الدولي الحالي أو على الأقل منافس له، وهو ما تراقبه واشنطن بانزعاج قد يفضي لمزيد من التوتر الأمريكي مع الصين وروسيا.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.