شهدت المنطقة العربية خلال سنتين متتاليتين حرائق مهولة وفيضانات جارفة لا تبقي ولا تذر، كذا درجات حرارة عالية جداً وزوابع رملية وجفاف يهدد الأمن الغذائي للمجتمعات، على غرار دول أخرى كأفغانستان وإيطاليا وغيرهما خلفت ضحايا وخسائر مادية جمة، كذا الجفاف الذي حل بمعظم دول العالم، نخص بالذكر فرنسا التي أعلنت رسمياً عدم قدرتها على تغطية ماء الشرب بنفس نسبة السنة الفارطة، لكن إلى متى يبقى الحديث عن التغير المناخي وما يخلفه مجرداً من الجانب العملي والفعلي في المنطقة العربية؟
ضحية تدفع فواتير الدول الصناعية
أكد البروفيسور جورجي ستينشيكوف الذي يشرف على الفريق المعني بأبحاث الغلاف الجوي والنماذج المناخية في جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية بالمملكة العربية السعودية، أن المنطقة العربية تفوق غيرها من مناطق العالم في درجة حساسيتها للعوامل التي تتسبب في التغير المناخي، حيث تقدر وتيرة الاحترار الذي تشهده المنطقة أسرع بحوالي 30% من المتوسط العالمي، حتى إن بعض الدول قد تصبح غير صالحة للحياة.
بالرغم من أن إنتاج الدول العربية لانبعاثات ثاني أكسيد الكربون وصل إلى نحو 8.5% عالمياً، حسب تقرير الاتحاد الأوروبي الصادر عام 2018، إلا أن ما تدفعه من خسائر بسبب التغير المناخي لا يستهان به مقارنة بما تنتجه والذي يعتبر نسبة ضئيلة، وهذا بسبب عدم اتخاذها للإجراءات الاحترازية والوقائية اللازمة.
عرفت الجزائر موجة حرائق بداية شهر أغسطس/آب في منطقة الشرق الجزائري الذي راح ضحيته 41 مواطناً، حسب تصريح الحماية المدنية الجزائرية، وجثث احترقت بالكامل لم تعرف حتى هوية أصحابها، غرد الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون بعد الفاجعة مباشرة، مشدداً على تسخير المؤسسات الحكومية والإمكانات كافة لإخماد الحرائق والتكفل بالمصابين.
كذا اجتاحت سيول هائلة منطقة الخليج والسودان؛ حيث أودت بحياة العديد من المواطنين، وتسببت في خسائر مادية، وأعلنت حكومات الدول المتضررة تشكيل لجان عاجلة لحصر الأضرار التي خلفتها السيول.
هي الأخرى العراق عانت من عواصف رملية طالت أغلب المحافظات العراقية، وتسببت في إغلاق جميع المطارات الدولية والمحلية.
كل هذه الكوارث شهدتها المنطقة العربية في الفترة الأخيرة التي لا تتجاوز شهرين، وما كان بيد الجهات المعنية سوى التعامل مع الكارثة بعد حدوثها، ما يزيد من عدد الضحايا والخسائر، وهذا ما يدفعنا للتفكير في الوقاية منها قبل حدوثها واللجوء فوراً للتنفيذ بدل الحديث والتنظير، بينما يروح ضحية التغير المناخي الكثير من الأشخاص.
مع التغير المناخي.. الوقاية خير من العلاج
يرى الدكتور هشام عبد السيد الصافي محمد بدر الدين في دراسة أجراها حول أهمية إدماج المجتمع المدني في صنع القرارات البيئية إلى مجموعة من التوصيات، أهمها تفعيل الأسلوب الديمقراطي في إدارة منظمات المجتمع المدني العاملة في مجال حماية البيئة وتنميتها، وجعل إدارتها بالتناوب وخلال فترات زمنية قصيرة، مع عدم تثبيت مجالس إدارتها؛ مما يدفع لجمود نشاط هذه المنظمات وعدم تطورها.
كذا يعتبر مختصون في البيئة أن الحل الأمثل هو التوجه العاجل للطاقات المتجددة، التي تتمثل بالدرجة الأولى في الطاقة الشمسية، وعند الحديث عن الطاقة الشمسية لا يوجد من يمتلك آلاف الهكتارات ليستغل الطاقة الشمسية كالدول العربية، والذي بدأت فيه بعض الدول العربية بالفعل، حيث ذكرت منظمة جلوبال إنرجي مونيتور، أن مجمل الطاقة المتجددة الجاري تدشينها عربياً إلى جانب الموجودة حاليا تبلغ 73.4 غيغاوات، تتركز على وجه الخصوص في الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، كذلك من بين الحلول زيادة مهام وزارات البيئة في المنطقة العربية وتشجيع البحوث العلمية، ورفع ميزانيتها للقيام بالإجراءات الوقائية قبل وقوع الكارثة، فكما لاحظنا في الجزائر فشلت السلطات المعنية في إخماد الحرائق لعدم توفر طائرات الإطفاء، مثلما فشلت دول المنطقة العربية في احتواء الكوارث.
هذا وأكد وزير البيئة اللبناني ناصر ياسين في مداخلة له بمنتدى "الشرق الشبابي: انعتاق الخيال" الذي انعقد في إسطنبول، أن المشاكل العالمية تحتاج إلى حلول عالمية، وهذا ما يجعلنا نؤكد على ضرورة ضغط دول المنطقة العربية على الدول التي تنتج نسباً كبيرة من الغازات الدفيئة، على رأسها الصين والولايات المتحدة، سواء بالحد وإنقاص نسب التسريبات وإنتاج الغازات، وإلا عن طريق فرض ضرائب على هذه الدول.
بالنظر لهذه المعادلة نجد أن دول المنطقة العربية لها نصيب من الكوارث في جوانب عدة، سواء خسائر بشرية أو مادية، والتي بدورها تؤثر على الاقتصاد، بينما الدول الغربية لها نصيب من أرباح المصانع التي تنتج الغازات الدفيئة التي تشكل المصدر الأول للكوارث الناتجة عن التغير المناخي، حتى وإن كانت هي الأخرى تواجه خطر التغير المناخي.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.