لم يستغرق الأمر سوى متابعة الدقائق العشر الأولى لأعرف أن الأمر لم يتغير، البحث عن أن تكون مصدر تريند، تقديم اللاشيء حرفياً، انتهاك صريح لكثير من القيم التي لا أعرف كيف يمكن أن تُنتهك أمام الجميع على الشاشة.
هذا كان نتاج ما خرجت به من مشاهدة الحلقة الأولى من برنامج صبايا الشمس، الذي عادت به الإعلامية المصرية ريهام سعيد إلى الشاشة بعد عام من إعلان اعتزالها العمل الإعلامي.
ففي العاشر من سبتمبر الجاري عادت ريهام سعيد إلى الشاشة، وكانت الضيفة الرئيسية في الحلقة معها الطفلة بسنت، التي سبق أن ظهرت معها في برنامجها السابق.
إن كنت لم تشاهد الحلقات فلا تعتقد أن بسنت طفلة لديها أي شيء يمكن تقديمه على الشاشة، فهي مثلاً لا تمتلك أي موهبة يمكن أن تقدَّم للجمهور، فهي لا تغني ولا ترسم ولم تقدم أي موهبة في وقت ظهورها في البرنامج، أو أنها طفلة متفوقة في أي مجال، فهي لا تمتلك قدرات خارقة في الحساب أو غيره، أو أنها حفظت القرآن الكريم في سن مبكرة، هي حرفياً لا تملك أي موهبة، أو لنكن أكثر دقة لم تقدم أي موهبة على الشاشة، ومع ذلك كانت استضافتها من قِبل الإعلامية المذكورة لا لشيء سوى أنها ليست طفلة في الفكر وطريقة الكلام وفيما يجذب تفكير الأطفال، هي أيضاً ليست طفل "لمضة" تحب المجادلة كالأطفال، بل هي مجرد طفلة وُجدت في عالم مختل يجري فيه الآباء لجني الشهرة والمال على حساب طفولة أطفالهم.
هنا أود أن أحكي عن نقطتين تحديداً عن ريهام سعيد بالطبع، وعن أهل الطفلة بسنت.
أولاً ريهام سعيد
في صغري كنت أود أن أكون إعلامية، لكنني لم أكن أحب البرامج الإخبارية الموجودة في حينها قبل ظهور الفضائيات، فكنت أتساءل عن أسباب عدم وجود برامج للناس العادية كما كنت أسميهم في صغري. كبرت وعرفت أن نوع البرامج هذا يسمى البرامج الاجتماعية، وكبرت أكثر فعرفت بعد دخول الفضائيات إلى المنازل في بداية الألفية إلى وجود العديد من أنواع تلك البرامج.
ريهام سعيد المذيعة المصرية التي ظهرت منذ سنوات ببرنامجها "صبايا"، الذي من الممكن تصنيفه أنه برنامج اجتماعي، اتخذ البرنامج عدة أشكال مع انتقالها بين الفضائيات المختلفة، ولكن ما ظل متشابهاً بين كل برامجها في رأيي هو عدم وجود أي معايير لتقديم أي شيء، الرغبة العارمة في تحقيق نسبة مشاهدة عالية رغماً عن أي معايير اجتماعية وأخلاقية، الدفاع عمن لا يتسحقون الدفاع عنهم، وتحميلها المسؤولية للضحايا -لعل أشهر مثال هو فتاة المول التي حملتها جزءاً من أسباب التحرش بها بسبب ملابسها، كل هذا يجعلني لا أراها إعلامية اجتماعية تقدم ما يهم الناس، ولكنها إعلامية لا تريد سوى أن يتحدث عنها الناس أن تقدم أي موضوع مهم بدا غير منطقي وغير مهم، فقط ليتحدث عنها الناس وتتصدر التريند.
لا تتهمني بالتحامل عليها، ولكن لنعد إلى السابقة في برنامجها الأخير، عندما ذهبت إلى تصوير الطريقة التي يتم اصطياد الحيوانات بها ليتم نزع جلودها لتُصنع منها الأحذية والشنط التي تقدم إلى صاحبات الطبقات العليا في المجتمع.
لا يمكن أن يتصور أحد أن هناك أحداً عاد بفائدة واحدة من تلك الحلقة، ولا يمكنني أن أتصور أنه تم تصوير تلك الحلقة من أجل تنفير الناس من صيد الحيوانات وتعريفهم بمدى الأذى الذي يقع على الحيوانات، لأن ذلك منطق مختل، فلا يجب أن ألقي بك في النار حتى تعلم أنها تحرق؟
الضحية في برنامجها الجديد كانت طفلة لا تتعدى الـ5 سنوات، طفلة لا تقدم أي شيء، ولم تستضفها ريهام سعيد إلا لأنها طفلة تقدم طريقة كلام وتعليقات غير مناسبة لسنها، لا يمكن أن نصف تعليقات الطفلة بأنها ناضجة، بل يمكنني وصفها بأنها طفلة سُرق منها إحساسها بالطفولة.
الأطفال لا يعرفون كل تلك التفاصيل التي تهم بسنت ومن المفترض، وتبعاً لقواعد الأدب ألا يتهكموا على من هم أكبر منهم في السن، بالطبع عزيزي القارئ، أعلم أنه من الوارد أن يتهكم عليكم طفلك دون قصد، ولكن من واجبك التربوي أن تقوّم سلوكه، وتقف على أماكن الخطأ وتعرفها وتحسنها لا أن تستغله ريهام سعيد ذلك وتقدمها للشاشة على أنها نجمة.
كعادتها في كل مرة لا وجود لأي قيم حتى وإن زاد الحد إلى انتهاك قيم الطفولة وتقديم الأخطاء السلوكية على أنها تريند، وشيء يمكن التجاوز بحقه.
ثانياً أهل بسنت
عندما شاهدت مقاطع الفيديو للطفلة بسنت على مواقع التواصل الاجتماعي في ظهورها الأخير مع ريهام سعيد، لأنني لا أشاهد حلقات ريهام سعيد منذ سنوات طويلة، وامتداداً لمتلازمة أصابتني منذ أن أصبحت أمّاً، بأن أراقب أفعال الأطفال وأسقطها على ابنتي حتى أتجنب تمريرها في تربية طفلتي، كان الرفض منذ اللحظة الأولى لمعظم تصرفات الطفلة بسنت.
ما شكل التربية التي تجعل فتاة في الخامسة أو حتى السادسة من عمرها تتحدث لمن هم أكبر منها سناً وتنتقد شكل ملابسها وطول شعرها وإكسسواراتها، وتعرب عن قلقها إزاء إن كانت ترتدي باروكة أم لا، من يسمح لطفلة أن تتكلم بتلك الطريقة ويكون المقابل الاحتفاء بها؟
هنا لن أتوقف أكثر من ذلك عند الطفلة نفسها، فهي بالنهاية طفلة، وُلدت ورقة بيضاء، ونتائج أفعالها هو ما خطه أبواها في تلك الورقة؟
كما أنني لن أتدخل في طريقة التربية، فأيضاً، وباختلاف الطبقات الاجتماعية، يمكن أن نجد لفظاً مقبولاً في طبقة، بينما ترفضه طبقة أخرى، وأن لكنة معينة في الكلام تكون الطبيعية في طبقة اجتماعية، بينما تجدها طبقة أخرى لكنة غير مقبولة، لكن كل تلك الاختلافات لا تنفي قاعدة أساسية واحدة متفق عليها بالإجماع، وهي الإلزام الذي يقع على عاتق الوالدين بحماية أطفالهما.
الحماية التي تجعل الأطفال يعيشون حياة الطفولة التي تقتصر على اللعب والمرح والأخطاء التي تقوم والأسئلة المحرجة التي نتلعثم في إجابتها، وعدم دمجهم في حياة الكبار ومن أهم عناصرها في العصر الحالي مواقع التواصل الإجتماعي فكيف الحال بالزج بالطفلة إلى برنامج تليفزيوني لا لشيء سوى جني المال والحصول على الشهرة؟
يظهر علماء التربية الأضرار الناتجة عن دمج الأطفال في عالم مواقع التواصل الاجتماعي، كما أكدوا ضرر انشغال الأطفال في سنوات أعمارهم الأولى بعمل الفيديوهات ونشرها على مواقع التواصل، ومن أهم أسباب تفسير ذلك هو أن أولئك الأطفال لا يشعرون بقيمتهم إلا من خلال أعداد الإعجاب التي يحصلون عليها جراء نشر كل فيديو، أي إن الشعور بالقيمة الذاتية يأتي من أراء الآخرين، مما قد يتسبب في تعريض الأطفال طوال أعمارهم لمشاكل فقدان الثقة بالذات والشعور بالدونية والإهتمام بكسب إعجاب الآخرين بأي مقابل، فكيف الحال إن كان من يدفع الطفل إلى ذلك العالم هم الآباء؟
خطأ لا يُغتفر لأهل بسنت أو غيرهم ممن يتخذون من أطفالهم مجالاً للشهرة وتحقيق الأموال، التي من المؤكد أنهم يحصدونها مقابل الظهور في مثل تلك البرامج.
أما عن الأموال فجميعنا حقاً نسعى لكسبها والحصول على مزيد منها، ولكن تلك الرغبة تحدها بعض الحدود، منها الدينية والاجتماعية، بمعنى أن تلك الأموال يجب أن تكون من مصدر حلال وألا تسبب الأذى لغيرنا، ومن المؤكد أن كسب المال عن طريق محو طفولة أبنائنا والاحتفاء بفقدانهم كل معاني البراءة والطفولة تسبب الكثير من الأضرار لأطفالنا، فهي على أقل تقدير تدخلهم في دائرة البحث عن الشهرة المجنونة التي بُلينا بها في عصرنا الحالي.
أخيراً بسنت
يرى علماء التربية أن ما يتعرض له الأطفال في سنوات عمرهم الأولى يصاحبهم طوال حياتهم، ويشكل الكثير من شخصياتهم في المستقبل، وهنا أتصور شكل الحياة التي يمكن أن تلقاه بسنت عندما تكبر؟ شكل الحياة من ناحية نفسية لطفلة وجدت لأخطائها من يحتفي بها، بل كانت تلك الطريقة سبباً في الشهرة وأن يعرفها الجميع من الجيران، وسبباً لتفوقها على الأصدقاء فهي معروفة وهم لا؟
كيف يمكن أن يتحول ذلك المعيار لمعيار يحكم سلوكها بالكامل في الكبر، بأن تسعى لتحقيق الشهرة بأي ثمن؟
في الواقع أدعو الله لها أن يبعدها عن ذلك كله.
بالنهاية ريهام سعيد بالنسبة لي ليست سوى مذيعة تفكر دائماً بلغة التريند، وأما عن أهل بسنت ومن مثلهم الذين يغامرون ببراءة أطفالهم فهم ليسوا سوى أناس لم يقدروا نعمة أن يرزقهم الله بأطفال أو بمعنى أدق لم يعرفوا كيف يشكرون نعمة الله في أطفالهم.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.