الوضع الأمني في ليبيا والانشقاق العسكري بالبلاد تسببت تداعياته في العديد من الجرائم، ومن أكثر هذه الجرائم وحشية ما يعرف بالمقابر الجماعية، والتي يعود اكتشاف وجودها إلى الفترة من أبريل/نيسان 2019، حتى يونيو/حزيران 2020، خاصة في مدينة ترهونة وجنوب طرابلس العاصمة، وفق مصادر ليبية رسمية.
أحدث وقائع هذه القضية تمثلت في عثور الهيئة العامة للبحث والتعرّف على المفقودين، وجهاز الردع لمكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة في ليبيا، (جهتان حكوميتان في ليبيا)، على 7 جثث مجهولة الهوية جرى اكتشافها نهاية شهر أغسطس/آب المنصرم في أحد مواقع "مكب النفايات العام" في مدينة ترهونة الليبية، الواقعة على بُعد 90 كيلومتراً جنوب شرق طرابلس.
مسؤولية ارتكاب هذه الجرائم أرجعتها السلطات الليبية ممثلة في وزير الداخلية السابق فتحي باشاغا، المُعيّن حالياً رئيساً للحكومة من طرف مجلس النواب بالتوازي مع وجود حكومة أخرى مقرها طرابلس يرأسها عبد الحميد الدبيبة، أرجع باشاغا الجرائم حينها إلى ميليشيات تابعة لخليفة حفتر، وقوات موالية لها، على رأسها ميليشيا اللواء التاسع "الكانيات"، معتبراً ما قامت به هذه القوات بمثابة جرائم حرب، وجرائم ضد الإنسانية، وإبادة جماعية.
تزايد أرقام الجثث وسط مقابر منتشرة
7 جثث جديدة رقم يُضاف إلى حصيلة الأرقام السابقة المُسجلة لدى الهيئة العامة للبحث والتعرف على المفقودين، ليصبح الرقم الكلي للجثث المنتشلة حتى نهاية أغسطس/آب 266 جثة.
وتجاوز عدد المقابر الجماعية المكتشفة في ترهونة بحسب الهيئة، 35 مقبرة، منذ العثور على أول مقبرة في يونيو/حزيران من عام 2020م.
إلى ذلك أعلنت الهيئة أيضاً أن الجثث السبع الجديدة التي تم العثور عليها، سوف يتولى أمر العمل عليها فريق من الطب الشرعي الليبي، بأخذ العينات، وإحالتها لإدارة المختبرات لإتمام عملية المطابقة مع العينات المرجعية لأهالي المفقودين.
الهيئة أوضحت أن إجمالي عدد الجثث التي تم التعرف عليها عن طريق مختبراتها بلغ "154" جثة، جرت مراجعة نتائج تحاليل البصمة الوراثية المتحصل عليها من إدارة المختبرات، مع المراجعة والتدقيق مع إدارات الرفات وقيد الأهالي والطب الشرعي.
وأوضحت الهيئة العامة للبحث والتعرف على المفقودين إتمام مناقشة بعض الملفات والتعرف على حالتين مجهولتيْ الهوية بعد إجراء عملية المطابقة للنتائج باستخدام تقنية الحمض النووي DNA.
أمام هذا الواقع الذي يوضح بجلاء حجم الانتهاك الصارخ لحقوق الانسان في ليبيا خلال السنوات التي أعقبت ثورتها، حيث لا تزال عمليات البحث مستمرة عن مواقع محتملة لمقابر جماعية، خاصة في محيط مدينة ترهونة، وسجلت فرق إدارة البحث عن الرفات بالهيئة وبالتعاون مع جهاز الردع لمكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة في 9 أغسطس/آب 2022، اعترافات أحد المقبوض عليهم، الذي أرشد إلى أحد المواقع، حيث تم العمل على موقع المقبرة المستكشفة في "المشروع الزراعي 5 كيلو" بترهونة، واتضح أنها مقبرة فردية، وتم استخراج جثمان واحد مجهول الهوية، كما أعلنت الهيئة أنها مستمرة على باقي البلاغات الواردة إليها بالخصوص.
إحصائيات الجهات القانونية وخطوات تحقيق العدالة
خلال مؤتمر صحفي له في 19 أغسطس/آب 2022 كشف مكتب النائب العام في ليبيا عن حصيلة التحقيقات المتعلقة بالانتهاكات المرتكبة بالمقابر الجماعية في ترهونة، وحسب الحصيلة التي كشف عنها النائب العام "الصديق الصور"، فقد أكد أن عدد الجثث 259، قبل الجثث السبع الأخيرة، مستخرجة من 82 مقبرة، وتم التعرف على 120 جثة.
وأضاف النائب العام أن عدد قضايا التحقيق التي باشرتها النيابة العامة 280، وصدر عنها 376 أمراً بالقبض والإحضار، وأحال 10 قضايا على المحاكم الليبية.
وتابع النائب العام الليبي إن العدد الأكبر للقبور، تم اكتشافه بمزرعة هرودة "44 قبراً"، يليه المشروع الزراعي 5 كم "18"، وموقع المكب "7"، وطريق العبد "11"، وسوق الخميس "1".
مطالبات دولية بمحاكمة الجناة وعدم إفلاتهم من العقاب
أصابع الاتهام في جرائم المقابر الجماعية بمدينة ترهونة أشارت، بحسب السلطات الليبية، بوضوح إلى ميليشيا "الكانيات" التي تتكون من 6 أشقاء وأتباعهم، وقد هربوا شرقاً إلى مواقع يسيطر عليها خليفة حفتر، بعد تحرير المدينة في يونيو/حزيران 2020 من سطوتهم العسكرية، وكانت هذه الميليشيا تتمتع بقوة عسكرية مطلقة في المدينة. وتواجه "الكانيات" اتهامات بتصفية مئات من الأسرى الذين وقعوا في قبضتها انتقاماً لمقتل آمرها محسن الكاني، وشقيقه عبد العظيم، ودفنهم في "مقابر جماعية" على أطراف المدينة.
اكتشاف المقابر جاء بعد تحرير المدينة بواسطة القوات التابعة للسلطات المعترف بها دولياً في طرابلس إبان فترة رئاسة فائز السراج للمجلس الرئاسي لحكومة الوفاق، وكانت ترهونة قبل التحرير تمثل قاعدة رئيسية لميليشيا حفتر في المنطقة الغربية، والتي تدين لها ميليشيا "الكانيات" بالولاء.
وبعد اكتشاف هذه المقابر في المدينة وضواحيها أكدت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا دعمها لمساعي أسر الضحايا لتحقيق العدالة، والمساءلة لجميع المتورطين في المقابر الجماعية، كي لا يفلت الجناة من العقاب.
المحكمة الجنائية الدولية أرسلت وفداً إلى ترهونة في ديسمبر/كانون الأول 2020 لمعاينة "المقابر الجماعية"، هذا بالإضافة إلى مطالبة منظمة "هيومن رايتس ووتش" حكومة الوفاق حينها بالتحقيق في قضية المقابر الجماعية.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.